سحل البراءة.. التسول بالأطفال قنبلة موقوتة في المجتمع

سحل البراءة.. التسول بالأطفال قنبلة موقوتة فى المجتمع
عصابات تجلب الأطفال من أسر فقيرة عبر الإغراء المادى أو التهديد
الظاهرة تهدد بمستقبل مخيف.. وخبيرة سلوكية: الحل فى العلاج المبكر والعقوبات الصارمة
ضبط 6 قضايا بها 73 طفلًا خلال أيام قليلة
العشرات بل المئات من الأطفال، وربما أكثر من ذلك بكثير، ساقتهم أقدارهم حتى أصبحوا فريسة سهلة وقعت في شباك بعض ضعاف النفوس والعصابات، في استغلالهم في التسول واستجداء المارة، بعدما أضحى الشارع هو مأواهم الوحيد، وسبيلهم المزيف للنجاة، وسط وصلات من التعذيب وانتهاك الأعراض وانعدام الأمان النفسي والجسدي، بات أولئك الصغار يدورون في فلك تلك الرذائل مجتمعة أو بعضا منها.
كيف يتم استدراجهم؟
والأمر الأخطر هنا هو تنوع أساليب تلك العصابات في، حيث يتم جلب الأطفال من أسر فقيرة عبر الإغراء المادي أو التهديد، أو استغلال الأطفال المشردين والأيتام بعد استدراجهم من الأحياء الشعبية، وفي بعض الحالات المؤسفة، يجري اختطاف الأطفال عمدًا وتشويههم أو إصابتهم عمدًا ليثيروا الشفقة أكثر، وهو ما يزيد من عائد التسول، كما يُجبر بعض الأطفال على استخدام مواد مخدرة أو مسكنات تتحكم بهم وتمنعهم من الهرب، ويتم تبديل أماكن تواجدهم باستمرار لعدم كشف الجريمة، فلا يكاد يخلو شارع رئيسي أو محطة مترو أو ميدان كبير في القاهرة أو الإسكندرية أو غيرها من المحافظات من مشهد أطفال يتسولون بأعمار مختلفة، تتراوح أحيانًا من سنوات الطفولة المبكرة وحتى المراهقة. وغالبًا ما يجري استغلال الأطفال من قبل بالغين - قد يكونون من أهاليهم أو محسوبين عليهم - في التسول تحت ضغط الحاجة أو الإكراه أو التهديد، أو حتى بعد خطفهم وتهجيرهم من محافظات مختلفة لحساب عصابات متخصصة.
أرقام مفزعة
المؤسف أن تلك الظاهرة تتزايد بشكل طردي، وبرغم ما تبذله الدولة من جهود مضنية للحد من تلك الظاهرة عبر مؤسساتها المختلفة، المتمثلة في وزارة الداخلية ووزارة التضامن الاجتماعي، إلا أنها تتزايد بشكل مخيف، والمرعب في تلك الظاهرة صعوبة تحديد أرقام دقيقة نظرًا للطبيعة الخفية للجريمة، حيث تشير تقارير حقوقية وبيانات رسمية إلى أن آلاف الأطفال يُستغلون يوميًا في التسول بالقاهرة الكبرى وحدها، وأشارت إحدى دراسات "المجلس القومي للطفولة والأمومة" إلى أن أكثر من 60% من الأطفال المتسولين تعرضوا للاستغلال البدني أو الجنسي أو النفسي، وهو ما يجعلنا ندق ناقوس الخطر لعلنا نوقف تلك الظاهرة التي تعبث ببراءة الأطفال لتحولهم في المستقبل إلى قنابل موقوتة من المجرمين الحاقدين على المجتمع وعلى أفراده، ما يؤدي إلى تفتيته من الداخل عبر أبنائه الذين ضل طريقهم شياطين الإنس.
جرائم مفزعة في استغلال الأطفال في التسول
ترصد "البوابة" 6 جرائم استغلال الأطفال في التسول نجحت الأجهزة الأمنية في ضبطها خلال الأيام القليلة الماضية، عدد الأطفال المستغلين في تلك الجرائم تجاوز 73 طفلًا.
يتسول بابنه
تجري جهات التحقيق بالجيزة، التحقيقات حول استغلال أحد الأشخاص نجله الذي يبلغ من العمر 3 سنوات في أعمال التسول واستجداء المارة بمنطقة الدقى، وأمرت بحبس المتهم الذي تبين أن له معلومات جنائية 4 ايام على ذمة التحقيقات، كما أمرت بإيداع الطفل إحدى دور الرعاية، وطلبت تحريات أجهزة الأمن حول الواقعة.
