النائبة أميرة أبوشقة تعترض على تعديلات المادة 105 وتنسحب من الجلسة العامة للبرلمان    تفاصيل تطوير التجمع العمراني الجديد بجزيرة الوراق فى 9 خطوات    محافظ الفيوم يتابع معدلات الأداء بملفى التقنين والتصالح    تسليم أجهزة تعويضية وكراسى متحركة للمرضى غير القادرين بأسوان    عبد العاطى لCNN: نحتاج لإغراق غزة بالمساعدات.. ويعلق على أزمة جثث الرهائن    الهيئة الإنجيلية تشارك بدعم المتضررين فى غزة بمبادرة مسافة السكة للتحالف الوطنى    مصطفى الفقى: مصر دولة صامدة توظف دورها الريادى لخدمة قضايا الأمة العربية    الزمالك: أعددنا لائحة استثنائية والعبرة منها توفير أجواء تساعد على النجاح    على جبر: طموح بيراميدز بلا حدود وهدفنا الحالى السوبر الأفريقي    خالد مرتجي: وجود ياسين منصور مكسب كبير للأهلي.. وميزانية النادي تخطت ال8 مليار جنيه    حسام عبد المجيد ورمضان صبحى.. حقيقة الصفقة التبادلية بين الزمالك وبيراميدز    تحرير محاضر لمخالفات بالأسواق والمحلات والأنشطة التجارية ببنى سويف    بيان عملى وتوعية ميدانية.. الحماية المدنية تستقبل طلاب مدرسة بالمنوفية    كيف ظهرت سوزي الأردنية داخل قفص الاتهام فى المحكمة الاقتصادية؟    اللمسات الأخيرة والاستعدادات الخاصة لحفل افتتاح مهرجان الجونة السينمائي    وائل جسار وفؤاد زبادي والحلو نجوم مهرجان الموسيقى العربية السبت المقبل    كلاكيت خامس مرة.. دويتو شيري عادل مع يوسف الشريف يعود من جديد فى رمضان 2026    محافظ الفيوم يستقبل نائب وزير الصحة لشئون الطب الوقائى والصحة العامة    ضبط سيدة أجنبية بالقاهرة لإدارتها مسكنًا لممارسة الأعمال المنافية للآداب    الضابط الذى استشهد واقفًا.. قصة حازم مشعل شهيد الواجب بوادى النطرون    الحكومة: الانتهاء من كل الاستعدادات لافتتاح المتحف المصرى الكبير خلال أيام    عمرو الورداني: مصر قادرة على إطفاء نيران الفتن وصناعة السلام بشرف وعدالة    مجلس النواب يوافق على قبول استقالة النائب عبد الهادى القصبى    البورصة تواصل الصعود بمنتصف تعاملات اليوم    المنتدى السعودي للإعلام يشارك في معرض MIPCOM 2025    الداخلية تكشف ملابسات فيديو سائق ميكروباص بالبحيرة رفع الأجرة وحمّل ركابًا أكثر من المقرر    الداخلية تكثف حملاتها لضبط الأسواق والتصدي لمحاولات التلاعب بأسعار الخبز    وكيل التعليم بأسيوط لمديري الإدارات: انزلوا المدارس وتابعوا الانضباط بنفسكم    «سيدات يد الأهلي» يواجه «فلاورز البنيني» بربع نهائي بطولة إفريقيا    انطلاق منافسات ثمن نهائي بطولة مصر الدولية للريشة الطائرة    وكيل النواب يستعرض تقرير اللجنة الخاصة بشأن اعتراض الرئيس على الإجراءات الجنائية    إصابة معتصم النهار خلال تصوير فيلم "نصيب" بالغردقة    اتحاد طلاب جامعة أسيوط يكرم الدكتور أحمد المنشاوي تقديرًا لجهوده    سفيرة الاتحاد الأوروبي: توفير المياه يصنع فارقًا حقيقيًا في دعم جهود الدولة المصرية    الصحة: فحص 19.5 مليون مواطن ضمن مبادرة الكشف عن الأمراض المزمنة والاعتلال الكلوي    الأهلي: لا ديون على النادي وجميع أقساط الأراضي تم سدادها.. والرعاية ستكون بالدولار    وزير العمل: المشروعات العملاقة في مصر أدت إلى تراجع البطالة من 13% في 2014 إلى 6.1 % الآن    وزير الاستثمار يعقد مائدة مستديرة مع شركة الاستشارات الدولية McLarty Associates وكبار المستثمرين الأمريكين    إحالة مسؤولين في المرج والسلام إلى النيابة العامة والإدارية    الأولى من نوعها.. جامعة أسيوط تنجح في أول جراحة باستخدام مضخة "الباكلوفين" لعلاج التيبس الحاد بالأطراف    بعد توقف 7 سنوات.. انطلاق الدورة الرابعة من معرض الأقصر للكتاب    "إكسترا نيوز" تكشف تفاصيل دخول