لطالما خاضت إسرائيل صراعًا خفيًا مع إيران، تجنبت فيه الدخول في مواجهة شاملة رغم تصاعد التوترات، بيد أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو غيّر هذه المعادلة، وقرر المغامرة بكل شيء في محاولة لتحقيق نصر يخدم صورته داخليا. فعلى مدار سنوات، أشرف نتنياهو على صراع استخباراتي سري ضد طهران، كان يُدار بحذر لتفادي حرب كبرى بين اثنتين من أقوى القوى العسكرية في المنطقة، حتى في العام الماضي، عندما تبادل الطرفان الضربات علنًا لأول مرة، تفادت إسرائيل شن غارات من شأنها إشعال صراع طويل الأمد، وفق تقرير نيويورك تايمز. عملية جريئة تقلب المشهد لكن نتنياهو، اليوم، أقدم على ما وصفه محللون بأنه أجرأ وأوسع هجوم إسرائيلي على إيران، استهدف منشآتها النووية وأنظمة دفاعها الجوي وقواعدها العسكرية وقياداتها العليا. وقال محللون إن أهدافه المباشرة تتضمن عرقلة المحادثات بين طهرانوواشنطن، ومنع التوسع الفوري للبرنامج النووي الإيراني. إلا أن طموحات نتنياهو تتجاوز الأهداف الآنية؛ فلطالما صوّر النظام الشيعي الحاكم في طهران على أنه التهديد الأكبر لأمن إسرائيل، سواء بسبب سعيه لتطوير قنبلة نووية أو دعمه للفصائل الفلسطينية والمجموعات المعادية لإسرائيل في العالم العربي. نتنياهو والفرصة التاريخية بعد سنوات من المطالبة باستخدام القوة لردع إيران، يبدو أن نتنياهو قرر تنفيذ تهديداته – في خطوة قال محللون إنها تهدف أيضًا إلى تأمين مكانة تاريخية له داخل المشهد السياسي الإسرائيلي. وقال نداف شتراوخلر، مستشار نتنياهو السابق والمحلل السياسي الإسرائيلي: "بالنسبة له، الأمر شخصي. لقد تحدث عن هذا طوال 25 عامًا. هذه هي الصورة الكبرى التي كان يسعى لتحقيقها، هذا هو إرثه السياسي". مشروع مؤجل منذ عقد كان نتنياهو قد خطط لشن هجوم واسع على إيران قبل أكثر من عقد، لكنه تراجع تحت ضغوط من إدارة أوباما، وتحفظات من داخل حكومته على القدرات العسكرية الإسرائيلية. وفي 2015، خاطر بعلاقته بالرئيس الأمريكي آنذاك بإلقاء خطاب في الكونجرس انتقد فيه الاتفاق النووي الذي كانت تسعى إليه واشنطن. تحولات إقليمية شجعت الضربة شهد العام ونصف العام الماضيان تغييرات إقليمية دراماتيكية أضعفت من دفاعات إيران وحلفائها، ومهّدت الطريق للهجوم الإسرائيلي. فقد تراجعت قوة "حزب الله" في لبنان، فيما سقط النظام السوري – أحد أبرز حلفاء طهران – في ديسمبر الماضي. ترامب يفتح النافذة السياسية للهجوم شكل انتخاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فرصة ذهبية لنتنياهو، بحسب محللين، رغم سعي ترامب لاتفاق دبلوماسي مع إيران، فقد بدا ترامب، في أحيان كثيرة، أكثر استعدادًا من جو بايدن لقبول فكرة توجيه ضربة عسكرية. وقال مايكل كوبلو، المحلل في منتدى السياسات الإسرائيلية بنيويورك: "انتخاب ترامب منح نتنياهو رئيسًا مستعدًا لتأييد التهديد العسكري بشكل علني... تفضيل نتنياهو لمعالجة الملف النووي الإيراني بالقوة العسكرية كان واضحًا منذ سنوات، والآن توفرت له الظروف المثالية". دوافع داخلية يرى مراقبون أن الضربة الأخيرة تخدم نتنياهو داخليًا أيضًا، إذ يسعى لاستعادة مكانته ك"حامي أمن إسرائيل"، بعدما تعرضت هذه الصورة لضربة قاسية جراء هجوم حماس في 7 أكتوبر 2023، والذي اعتُبر أسوأ إخفاق أمني في تاريخ إسرائيل. وقالت الصحيفة الأمريكية "يريد نتنياهو أن يبدأ عامه الانتخابي المقبل بنقطة تفوق واضحة، بدلًا من أن يتحمل مسؤولية 7 أكتوبر، يسعى لتسجيل اسمه في التاريخ كالرجل الذي قضى على البرنامج النووي الإيراني... لكن كل ذلك سيعتمد على تطورات الأيام المقبلة". بوابة محتملة لإنهاء الحرب في غزة وأشارت التحليلات إلى أن هذه الضربة قد تفتح أيضًا الباب أمام تسوية محتملة للحرب في غزة، فقد رفض نتنياهو على مدى أكثر من عام التوصل لهدنة دائمة مع غزة دون هزيمة كاملة لحركة حماس، في ظل ضغط من حلفائه اليمينيين المتشددين. ورأت التحليلات أن إضعاف الراعي الأكبر لحماس – إيران – قد يمنحه مرونة أكبر في التعامل مع ملف غزة.