خلال عمرنا المديد مع جماعة الإخوان المسلمين، منذ أن كانوا فزاعة في يد النظام السابق، وحتى وصولهم لقصر الاتحادية، مرورًا بميدان التحرير؛ لاحظت العديد من التقلبات التي تجلبها لنا تصريحات الجماعة، ومرشدها، ورئيسها، وشاطرها، وغيرهم من الكوادر التي ينتظر جموع الشعب كلمات المحبة والود التي تحملها ألسنة هؤلاء الناس في ظل هذه الظروف العصيبة. في الحقيقة سئمت جو المشاحنات والهجوم على أي خطوة تتخذها الجماعة، سواء كانت سلبية أو إيجابية، فكل ابن أدم خطاء، ونحن البشر لا نملك القدرة على معرفة نوايا غيرنا؛ لذا سأتحدث بالحب عن جماعة الإخوان المسلمين، التي يمر على ميلادها أكثر من ثمانين عامًا، مارسوا خلالها حربًا ضروسًا ضد كل الأنظمة الاستبدادية التي حكمت مصر، لكن حربهم هذه كانت حربًا من أجل الحب!.. وحده ذلك الحب الذي دفع مرشدها الأول، حسن البنا، للاعتراف بدستور 1930، الذي عارضته كل القوى الوطنية بزعامة الوفد وقتها، وقالت هتافات أعضائها: «يحيا الملك».. ذلك الملك هو نفسه من شاركت الجماعة في ثورة يوليو للتخلص منه؛ حبًّا في مصر والثورة على الظلم؛ لتشارك الزعيم الراحل جمال عبد الناصر في وضع أسس الجمهورية. لكن بعد أن شعرت الجماعة بخفوت شمعة الحب مع ناصر؛ بسبب رفضه استيلائهم على السلطة، حاولوا قتله، في حادث المنشية الشهير؛ ليطبقوا مقولة: “,”ومن الحب ما قتل!“,”.. صحيح أن الجماعة ذهبت في غيابات السجون في الستينيات.. “,”وما أدراك ما الستينيات!“,”، إلا أنها عادت من جديد في ثوب التخلص من اليساريين والناصريين، وحتى الوطنيين؛ حبًّا في السادات، الذي قتلوه في حادث المنصة..!! وفي ثورة 25 يناير حمل كل إخواني عاش على أرض الكنانة رسالة حب جديدة للتكاتف والتوافق على خلع الحزب الوطني من السلطة، وما إلى ذلك من لحظات العشق مع الشعب المصري في الميادين، والصناديق أيضًا، حتى انتهت بكل أسى لحظات الحب العنيف بين الشعب والإخوان.. ليعود البلتاجي باقتراح جديد يحمل فيه الإخوان ورودًا “,”حمراء“,”؛ لتسري المياه في مجاريها من جديد، ولتدق قلوب المصريين بحب الدستور المزور، والسلطة التي كانت، ولا زالت، عشق “,”الإخوان“,” الأول والأخير.. فالمرسي في يده السلطات التشريعية والتنفيذية، والدستور تم تلفيقه للشعب، وأصبحنا كلنا فلول وبلطجية يا صديقي! لن يستطيع كائن من كان أن يعدد إيجابيات أو سلبيات فترة حكم الإخوان، مهما كان قصر مدتها، لكن من المعروف للعيان، ولكل من احتفظ بجزء من عقله حتى هذه اللحظة، أن ما فعلته الجماعة في مصر هو أسوأ صور الفاشية الدينية والسياسية على مر عصور مصر؛ فالحب للسلطة وحدها، الذي كان هدف الجماعة منذ تأسيسها، وهو كيفية الوصول للحكم وليس كيف أحكم!.. صحيح أن الحب أعمى، لكن حب الوطن لا يعرف العميان بهوس السلطة، لتظهر لنا خلال ستة أشهر فقط نظرة جديدة لحكام مصر تسمى «الصندوق».. أقصد بالصندوق هنا شكله الهندسي الذي أصبح يضيق ويتسع، حسب حكام هذا الشعب على مر العصور؛ فهو تارة ضيق كالخندق، وتارة واسع كملعب الكرة، وأخرى لا وجود له، فالناظر إلى خارطة مصر الجغرافية سيجد أنها البلد الوحيد الذي تشبه حدوده الصندوق الذي يحيط شعبها من الجوانب الأربعة، وثار المصريون كثيرًا من أجل تحطيم هذه الحدود غير المرئية، التي طالما لعبت دور الجلاد على الإنسان المصري؛ باعتباره السجين المظلوم. وسؤالي للجماعة، وكل من وصل منهم لأي مظهر من مظاهر السلطة: ألا تعقلون أنكم تَتَحَدَّوْن بطغيانكم الجديد شعبًا أصبح جاهلاً بكل الرسومات الهندسية؟.. صناديقكم باتت فاشلة مهما حاولتم تزويرها، وأكاذيبكم فاحت منها رائحة الإفلاس السياسي والحضاري، الذي بات يؤذي المارة في الشوارع وفي المنازل و“,”الحواري الضيقة“,”.. أما حان الوقت أن تعرفوا أنكم الآن تصنعون صندوقكم الأخير؟!