كانت الأجهزة الأمنية بوزارة الداخلية، قد كشفت ملابسات مقطع فيديو تم تداوله بمواقع التواصل الاجتماعي، يتضمن استغلال أحد الأشخاص لصغير في أعمال التسول واستجداء المارة بدائرة قسم شرطة الدقي بالجيزة.
ضبط الأب المتهم
وعلى الفور نجحت قوة أمنية من تحديد مكان المتهم المشار إليه في مقطع الفديو وضبطه، وبصحبته نجله، وبمواجهته اعترف باستغلال نجله في أعمال التسول واستجداء المارة.
تحرر محضر بالواقعة وتولت النيابة التحقيق.
أجبروهم على استجداء المارة.. تحقيقات موسعة مع شبكة تستغل الأطفال
فتحت جهات التحقيق بالجيزة، تحقيقات موسعة مع 20 شخصا من بينهم 7 أشخاص لديهم معلومات جنائية، 5 أطفال 8 سيدات وبحوزتهم أسلحة بيضاء، يقوم باستغلال الأطفال في أعمال التسول بالجيزة، وأمرت بحبس المتهمين 4 أيام على ذمة التحقيقات، والتحفظ على الأسلحة البيضاء التي كانت بحوزتهم، كما أمرت بإيداع الاطفال دور الرعاية بعد عرضهم على لجنة طبية من الطب الشرعي لفحصهم.
التسول مقابل الطعام
وكشفت أقوال الأطفال أثناء مثولهم أمام جهات التحقيق، أن المتهمين كانوا يقومون بإجبارهم علي التسول واستجداء المارة من أجل الحصول على المال، وبعد ذلك يأخذون منهم الأموال مقابل إطعامهم الفتات، وذلك داخل وكر تحت أحد الكباري الذي اتخذوه مكان إقامتهم.
ضبط شبكة تستغل الأطفال في التسول
كانت الأجهزة الأمنية قد فحصت منشورا مدعوما بمقاطع فيديو تتضمن وجود فتحة أسفل أحد الكباري يتردد عليها أطفال ونساء وشباب، واتخاذها وكرًا لاستغلال الأطفال في أعمال التسول.
7 مجرمين يستغلون الأطفال في التسول
وبالفحص أمكن تحديد المكان المشار إليه بدائرة قسم شرطة الأهرام بالجيزة، وأمكن ضبط 20 شخصا ل7 منهم معلومات جنائية من ضمنهم 8 سيدات و5 أطفال، وبحوزة 9 أشخاص، 9 قطع أسلحة بيضاء لقيامهم باستغلال الأطفال الأحداث في أعمال التسول واستجداء المارة وبيع السلع بطريقة إلحاحية بالمنطقة المحيطة بمكان ضبطهم.
وتم اتخاذ الإجراءات القانونية والتنسيق مع الجهات المعنية لإغلاق الفتحة المشار إليها، واتخاذ الإجراءات اللازمة نحو إيداع الأطفال بإحدى دور الرعاية.
مجرم يستغل 19 طفلًا في التسول
قررت نيابة مدينة نصر، حبس عاطل 4 أيام على ذمة التحقيق، بتهمة إجبار الأطفال على التسول واستجداء المارة.
وتمكنت الإدارة العامة لمباحث رعاية الأحداث بقطاع الشرطة المتخصصة من ضبط (عاطل "له معلومات جنائية")، لقيامه باستغلال الأطفال الأحداث فى أعمال التسول واستجداء المارة وبيع السلع بطريقة إلحاحية بدائرة قسمى شرطة (مدينة نصر أول وثان) بنطاق محافظة القاهرة، وبصحبته (19 حدثا) من المعرضين للخطر حال قيامهم ببيع السلع والتسول، وبمواجهته إعترف بنشاطه الإجرامى.
تم اتخاذ الإجراءات القانونية، وتسليم المجنى عليهم لأهليتهم وأخذ التعهد اللازم عليهم بحسن رعايتهم والتنسيق مع الجهات المعنية لإتخاذ الإجراءات اللازمة نحو إيداع من تعذر الوصول لأهليته لإحدى دور الرعاية.
شبكة تستغل 26 طفلا لاستجداء المارة
تمكنت الإدارة العامة لمباحث رعاية الأحداث بقطاع الشرطة المتخصصة من ضبط "عاطلَين، 4 سيدات" لهن معلومات جنائية؛ لقيامهن باستغلال الأطفال الأحداث في أعمال التسول واستجداء المارة وبيع السلع بطريقة إلحاحية بدائرة قسم شرطة مدينة نصر أول بالقاهرة.
