بعيدا عن الحديث عن الضرائب التصاعدية التي لا نجد أي حكومة تستجيب لها، وبعيدا عن دعم الشركات الكبرى في أسعار الوقود والكهرباء الذي يبدو الحديث فيه شائكا ومخيفا من خرافة تطفيش المستثمرين، كان المستثمر لازم يشتغل بكل المميزات التي تجعله يكسب أضعاف سعر المنتج ثم يبيعه لي بالسعر العالمي. بعيدا عن أي شيء لن يستمع إليه أحد، أعرف أن حجم الدين الداخلي مهول، وهو دين على الدولة أو الحكومة لقطاع المقاولات الخاص في مصر، أي للشركات الخاصة، وكذلك لشركات المقاولات الحكومية، هذا الدين الداخلي حقيقي على الورق لكنه ليس حقيقيّا في الواقع؛ لأن الأسعار التي ترسو على شركات المقاولات نتيجة المناقصات التي تعقد في مثل هذه الحالات أسعار كبيرة جدّا قياسًا إلى الحقيقة، ومن يريد أن يتأكد من كلامي عليه أن يذهب على سبيل المثال لأصحاب العمارات، ويسأل أيّا منهم عن سعر تكلفة الشقة التي تصل إلى مائة متر، مضافا إليه ما يخصها من سعر الأرض، سيجد أن الشقة المائة متر لا تزيد تكلفتها عن خمسين ألف جنيه، وطبعًا لن يجيبك صاحب العمارة إذا لم يكن على علاقة معك؛ لأنه سيبيع الشقة بثلاثة أضعاف ثمنها بالقسط، لكن يمكن أن تسال أي مهندس خاص كم من الحديد تحتاجه الشقة وكم من الأسمنت، أقصد الكمية، وكم من الطوب، وبعد ذلك تسأل عن سعر كل شيء وتعرف سعر بناء الشقة، ولن يزيد عما قلت لك بما فيه أيضا عمل المحارة لجدرانها، أو ما يسمونه الشقة نصف التشطيب، جرب أن تشتري شقة بالقسط بنفس المساحة من الدولة أو أحد بنوكها ستجد سعرها أكثر بكثير من سعر القطاع الخاص، ناهيك عن سلق البناء والتشطيب حتى أنك إذا ذهبت إلى مساكن تبنيها الدولة من النوع الفقير أو المتوسط تجد أن الأسقف تتسرب منها المياه في الحمامات، ويظهر ذلك على جدران العمارة، وهكذا، طبعا هناك حالات استثنائية يكون فيها التشطيب أجمل وأفضل. وحديث الشقق هذا جعلني أتكلم في لقاء منذ أسابيع حول الشقق التي ستبيعها الدولة في أحد مشرعاتها الجديدة، كان المذيع هو يوسف الحسيني، ومن يقابله أحد رجال البنوك، سأله يوسف الحسيني كم يكون سعر المتر مع ملاحظة أن الأرض ببلاش؟ فقال المتحدث البنكي: سعر المتر سيكون بألف وثلاثمائة جنيه، وستكون الشقة نصف تشطيب، أي كما يقولون على المحارة. فقال يوسف الحسيني تلقائيّا: دا عندنا في الهضبة المتر بألف وثلاثمائة جنيه. يقصد هضبة الأهرام، وبالمناسبة أنا من سكانها، والأمر كذلك فعلا، ويمكن أن تجده أعلى قليلا أو أقل حسب الموقع. قال المتحدث: إن الدولة ستدفع عشرين ألف جنيه لكل مالك على سبيل الهبة، وهو أمر جيد، لكن الحقيقة المشروع لمليون وحدة، وإذا ضربنا المليون في عشرين ألف، يعني أن الدولة ستدفع عشرين مليار جنيه على سبيل الهبة، والشقة مساحتها سبعون مترًا، وليس مائة، أي ستحسب تكلفتها بحوالي ثمانين ألف جنيه، ثم تضاف عليها فوائد البنك، دعنا من حديث الفوائد؛ لأنها ستكون كما يقال سبعة في المائة، لكن نعود إلى سعر تكلفة الشقة الحقيقي الذي لا يمكن أن يزيد عن ثلاثين أالف جنيه، ما دامت الأرض بالمجان . والشقة سبعون مترًا، طبعا سيقال إن الشركات التي تقوم بالبناء للحكومة يعمل فيها مئات العمال وعشرات الماكينات، وغير ذلك، لكن في الحقيقة يظل الأمر باهظ التكاليف. من زمان أريد أن أتحدث في هذا الموضوع . كيف حقّا تكون المناقصات مرتفعة الثمن إلى هذا الحد . لكني سأبتعد عن هذا كله وأقدم سؤالا لهؤلاء الذين يدينون الدولة أو الحكومة : ألا يمكن تخفيض السقف الذي تعملون تحته ؟ والأهم والدولة الآن في حالة عسر شديد حتى أنها لا تستطيع تسديد ديونها لكم ؟ ألا يمكن لكم التنازل عن نصف هذه الديون أو حتى ربعها لدولة تريد الوقوف على قدميها .