اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة قراراً بالإجماع تعلن فيه أن يوم 4 فبراير هو "اليوم الدولى للأخوة الإنسانية"، ضمن مبادرة قدمتها كل من مصر، والإمارات العربية المتحدة، والبحرين، والسعودية، وسيحتفل المجتمع الدولى بهذا اليوم سنوياً ابتداءً من عام 2021 وأشار القرار إلى اللقاء الذى عُقد بين صاحب الفضل والفضيلة الأمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف، وقداسة البابا فرنسيس بابا الكنيسة الكاثوليكية بتاريخ 4 فبراير 2019 فى أبو ظبى والذى أسفر عن خروج وثيقة الأخوة الإنسانية إلى النور وبزوغ فجر جديد من أجل السلام العالمى والعيش المشترك. نعم! تقليد أكثر من رائع أن يحتفل العالم كله بيوم الأخوة الإنسانية، وقفة تبجيل وإكرام، وتحية تقدير واحترام، وانحناءة شكر وامتنان للقامات والقمم، والرموز والأعلام، والقادة والقدوة الذين فكروا فى هذه الفكرة البديعة الجمال التى تجعل كل إنسان على سطح الأرض يتذكر أننا كلنا أبناء آدم وحواء ... وعندما خلق الله الإنسان أبدع فى صناعته، وميّزه بالعقل والحكمة والإبداع، ومتعّة بالحرية ... حرية التفكير، وحرية التعبير، ووهبه العديد من المواهب والوزنات والإمكانات التى يجب أن يستثمرها لخير الإنسانية وتقدمها وازدهارها وسلامها واستقرارها. وفى يقينى وتقديرى أن هذه الفكرة تدعم الكثير من القيم والمبادئ الإنسانية أذكر منها الآتي: أولاً: ترسيخ قيم ومبادئ المحبة يوم الأخوة الإنسانية يرسخ قيم ومبادئ المحبة، وما أجمل المحبة فلقد قيل عنها أنها اللغة الوحيدة التى يسمعها الأصم، ويقرأها الأعمى، ويتحدثها بطلاقة الأبكم. كما أن الكلمات النابضة بالمحبة الحقيقية تحمل فى طياتها تأشيرة دخولها إلى القلوب الحجرية، وإذا امتلك الحب الحقيقى على القلب أضحى يتسع للكل مَنْ يمدح ومَنْ يقدح ... مَنْ يمنح ومَنْ يمنع، ولا شك أن بذار المحبة تنمو وتنضج فى أى تربة سواء فى أرض جيدة، أو أرض محجرة،أو أرض مليئة بالأشواك، وتثمر فى جميع فصول السنة ... أى نعم! قد لا تعطيك ثمراً تأكله، وإنما تعطيك وروداً بديعة الجمال تزين الحياة. لذلك كم هو رائع أن يزرع الإنسان حباً، ويصنع سلاماً فى حياة أى إنسان، فلم ولن يضيع خيراً مهما طال الزمان، ومن المؤكد أن ما يزرعه الإنسان إياه يحصد فى الآوان. والحب عطاء، يمكنك أن تعطى دون أن تحب، ولكن مستحيل أن تحب دون أن تعطى... فالحب والتضحية صديقان لا يفترقان، والحب والأنانية فى قلب واحد لا يجتمعان... وتتضاعف قيمة عطايانا بمقدار ما فيها من حب حقيقى. نعم! رائعة هى المحبة: إجعلوها شعاركم ... رنموها نشيدكم ... املأوا منها حياتكم. ثانياً: ترجمة ثقافة التسامح وقبول الآخر ويوم الأخوة الإنسانية يؤكد على أهمية مد جسور المودة والسلام مع الآخر وتعلمنا كيف نحمل له أشواقاً غالية لا أشواكاً دامية. وتدربنا على أن العلاقة الوثيقة التى تجمع بين صديقين كالعلاقة بين العين واليد فإذا ذرفت العين الدموع، برقة مسحتها لها اليد، ولا تتوقف هذه العلاقة إلا إذا توقفت نبضات القلب. وعندما نعيش الأخوة الحقيقية نعيش فى أمان وسلام حقيقى، فالأخّوة الحقيقية لا تجعل الإنسان يخاف من أخيه الإنسان وإنما يخاف عليه، فالصديق الحقيقى هو مَنْ يتحدث معك بقلب مفتوح وبصدق ووضوح بدون خوف.. وبدون زيف .. بدون قناع ... بدون خداع. وقد علمتنا الأيام أنه عندما نعيش الأخوة الإنسانية الحقيقية تتضاعف الأفراح وتتضاءل الأتراح، لأن الأفراح إذا وزعناها زادت، والأتراح إذا اقتسمناها زالت. ثالثاً: دعم فكرة العيش المشترك فى سلام ووئام إن يوم الأخوة الإنسانية يدعم فكرة العيش المشترك، فالإنسان بطبيعة الحال لا يستطيع أن يعيش بمفرده لأنه كائن إجتماعى، لذلك كلنا نحتاج لبعضنا البعض ... تأمل رغيف الخبز الذى يصل بين يديك، وعليك بسؤال نفسك كم يد اشتركت وساهمت فى صناعته حتى وصل إليك بهذه الصورة؟ حقا! نحتاج باستمرار أن نتعلم كيف نعيش معاً، ونفكر معاً، ونعمل معاً؟ نحتاج أن نعمل بروح الفريق الواحد فى محبة ووئام، وتناغم وإنسجام، فاللون الواحد لا يرسم لوحة فنية بديعة الجمال، والوردة الواحدة لا تشكل بستاناً واضحاً للعيان، واللحن الواحد لا يصوغ سيمفونية تطرب لها الآذان، والعصفور الواحد لا يصنع ربيعاً بديعاً يستمتع به الإنسان، والجندى الواحد لا يستطيع أن يحارب بمفرده فى الميدان. رابعاً: نشر ثقافة الحوار واحترام الجوار يوم الأخوة الإنسانية يدعم فكرة كيف نتحاور وكيف نتجاور؟!، فعندما يغيب الحوار الناضج يغيب الحب والسلام، والتفاهم والانسجام، ونتعلم فى حواراتنا كيف نختلف ونأتلف؟! كيف ننتقى فى حواراتنا الكلمات بدقة ورقة؟ وكيف تكون كلماتنا سبب طاقة إيجابية معمرة، وليست طاقة سلبية مدمرة؟! كيف نفكر بموضوعية وحيادية بعيداً عن الصراعات الشخصية؟! كيف يكون النقد للبناء وليس للهدم والإفناء، ويقال: إن أروع هندسة فى الوجود هو أن تبنى جسراً من الحب بينك وبين الآخرين، وأن تعيد بناء الثقة التى دمرتها الأحقاد، ولا شك أن ثقافة الحوار والتفاهم من شأنها أن تساهم فى إحتواء الكثير من المشكلات الإجتماعية والسياسية والإقتصادية والبيئية التى تنتشر فى بقاع كثيرة من العالم. فالحوار الصادق المخلص هو الطريق إلى اكتشاف أبعاد جديدة وآراء وخبرات عديدة لموضوع الحوار وبالتالى معرفة الحق والحقيقة والوصول إلى حل المشكلات بأفضل الحلول وأعظم النتائج. وبلا أدنى شك أن الأخوة الإنسانية تجعلك تحاور الآخر، لا لكى تجادله وتجرحه، وإنما لكى تصارحه وتربحه. حقاً! إذا عشنا الأخوة الإنسانية بحق سيكون عصرنا العصر الماسى، وبغير ذلك يصبح عصرنا عصر المآسى. خامساً: تأكيد المواطنة وحقوق الإنسان لاشك أن فكرة الأخوة الإنسانية تنادى بتأكيد مبدأ المواطنة، وكيف يعيش الإنسان المواطنة الصالحة الصادقة فهى ليست كلاماً ولا إنفعالاً، وليست شعراً أو شعاراً نردده دون ترجمة حقيقية لما ننادى به فى الواقع اليومى. إنما المواطنة الصالحة هى فى التزامنا بالمسؤوليات والواجبات قبل المطالبة بالحقوق والإمتيازات، والمواطنة الحقيقية الصادقة هى أن نبرهن على حبنا لبلادنا بالأعمال قبل الأقوال، فعندما ينادينا الوطن للقيام بمهمة وطنية معينة لا يمكن أن نقول إلا " نعم لنداء الوطن". كما إن الأخوة الإنسانية تؤكد بشدة على حقوق الإنسان، بحيث لا يُهدر ولا يُهضم حق المرأة فى المساواة مع الرجل، وكذلك حقوق الطفل من التنشئة السليمة والآمنة، والاهتمام بحقوق المسنين، وذوى الاحتياجات الخاصة، والاهتمام بالفقراء والمهمشين، وذلك فى مظلة وجود مجموعة من القوانين والتشريعات الحازمة والحاسمة التى تضمن تطبيق المواثيق الدولية الخاصة بهذه الفئات.