نزل الآلاف من العمال والطلاب والمواطنين إلى الشوارع في جميع أنحاء البوسنة والهرسك مطالبين بإقالة الحكومات المحلية والاتحادية. وفي واحدة من أكبر وأكثر مظاهر المقاومة المدنية منذ الحرب الأهلية في أوائل التسعينات، احتل المتظاهرون الشوارع والساحات، وواجهوا قوات مكافحة الشغب التي استخدمت الهراوات والرصاص المطاطي والغاز المسيل للدموع والكلاب البوليسية ضدهم، ودمروا مقرات الحكومات المحلية ومقرات الأحزاب السياسية الكبيرة. وقالت المصادر، إن موجة الاحتجاجات، والتي لا تزال تتسع، تعبر بعمق عن شعور الكثيرين من جماهير البوسنة باحتقار الطبقة الحاكمة بالبلاد، وقد توجهت الاحتجاجات للمطالبة بحكومة جديدة تركز على حل مشاكل تدهور الصناعة والانهيار الاقتصادي والبطالة. وبدأت الاحتجاجات في 5 فبراير الجاري في المدينة الصناعية الشمالية "توزلا" بعد أن قامت مجموعة من حوالي 3 آلاف عامل باحتلال الشوارع المحيطة بحكومة الكانتونات احتجاجاً على خصخصة الشركات المحلية. ووفقاً للتقارير، بدأت أحداث العنف بعد أن استخدمت الشرطة الكلاب البوليسية وأطلقت الغاز المسيل للدموع واعتدت على المتظاهرين عشوائياً في محاولة لتفريق الحشد. وفي اليوم التالي، اندلعت الاشتباكات مرة أخرى، كما نزل الآلاف من المواطنين إلى الشوارع لمواجهة الشرطة ولتأييد مطالب العمال. وأضافوا استقالة الحكومة على قائمة مطالبهم. تصاعد الغضب الشعبي مجدداً في 7 فبراير عندما اخترق المتظاهرون خطوط الشرطة ونهبوا مبنى الحكومة المحلية، وقاموا بتحطيم شاشات الكمبيوتر، وألقوا الوثائق الموجودة في المبنى إلى الحشود في الأسفل، وأشعلوا النيران فيه. في اليوم نفسه، استقالت الحكومة المحلية عمال توزلا لم ينبذوا عنف المتظاهرين، بل دافعوا عن ذلك في بيان علني لهم قائلين أن استقالة الحكومة ليست سوى الخطوة الأولى من أجل تحول شامل للمجتمع البوسني: "إن الضيق المتراكم والغضب هم أسباب السلوك العدواني. وقد هيأ موقف السلطات الظروف لتصاعد هذا الغضب. الآن، وفي هذا الوضع الجديد، نتمنى توجيه هذا الغضب لبناء نظام حكومي جديد منتج ومفيد". وتابع البيان ليوضح العديد من الأهداف، بما في ذلك رفض عملية الخصخصة، وضمان حقوق العمال المُسرَّحين من أعمالهم، وتشكيل حكومة جديدة تخضع للمراقبة العامة ويكون أعضائها من خارج الطبقة الحاكمة الحالية، وربط رواتب الموظفين الحكوميين برواتب العمال الصناعيين. وبإلهام من الأحداث في توزلا، سرعان ما انتشرت احتجاجات واسعة في المراكز الإقليمية الأخرى بالبوسنة والهرسك مثل: بيهاتش، وزينيكا، وموستار، وسراييفو، وكذلك المدن الصغيرة في جميع أنحاء البلاد. أظهرت هذه الاحتجاجات نفس الرغبة في مواجهة الشرطة، واستهداف النخب السياسية، والمطالبة بتشكيل حكومة جديدة تكون مسئوليتها الرئيسية تحقيق العدالة الاجتماعية والاقتصادية لجميع السكان. في سراييفو، احتل آلاف المتظاهرين الساحات الرئيسية بالمدينة، وهاجموا الشرطة والمباني الحكومية. وفي موستار، وهي مدينة لا تزال منقسمة داخلياً بسبب الحرب الأهلية، اتحد المتظاهرون من الكروات ومسلمي البوسنة وهاجموا مكاتب الأحزاب السياسية لكل منهما. وفي مدينة زينيكا الصناعية، أشعل المتظاهرون النيران في مقر الحكومة المحلية. وفي حين أن الحكومة البوسنية ووسائل الإعلام الدولية وممثلي الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي قد أدانوا أعمال العنف، استمر المتظاهرون في تبرير غضبهم بالمطالب التي يناضلون من أجلها. وهكذا تعبر إحدى الشعارات المكتوبة على الجدران عن الوضع برمته: "من يزرع الجوع، يحصد الغضب". في 8 فبراير، تجمع المتظاهرون مرة أخرى لإصلاح الدمار الذي سببه العنف. ووفقاً لتصريح أحد المتظاهرين لصحيفة الإندبندنت البريطانية: "الآن سنعالج هذه الفوضى، كما سنتخلص من السياسيين ممن تسببوا في حدوث كل ذلك".