المساعدات الإنسانية إلى غزة    مواقيت الصلاه اليوم الخميس 16اكتوبر 2025 فى محافظة المنيا    شوقي علام: سأنضم للجنة الشئون الدينية بالشيوخ لمواصلة الجهد الوطني في مجال الدعوة    حلقات ذكر ومديح وانشاد في الليلة الختامية لمولد "السيد البدوي" بمدينة طنطا    حصاد زيارة الشرع لروسيا.. ومصير الأسد في يد بوتين    جيش الاحتلال الإسرائيلي يعتقل 24 فلسطينيا في الضفة    الصحة تنصح بتلقي لقاح الإنفلونزا سنويًا    جامعة الشارقة: تقليل هدر الطعام يمثل أحد أكثر الإجراءات فعالية في مواجهة التغير المناخي    التحالف الوطني يستعد لإطلاق قافلة دعم غزة 12 لدعم الأشقاء في فلسطين    «ممنوع عنها الزيارة».. عمرو ياسين يكشف تطورات الحالة الصحية لزوجته    ضمن مبادرة «صحح مفاهيمك».. تنظيم قوافل دعوية بالفيوم تناقش «مخاطر التحرش وآثاره»    كوريا الجنوبية.. عودة خدمة "يوتيوب" للعمل بشكل طبيعي بعد انقطاع مؤقت    ترامب يعتزم لقاء مودي خلال قمة آسيان    دوري المحترفين.. «وي» يواجه الترسانة في الجولة التاسعة    مشكلة الميراث    بعض المهام المتأخرة تراكمت عليك.. حظ برج الدلو اليوم 16 أكتوبر    .. ورضي الله عن أعمال الصالحين الطيبين لاغير    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أطباء الامتياز في قصر العيني.. "شباب الطب تحت الحصار"
نشر في البوابة يوم 18 - 04 - 2025

في الوقت الذي تُرفع فيه الشعارات الرنانة حول تطوير المنظومة الصحية، وتُطلق المبادرات لعودة الكوادر المهاجرة، يقف طبيب الامتياز في قصر العيني، أحد أعرق الكيانات الطبية في الشرق الأوسط، عاجزًا عن تأمين أبسط حقوقه. لا نتحدث هنا عن رفاهيات، بل عن الحد الأدنى من الكرامة، والتدريب الحقيقي، والحياة الكريمة.
يبدو أن فترة الامتياز التي من المفترض أن تكون الجسر بين مقاعد الدراسة وميدان المهنة، قد تحولت إلى ساحة اختبار قاسية، لا لجدارة الطبيب، بل لقدرة احتماله. المطلوب أن "يصبر"، أن "يتحمل"، أن "يسكت"، لأنه "لسه تحت التدريب"... بينما لا تقدم له الدولة أو المستشفى إلا فتاتًا لا يليق بموقعه ولا بجهده ولا بمستقبل مهنة بأكملها.
بصمة الانصراف.. قيد إداري أم عبث ممنهج؟
أولى الأزمات التي يواجهها طبيب الامتياز تتمثل في ما يُعرف ب"بصمة الانصراف"، قد يبدو الأمر بسيطًا أو روتينيًا، لكن الواقع أن هذه البصمة تحولت إلى سلاح إداري ضد الطبيب، لا أداة تنظيم، فُرضت بصمة الانصراف على الأطباء حتى في الأيام التي لا يكون فيها تدريب فعلي، أي أنه يُجبر على الحضور لمجرد إثبات الانصراف دون أي استفادة علمية أو عملية.
السؤال هنا: هل الهدف من فترة الامتياز هو التدريب أم الحضور الشكلي؟ وإذا لم يكن هناك تدريب، فما فائدة إجبار الطبيب على الحضور؟ أليس هذا مضيعة للوقت والجهد والمال؟ أم أنه استعراض للسلطة الإدارية فقط؟
الأطباء أنفسهم طالبوا مرارًا بإلغاء البصمة في الأيام غير التدريبية، معتبرين أن الاستمرار في هذا الوضع لا يحقق إلا مزيدًا من الإحباط. لكن كالعادة، لا حياة لمن تنادي، والرد يأتي غالبًا بصيغة: "دي أوامر عليا".
2600 جنيه.. مهزلة بزي رسمي
من أكبر المفارقات في حياة طبيب الامتياز أن راتبه الشهري لا يتجاوز 2600 جنيه، وهو مبلغ لا يكاد يكفيه للمواصلات اليومية، ناهيك عن الطعام أو السكن أو الاحتياجات الأساسية.
في ظل الغلاء الفاحش، ومع ارتفاع أسعار كل شيء، من أبسط مستلزمات الحياة إلى مستلزمات العمل الطبي، يصبح هذا الراتب مهينًا بكل المقاييس.
قانون رقم 153 لسنة 2019 ينص على أن أطباء الامتياز يجب أن يحصلوا على ما لا يقل عن 80% من راتب الطبيب المقيم. لكن هذا النص – كغيره من نصوص العدالة – يُعلّق في الهواء، لا يُنفذ، ولا يُحاسَب أحد على تجاهله.