تم ضبط المتهمات وبصحبتهن 26 حدثًا، من المعرضين للخطر حال قيامهن ببيع السلع والتسول، وبمواجهتهن اعترفن بنشاطهن الإجرامي.
تم اتخاذ الإجراءات القانونية، وتسليم المجني عليهم لأهليتهم وأخذ التعهد اللازم عليهم بحسن رعايتهم والتنسيق مع الجهات المعنية لاتخاذ الإجراءات اللازمة نحو إيداع من تعذر الوصول لأهليته لإحدى دور الرعاية.
عصابة تتسول بطفل ومطواة
كشفت الداخلية عن ملابسات مقطع فيديو تم تداوله بمواقع التواصل الاجتماعى يتضمن قيام مجموعة من الأشخاص باستجداء المارة وممارسة أعمال التسول بدائرة قسم شرطة المقطم بالقاهرة.
بالفحص أمكن تحديد وضبط الأشخاص الظاهرين بمقطع الفيديو عاطلان، سيدة وبصحبتها نجلها "جميعهم لهم معلومات جنائية" وبحوزتهم 4 هواتف محمول – سلاح أبيض، وبمواجهتهم أقروا بنشاطهم الإجرامى على النحو المشار إليه.
عصابة تتسول ب21 طفلًا
تجري النيابة العامة بالجيزة، التحقيق مع 18 متهمًا، بينهم 12 سيدة و6 رجال، في اتهامهم بتكوين تشكيل عصابي استغل الأطفال في أعمال التسول وبيع السلع بطريقة إلحاحية بدائرة قسمي شرطة "الشيخ زايد أول" و"الشيخ زايد ثانٍ".
وطلبت النيابة من الأجهزة الأمنية إجراء التحريات اللازمة حول نشاط المتهمين وملابسات الواقعة، كما كلفت بضم صحيفة الحالة الجنائية (فيش وتشبيه) للمتهمين لبيان سوابقهم، ووجهت لهم تهمًا من بينها استغلال الأطفال وتعريض حياتهم للخطر.
كما أمرت النيابة بتسليم الأطفال المعثور عليهم لذويهم مع أخذ التعهد اللازم عليهم بحسن رعايتهم، على أن يتم التنسيق مع الجهات المعنية لإيداع الأطفال الذين تعذر الوصول إلى ذويهم بإحدى دور الرعاية المتخصصة.
وكانت الأجهزة الأمنية قد ألقت القبض على المتهمين بصحبتهم 21 طفلًا من الأحداث، أثناء استغلالهم في أعمال التسول وبيع السلع بشكل إلحاحي، واعترف المتهمون خلال مناقشتهم بممارسة نشاطهم الإجرامي على النحو المشار إليه.
عقوبات وقوانين
فقد بين المشرع عبر القانون رقم 49 لسنة 1933، والمعرف بقانون مكافحة التسول عبر مواده العقوبات المستحقة لمن ينتهجون هذا الدرب حيث أوضح في المادة (1) يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز شهرين كل شخص صحيح البنية ذكرا كان أو أنثى يبلغ عمره 15 سنة أو أكثر وجد متسولا في الطريق العام أو المحال العمومية ولو ادعى أو تظاهر بأداء خدمة للغير أو عرض ألعاب أو بيع أي شئ، وبين في المادة ( 2) يعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز شهرا كل شخص غير صحيح البنية وجد في الظروف المبنية في المادة السابقة متسولا في مدينة أو قرية لها ملاجئ وكان التحاقه بها ممكنا، وأشار في المادة (3) يعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز ثلاثة شهور كل متسول في الظروف المبينة في المادة الأولى يتصنع الإصابة بجروح أو عاهات أو يستعمل أية وسيلة أخرى من وسائل الغش لاكتساب عطف الجمهور، وأوضح في المادة (4 )يعاقب بالعقوبة المبينة في المادة السابقة كل شخص يدخل بدون إذن فى منزل أو محل ملحق به بغرض التسول، ونوه في المادة (5) يعاقب بنفس العقوبة كل متسول وجدت معه أشياء تزيد قيمتها على مائتي قرش ولا يستطيع إثبات مصدرها، وحدد العقوبة في المادة (6) يعاقب بنفس العقوبة:
1 – كل من أغرى الأحداث الذين تقل سنهم عن خمسة عشرة سنة على التسول.
2 – كل من استخدم صغيرا في هذه السن أو سلعه لأخر بغرض التسول وإذا كان المتهم وليا أو وصيا على الصغير أو مكلفا بملاحظته تكون العقوبة بالحبس من ثلاثة شهور إلى ستة شهور، وبين في المادة (7) في حالة العود تكون عقوبة الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون الحبس مدة لا تجاوز سنة، وشدد في المادة (8 ) في جميع الأحوال التي يحكم فيها على المتسول غير صحيح البنية في إحدى الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون يأمر القاضي بإدخاله في الملجأ بعد تنفيذ العقوبة.
