منذ نحو عام شاركت في مؤتمر بدعوة من تحالف باسم “,”مؤتمر الديمقراطية والعدالة من أجل الشعوب“,” يضم الأحزاب والمنظمات التركية اليسارية. استقبل طلبة الجامعة، التي عقد فيها المؤتمر، المشاركين من مختلف الدول العربية والأوروبية ببيان موجه تحديدًا وفقًا لعنوانه الى “,”الرفاق الثوار المصريين“,” محذرًا مما وصفوه ب“,”حلم أردوغان بعثمنة المنطقة“,” وأسهب البيان في التحذير من حلمه بعودة الدولة العثمانية وخداعه للمسلمين والعرب وإيهامهم بعدائه لإسرائيل. وقد تذكرت البيان مع تفجر المظاهرات في ميدان تقسيم في إسطنبول عقب إعلان حكومة أردوغان اقتلاع 600 شجرة من إحدى حدائق الميدان لإعادة بناء ثكنة خليل باشا للمدفعية العثمانية وكان قد بدأ قبل أيام من اندلاع المظاهرات بناء جسر على خليج البوسفور يحمل اسم جسر “,”سليم الأول“,”. واعتبرت المعارضة هذا النبش الأردوغاني في تاريخ الدولة العثمانية وإعادة إحيائه مساسًا بهوية تركيا ومحاولة لتغييرها، خاصة مع ظهور انتهاكات واضحة وصريحة للحريات المستقرة من قبل الشرطة بحجة الحفاظ على الأخلاق، وكانت قد تقدمت حكومة أردوغان بعدد من القوانين تنتقص من حقوق المرأة وكذلك محاولته لتغيير النظام السياسي، والعبث في الدستور العلماني الذي لم يحظ بالأغلبية المطلوبة في البرلمان، وقد أثارت هذه التراكمات السياسية المجتمع التركي، خاصة مع قمع الحريات العامة فمن المعروف أن تركيا بها أعلى نسبة من حبس الصحفيين والسياسيين المعارضين، كما تشتهر سجونها وفقًا لتقارير المنظمات الحقوقية الدولية بأسوأ الانتهاكات الإنسانية والحقوقية، وكان اقتلاع أشجار الحديقة القشة التي قصمت ظهر التغول الاستبدادي لحزب البناء والتنمية بقيادة أردوغان. وكأي ديكتاتورية واجهت القوى القمعية للنظام المتظاهرين، ووضع أردوغان على عقله العمامة العثمانية وخاطب المعارضين عبر شاشات التليفزيون قائلاً: “,”لن آخذ الإذن من هؤلاء الرعاع أو المعارضة فأنا حصلت على الإذن من صناديق اقتراع والناخبين“,”. ونلاحظ أن لغة خطابه تكاد تكون طبق الأصل للغة الوالي العثماني وهو يتحدث الى الشعوب الخاضعة للسلطنة “,”أنتم رعاع وعبيد إحساننا، فلاح خرسيس أدب سيس“,”. كما أنه يتعامل بلغة شقيقه وابن التنظيم الدولي للإخوان محمد مرسي، الذي رفع إصبعه في وجوهنا متهمًا الثوار بالبلطجة والعمالة في حديث الأصابع والحارة المزنوقة، وفي حديث الصناديق هنا وهناك يتصورا أننا أسرى تلك الصناديق. وفي جعبة الحزبين الشقيقين مفردات اللغة ذاتها وأساليب التشويه لخصومهم، فقد زعم حزب البناء والتنمية التركي أن المظاهرات سببها رفع أسعار الكحول وتقييد بيعها أنه ذات الأسلوب في تعمد تشويه المعارضة والنيل منها بأحط الأساليب.. ألم يقسم أحد الذين يسبق اسمهم لقب الشيخ أنه وجد زجاجات خمر في خيام المعتصمين أمام الاتحادية؟. ومن المثير للسخرية وربما الشفقة أيضًا على ضحالة الخطاب وتدنيه، أن يوجه أردوغان رسالة الى معارضيه قائلاً: “,”إذا كنتم قادرين على حشد مائة ألف فأنا قادر على حشد مليون“,”، وهو نفس ما يقوله مرسي وأتباعه الذين لا يتوقفون عن حديث الحشد وكأن القضية هي في العدد وليست في أسباب خروج المعارضة على سياسات الحكم. وفي النهاية يعرف أردوغان أنه ليس السلطان العثماني ويعرف جيدًا استحالة أن يعود التاريخ للقرن السادس عشر، ولكنه أراد مشروعًا يجذب به البسطاء ويُسوق وجهًا رأسماليًا مُستغلاً بمسحة وملامح تُثير النعرات العرقية وتستدعي المجد الغابر “,”إن كان في تاريخ الدولة العثمانية مجد أصل“,”. إنها ذات المحاولة لجماعة الإخوان لتغيير هوية مصر وروحها وجذب البسطاء تحت زعم استعادة دولة الخلافة الإسلامية وأمجادها مسوغًا للتسلط الرأسمالي ولاحتكار السلطة ولقهر الشعوب. وقد أتاهم رد الشعوب بالثورة على أوهام “,”السلطنة والخلافة“,”، تلك الأوهام التي هي مجرد جواز مرور يعرفون قبل غيرهم أنه مزور وكاذب.