في ختام أعمال مؤتمره السنوي، التي امتدت مؤخرًا لمدة أسبوعين، دعا أعضاء مجمع اللغة العربية إلى عقد مؤتمر، تشارك فيه كافة مجامع اللغة العربية وعلماء العربية المختصون، لتنسيق العمل في مجال وضع مصطلحات العلوم بين المشرق العربي والمغرب العربي، ومراعاة توحيدها، وضرورة العمل على وضع تخطيط لغوي لقضية التعريب، في ضوء السياسة اللغوية والقرار السياسي الملزم، وتنسيق جهد المجامع العربية في وضع المصطلحات العلمية مع بنوك المصطلحات. ويشار هنا إلى أن كلمة التعريب تنصرف في لغتنا إلى مفاهيم متعددة، منها إدخال كلمة أجنبية في اللغة العربية، بعد إعطائها خصائص صوتية تتناسب مع هذه اللغة، ومنها الترجمة من لغة أجنبية إلى العربية، ومنها كذلك إعطاء اللغة العربية في بلادها منزلتها كلغة قومية، تضطلع بمهمة التعبير بصفة أساسية على كافة المضامين والمصطلحات المتداولة، كما تعتمد لغة رئيسية في البحث والتعليم والإدارة والاقتصاد والإعلام، ويضاف إلى هذه المفاهيم متابعة ما يجدّ من مصطلحات تقنية وحضارية، وتدوينها في المعجم العربي وترويجها. وعادة ما يلجأ الباحثون العرب إلى التعريب، حيث يتعذر إيجاد مرادفات عربية دقيقة لمفاهيم أو مصطلحات جديدة عن طريق التراث أو الاشتقاق. على أن الاقتباس من التراث يؤدي في أحيان إلى استخدام المهجور من الكلمات، أو السقوط فيما يسمى "الاغتراب المعجمي" ، في حين ينبني الاشتقاق على وجود كلمة عربية مناسبة، تعبر عن معنى المفهوم المراد نقله من اللغة الأجنبية، ثم توليد تركيبات مختلفة منها. ومع ذلك ورغمه، فإن تجارب التحديث الحضاري في بلادنا، وعلى مدى مراحل تاريخية متواصلة، كدست من المعطيات ما يكفي لاستنتاج حقائق ثلاثة: الحقيقة الأولى: صحة الواقعة التاريخية التي أثبتت أن الدخول الفاعل، أو المتفاعل، في تجربة تحديث حضاري عربي، لا يتوقف على التعريب وحده، بمعنى إدخال كلمات أجنبية في اللغة العربية، بل يتوقف في الدرجة الأولى على كون أهل اللغة العربية أنفسهم من المشاركين عمليّا في صناعة الحضارة. والحقيقة الثانية: نجاعة المقولة التربوية، القائلة بأنه يكاد يكون من المتعذر استيعاب المعارف، علمية أو أدبية، استيعابًا حقيقيّا تكونيّا، أي مكونًا للشخصية الثقافية المنتجة المبدعة، ما لم تكن اللغة الوطنية هي الأداة الموصلة لمضمون هذه المعارف إلى عقله ووجدانه. والحقيقة الثالثة: وجاهة التصور الأنثروبولوجي، الذي يرى أن الترجمة، وضمنها التعريب، ليست مسألة لغوية بل قضية حضارية في العمق، اعتبارًا من أن اللغة ليست مجرد ألفاظ، بل فكر ورؤية للعالم. التعريب إذن ضرورة وليس ترفًا، شرط أن يقوم على حرية التعرف على الآخر، ويستند إلى حرية التعبير عن الذات.