أكد الدكتور أحمد معبد عبد الكريم عضو هيئة كبار العلماء، أستاذ الحديث بجامعة الأزهر، أن كثيرا من الناس ينظرون إلى مسألة الخلاف في الأحكام على أنها دليل على وجود الخلل في التفكير أو قصور في التصور أو على عدم ثبوت هذه الخلافات، فيصبح الأمر بدلًا من أن يكون وسيلة للتيسير على العباد يصبح وسيلة للتشكيك. وأوضح في ندوة عقدتها الرابطة العالمية لخريجي الأزهر بعنوان "الاختلاف في الأحكام وعلاقته بالحديث الشريف" ضمن سلسلة الندوات العامة التي تقام على هامش دورة "إعداد الكوادر الأزهرية" التي تقيمها الرابطة: "إن الخلاف في حقيقته ليس وسيلة للتشكيك"، مشيرًا إلى أن الفرق بين الخلاف والتشكيك أن المتشكك لا يعرف ماهو الاتجاه الأقوى فيما هو متشكك فيه، أما الاختلاف فيمكن أن تكون هناك أسباب تجعل الخلاف ثابت ولكل حُكم أو وجهة نظر دليل كان غائبًا عن ذهن الشخص الذي سمع بالخلاف أوعُرض عليه. وأضاف الدكتور أحمد معبد أن الخلاف في الأحكام الشرعية يرجع لقصد التيسير وإعطاء المسلم الاختيار بين أمر أو أكثر، وذلك عندما يصبح للخلاف سببًا بعيدًا عن التشكيك، ومن أظهر الأدلة على ذلك حجه الوداع التي كان يتواجد بها عدد كبير من الحجاج مرافقين للنبي "صلى الله عليه وسلم"، وكانوا يؤدون مناسك الحج ويختلفون في طريقة تأديتها بعض الشيء، والرواية الثابتة أن النبي "صلى الله عليه وسلم"، ما سُئلل عن شيء مما اختلف فيه أهل الحج إلا وقال لكل سائل منهم افعل ولا حرج، فالنبي هو القدوة وهو من أباح الاختلاف للتيسير. وأشار د. معبد إلى أن كثيرين ممن يشوهون الإسلام ينتقضون وجود مذاهب مختلفة ينتمى لها المسلمون، متسائلين لماذا توجد أربعة مذاهب تختلف في الأحكام الشرعية في حين أنكم كمسلمين تحتكمون لمشرع واحد ولكتاب واحد ولسنة رسول واحد هو قدوتكم، فلماذا إذن الاختلاف؟!، فيرد أهل العلم على هؤلاء ويقولون: إن نشوء المذاهب ما جاء بسبب اختلاف اجتهادات الفقهاء لأن الإسلام سكت عن كثير من المسائل ولم يبينها عين البيان وترك الأمر لاجتهادات الناس من باب التوسعة وعدم الضيق عليهم وفي ذلك رحمة بهم. وأوضح أن أهم أسباب الاختلاف في الحديث النبوي تفرق الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين في الأمصار والبلدان الإسلامية، حيث كان كل منهم ينزل في بلدة ما وينقل ويُسمع أهلها بالأحاديث التي نقلها عن الرسول "صلى الله عليه وسلم" والأحكام المتعلقة بها مما تلقاه من النبي، كان ذلك سببًا في الخلاف وتفرق السنة بين كل بلد وآخر، موضحًا أنه كانت توجد أحاديث لم يروها إلا أهل الكوفة، وكذلك أحاديث لم يروها إلا أهل الحجاز وهكذا، وذلك بسبب عدم سلاسة الانتقال والتواصل بين أئمة البقاع الإسلامية، ما أدى إلى احتجاب بعض الأحاديث النبوية على أهل بلدة معينة وسبب الخلاف على إقرار بعض الأحكام الشرعية والاستدلال ببعض الأحاديث وليس التشكيك في صحة الأحاديث وراويها. جدير بالذكر أن هذه الدورة تأتي ضمن الندوات العامة التي تقام على هامش الدورة العلمية الثالثة للكوادر الأزهرية، حول الموضوعات التي تهتم بترسيخ المنهج الأزهري لدى الطلاب، لحمايتهم من الأفكار المتشددة والبعد عن الغلو والتطرف.