يتساءل الأطباء: أين القانون من هذه المظلمة؟ كيف يُطالبنا بالبقاء في مصر، في الوقت الذي لا يوفر لنا حتى الحد الأدنى من المعيشة؟ لماذا نُعامل كعبء وليس كأمل؟ لماذا يتقاضى الطبيب الشاب ما لا يكفي حتى لإيجار غرفة في منطقة شعبية؟
بيئة عمل طاردة بكل المقاييس
ليست الأزمة فقط في الراتب أو البصمة، بل في المناخ العام الذي يعيش فيه طبيب الامتياز، من تعنت إداري، إلى تجاهل الشكاوى، إلى تحميل الطبيب فوق ما يحتمل تحت لافتة "اتعلم"، يتحول الطبيب الشاب إلى حلقة الأضعف في منظومة قاسية.
كثيرون تحدثوا عن تعسف بعض الإداريين، وعن المعاملة الفوقية، وعن إصدار أوامر لا علاقة لها بالتدريب من قريب أو بعيد، بل في بعض الأحيان تُستخدم التقييمات كوسيلة للتهديد لا التقدير.
يُعامل الطبيب أحيانًا كمجرد "مساعد مجاني"، يُطلب منه كل شيء ولا يُعطى أي شيء لا حماية قانونية، ولا تقييم حقيقي، ولا اعتراف بمعاناته. وكأن سنوات الدراسة التي قضاها، وساعات التدريب التي يتحملها، لا وزن لها ولا قيمة.
والنتيجة؟ نزيف في صمت
في ظل هذه الظروف، يصبح قرار الهجرة ليس خيارًا بل ضرورة. حين يسأل الطبيب نفسه: لماذا أتحمل كل هذا العناء؟ لماذا أُهان وأُتجاهل؟ لماذا أُعاقب على اختياري لمهنة الطب؟ لا يجد إلا باب الهجرة مفتوحًا، مرحبًا به، محترمًا علمه، مقدرًا وقته وجهده.
هكذا تفقد مصر – عامًا بعد عام – مئات بل آلاف الأطباء، لا لأنهم لا يحبون الوطن، بل لأن الوطن لم يعد يحتملهم. لا لأنهم طلاب مال، بل لأنهم فقط يريدون الحد الأدنى من الاحترام.
نفاق رسمي أم انفصال عن الواقع؟
اللافت أن التصريحات الرسمية تخرج من حين لآخر لتتحدث عن دعم الأطباء، وضرورة تحسين أوضاعهم، ودورهم العظيم في المجتمع. لكن في الواقع، كل هذه التصريحات لا تتعدى كونها "شو إعلامي"، لا يترجم على الأرض بأي شكل من الأشكال.
فلم نرَ وزيرًا يقف مع أطباء الامتياز. لم نرَ لجنة برلمانية تناقش مشاكلهم بشكل جاد. لم نرَ مسودة قانون تُجهز لتحسين أوضاعهم.
الكل يتحدث عن النتيجة (الهجرة)، ولا أحد يعالج السبب (المعاملة غير الآدمية).
الحل موجود لكنه يتطلب إرادة
الحل يبدأ من الاعتراف أن طبيب الامتياز ليس متدربًا هامشيًا، بل هو العمود الفقري لمنظومة الطب في المستقبل. وأن الاستثمار فيه ليس ترفًا، بل ضرورة وجودية.
ويمكن تلخيص المطالب العادلة لهؤلاء الشباب كالتالي:
1. إلغاء بصمة الانصراف في الأيام التي لا تشمل تدريبًا فعليًا.
2. تطبيق قانون 153 لسنة 2019 بشكل واضح وشفاف، وتحديد راتب لا يقل عن 80% من راتب المقيم.
3. ضمان بيئة تدريبية حقيقية لا قائمة على التكليفات المجانية أو الإهانة المقنّعة.
4. مراقبة التعامل الإداري مع الأطباء الشباب، وإنشاء جهة تظلم مستقلة فعالة.
5. إشراك الأطباء في تقييم البرامج التدريبية، باعتبارهم الطرف الأساسي المستفيد أو المتضرر منها.

في الختام
الطبيب ليس حجرًا في ماكينة، بل هو إنسان له طموحات، وله كرامة، وله حدود لاحتماله.
وإذا كنا نطمح إلى منظومة صحية حقيقية، فإن البداية لا تكون من بناء مستشفيات جديدة أو إطلاق شعارات، بل من احترام الطبيب منذ أول خطوة له في حياته العملية.
طبيب الامتياز في قصر العيني اليوم هو مرآة لأزمة أعمق... أزمة فقدان التقدير، وضياع الحقوق، وتآكل الأمل.
فهل من يستفيق قبل أن يُصبح هذا النزيف بلا رجعة؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.