اندلعت ليل الاثنين مواجهات مسلّحة في أحياء الأشرفية والشيخ مقصود بمدينة حلب، بين القوات الحكومية السورية وقوات سوريا الديمقراطية (قسد) ذات القيادة الكردية، وأسفرت عن مقتل جندي حكومي ومدني، وفق ما أعلنته وكالة الأنباء الرسمية السورية. هذه الاشتباكات وُصفت بأنها من أخطر جولات العنف بين الجانبين منذ تشكيل الحكومة الجديدة، وأشارت إلى هشاشة التفاهمات القائمة. وقف إطلاق نار بعد ساعات من التصعيد بحلول صباح الثلاثاء، أعلن وزير الدفاع السوري التوصل إلى اتفاق لوقف شامل لإطلاق النار بعد محادثات مباشرة بين دمشق وقيادة "قسد". الاتفاق شمل جميع الجبهات في شمال وشمال شرق البلاد، وأكد على تهدئة فورية لاحتواء التوتر. وجاء الإعلان عقب وصول قائد "قسد" إلى العاصمة السورية لإجراء مباحثات مع مسؤولين حكوميين رفيعي المستوى. خلفية سياسية مشحونة تأتي هذه المواجهات في وقت تسعى فيه الحكومة الجديدة برئاسة أحمد الشرع إلى بسط سيطرتها على كامل الأراضي السورية بعد الإطاحة بنظام بشار الأسد في ديسمبر الماضي. لكن المناطق ذات الأغلبية الكردية ما تزال خارج نفوذ الحكومة، وقد تم استبعادها من أول انتخابات برلمانية في سوريا ما بعد الأسد، ما يعكس عمق الخلافات السياسية. ويرى مراقبون أن الصدام الأخير يعكس تصاعد التوتر بسبب تأجيل تنفيذ اتفاق دمج قوات "قسد" في الجيش الوطني، وهو اتفاق أُبرم في مارس الماضي بوساطة أمريكية لكنه لم يُنفّذ حتى الآن. الدور الأمريكي الحاضر بقوة الحراك الدولي لم يكن بعيدًا عن المشهد؛ إذ التقى المبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا وقائد القيادة المركزية الأمريكية بقيادة "قسد" في شمال شرق سوريا، قبل أن ينتقلا إلى دمشق لعقد اجتماعات مع الرئيس السوري. هذا يعكس أن واشنطن ما تزال تعتبر "قسد" شريكًا محوريًا في استراتيجيتها ضد تنظيم الدولة الإسلامية، وهو ما يمنحها ورقة ضغط في مفاوضاتها مع دمشق. سكان بين القلق والنزوح تسببت الاشتباكات في نزوح عدد من سكان الأحياء الكردية داخل حلب، وسط صعوبة وصول سيارات الإسعاف إلى بعض المناطق التي شهدت تبادلًا عنيفًا لإطلاق النار والقصف المدفعي. منظمات إنسانية محلية ودولية حذّرت من أن تجدد القتال قد يفاقم الأزمة الإنسانية في مدينة عانت لسنوات طويلة من الحرب والدمار، ودعت الأطراف كافة إلى الالتزام بالتهدئة وتغليب الحوار السياسي. سيناريوهات المستقبل المراقبون يرون أن الاشتباكات الأخيرة قد تكون مؤشرًا على مرحلة جديدة من العلاقة المتوترة بين الحكومة المركزية والإدارة الكردية. فبينما تصر دمشق على استعادة "احتكار القوة" داخل البلاد، تسعى "قسد" للحفاظ على استقلالية قرارها السياسي والعسكري، مدعومة بعلاقاتها مع واشنطن. وبين هذا وذاك، يظل السؤال الأهم: هل تؤدي هذه الاشتباكات إلى اتفاق شامل يدمج الأكراد في الدولة الجديدة، أم تفتح الباب لجولة جديدة من الصراع الممتد؟