قنابل موقوتة
تقول الدكتورة داليا العقاد الخبيرة النفسية والسلوكية، إن ظاهرة انتشار الأطفال المشردين لا سيما المستغلين فيهم في أعمال التسول باتت تشكل خطرًا كبيرًا على المجتمع وربما الخطر الأكبر، لما يمثله هؤلاء الصغار من قنابل موقوتة معده سلفًا للانفجار في أي وقت، لافتة إلى أن هؤلاء الصغار الذين ينجون منهم من الموت يتحولون إلى مجرمين مع الوقت، إذ يقوم برعايتهم إن قلنا ذلك مجازًا عصابات منظمة تعرف جيدًا كيف تتحكم بهم عبر الترهيب والتعذيب والتنكيل بهم في حالة الهروب من بين أيديهم، علاوة على أن منهم يشوهونهم عمدا حتى يستعطفوا الناس ومن ثم مزيدا من الأموال تدخل الي جيوبهم عبر المتاجرة بتلك العاهات.
الأسرة تقود للتسول
وتابعت "العقاد"، أنه وللأسف الشديد في العديد من الحالات، تلجأ الأسر ذات الدخل المنخفض جدًا أو التي تعاني من تفكك إلى دفع أطفالها إلى التسول كمصدر دخل أساسي أو مكمل. هنا يختلط مفهوم الاستغلال بالفقر المدقع، مما يجعل التدخل القانوني والاجتماعي معقدًا جدا، ويصعب معه العلاج، فالمستغل هنا للطفل هو أسرته ممثلة في والده أو والدته، فتجد العديد من المبررات التي تدور حول الفقر المدقع والحاجة الملحة للطعام والكساء، وهو بالطبع لا يعفيهم من الجريمة إذ يستغلون أبناءهم أسوأ ما يمكن من الاستغلال دون اكتراث لحداثة سنهم، أو ضعف بنيتهم الجسدية.
ابعاد نفسية مدمرة
وأردفت الخبيرة النفسية والسلوكية، أن المخيف في ظاهر التسول هو الأبعاد النفسية والاجتماعية، لتلك الظاهرة وما تمثله من، آثار مدمرة على الطفل تشكل جريمة في حق مستقبله، والتي تتلخص في عدة نقاط أولها الحرمان من التعليم، حيث يفقد الطفل حقه الأساسي في التعليم، ما يكرس دائرة الفقر والجهل، يدور في رحاها مدى عمره، ثانيا التعرض للمخاطر، حيث يكون الأطفال عرضة للعنف الجسدي والجنسي، وحوادث الطرق، وتناول المخدرات التي قد يجبرهم عليها المشرفون لكي يظلوا متسولين دون تذمر، علاوة على تشويه الشخصية، حيث يتعلم الطفل ثقافة الاستجداء والكذب والاحتيال بدلًا من قيم العمل والكرامة والإنتاج، مما يصعب إعادة دمجه في المجتمع لاحقًا، إلى جانب الصدمات النفسية، فغالبًا ما يتعرض الأطفال للاكتئاب، القلق، فقدان الثقة بالنفس، وانفصام في الهوية.
تدخل مبكر وعقوبات صارمة
وختمت الخبيرة النفسية والسلوكية حديثها، أن ظاهرة استغلال الأطفال في التسول هي جريمة متعددة الأوجه، ليست فقط انتهاكًا للقانون، بل هي انتهاك صارخ للإنسانية وعبث بمستقبل جيل كامل. مواجهتها الفعالة تتطلب جهود كبيرة على مستوى الدولة وأفراد معا وذلك بتكثيف الحملات الأمنية في المناطق المعروفة بنشاط التسول، علاوة على تسريع محاكمات المتورطين وإصدار أحكام رادعة، الي جانب التدخل المبكر، وذلك من خلال تعزيز شبكات الحماية الاجتماعية للأسر الأكثر فقرًا لمنع لجوئها إلى استغلال أطفالها، وأيضا توعية المجتمع، من خلال حملات إعلامية لتشجيع المواطنين على التبرع للجمعيات الخيرية الموثوقة بدلًا من إعطاء المال للمتسولين، والإبلاغ عن حالات استغلال الأطفال عبر الخطوط الساخنة، ولا ننسى بالطبع إعادة تأهيل هؤلاء الصغار، عبر برامج نفسية وتعليمية مكثفة للأطفال المنقذين لتمكينهم من العودة إلى حياتهم الطبيعية.