تحظى مدينة القدس (زهرة المدائن) بمقدساتها الإسلامية والمسيحية دوما بمكانة كبيرة لدى الهاشميين على مر القرون ، وهو ما أوجد عقدا شرعيا وأخلاقيا بينهما لن تنال منه الصهيونية الإسرائيلية ، فهم الذين أكدوا ويؤكدون على أن التفريط فيها غير وارد على الإطلاق مهما بلغت التضحيات وكلفهم الثمن. ويؤكد الهاشميون أن مسئوليتهم نحو القدس (حاضنة المسجد الأقصى قبلة المسلمين الأولى ومسرى رسول الله صلى عليه وسلم ومعراجه إلى السماء) وأيضا تجاه القضية الفلسطينية عميقة الجذور مستمرة ، كما أنها تنبثق من صلب رسالة عربية إسلامية حملوها على مدى تاريخهم الطويل. ويعتبر الهاشميون – وفقا للأمين العام للجنة الملكية لشئون القدس الدكتور عبدالله كنعان – مدينة القدس ، أمانة عربية إسلامية منذ عهد الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه ولا يملك أحد في العالمين العربي والإسلامي التصرف بها أو التنازل عنها ولن تتمكن إسرائيل ولا سواها من تغيير هذا الواقع. وبحسب كنعان ، فإن الهاشميين هم سدنة القدس وحماتها عبر القرون ولم يبخلوا ببذل أرواحهم من أجل الحفاظ عليها حيث وقفوا وعلى رأسهم الشريف الحسين بن علي منذ قيام الثورة العربية الكبرى عام 1916 موقف المعارض لمطالب الحركة الصهيونية المتمثلة في إقامة الوطن القومي اليهودي. واستمر الشريف الحسين متمسكا بالقدسوفلسطين عربية إسلامية وليس على أدل ذلك من أنه أوصى بأن يدفن في رحاب الحرم القدسي الشريف وتم له ما أراد حيث دفن في الثاني من يونيو لعام 1937..ومن أشهر مقولاته "لا أقبل إلا أن تكون فلسطين لأهلها العرب ، لا أقبل بالتجزئة ، ولا أقبل بالانتداب ، ولا أسكت وفي عروقي دم عربي عن مطالبة الحكومة البريطانية بالوفاء بالعهود التي قطعها العرب وإذا رفضت التعديل الذي أطلبه فإني أرفض المعاهدة (الحجازية البريطانية) كلها ، لا أوقع قبل أخذ رأي الأمة". أما الملك المؤسس عبد الله الأول فقد سار على نهج والده في موقفه من القضية الفلسطينية فعارض الحركة الصهيونية ومطالبها في فلسطين وشدد على (أن فلسطين عربية ويجب أن تبقى عربية إلى ما شاء الله ، وأن الصهيونيين ليس لهم فيها أدنى حق). ووفقا لكنعان ، فقد ظهرت محورية القدس بالنسبة للملك المؤسس من خلال رفضه إعطاء اليهود ممرا إلى حائط البراق ومقاومة مطالب بريطانيا بالسماح لليهود بالهجرة إلى الشطر الشرقي من القدس .. ورفضه وبإصرار الإذعان لقرار تدويل المدينة المقدسة وفقا لقرار التقسيم (181). ويقول الملك عبد الله الأول في تعليل رفضه لقرار تدويل القدس"لقد كان طلب تدويل القدس غاية في الغرابة وعدم الاتزان في الغايات الوطنية وتفريطا في الحقوق والمصالح العربية وتسليما بالمقدسات إلى السيادة الدولية وإخراجا للقدس من الحوزة العربية فكان علينا أن نقف في الدفاع عن عروبة المدينة المقدسة مواقف الحزم والصلابة وأن نقاوم التدويل بمختلف أشكاله وصوره". كما رفض مطالب الفاتيكان بتدويل الأماكن المقدسة..مؤكدا على أن احتفاظه بإسلامية القدس وعروبتها هو عزاؤه عن كل ظلم لحق به فالقدس كانت تعني له كل شيء ويرخص الروح في سبيلها فلا معنى بنظره للحياة دونها فهو يفضل الشهادة في سبيل الله دفاعا عنها على أن يراها محتلة من اليهود الصهاينة. ولم يكتف بذلك فقط بل اهتم بدعم القضية الفلسطينية في مختلف جوانبها السياسية والاقتصادية وعندما ظهرت الدعوات البريطانية لتقسيم فلسطين بين العرب واليهود رفض هذه المشاريع المنادية بالتقسيم .. مؤكدا على عروبة فلسطين ورفض كل حل مجحف بحق الفلسطينيين. وكان يحرص في كل زياراته للقدس على زيارة الأقصى وقبة الصخرة وتأدية الصلاة فيهما ومتابعة ما تحتاجه الأماكن الدينية فيها من تعمير وترميم..وفي 24 أبريل من عام 1950 وعلى أثر انعقاد المؤتمر الفلسطيني في أريحا وقرار مجلس الأمة الأردني الذي مثل الضفتين تمت الموافقة على توحيد الضفتين في دولة واحدة. وبعد الوحدة ازدادت عناية الملك المؤسس بالقدس وأصر على بقائها عربية إسلامية .. وشاءت الأقدار أن يستشهد في 20 يوليو عام 1951 على باب المسجد الأقصى المبارك وهو يهم بدخوله لتأدية صلاة الجمعة برصاصات غادرة. وامتدت مسيرة عطاء الهاشميين إلى الملك طلال بن عبدالله الذي اعتلى العرش بعد استشهاد والده ، حيث ظل وفيا لمشروع جده وأبيه العربي النهضوي الوحدوي ومتمسكا بالثوابت الهاشمية تجاه فلسطين ودرتها القدس الشريف وبالحقوق العربية المسلوبة فيهما . وزار الملك طلال القدس في العام 1951 ، وعبر فيها عن سعادته ببقاء المدينة عربية إسلامية ، إلا أن مرضه حال دون مواصلته للمشروع النهضوي العربي للتحرير حيث كان تحرير فلسطين بقدسها ومقدساتها محور هذا المشروع ونقطة بداية فيه. وبعد ذلك..تولى الملك الحسين بن طلال سلطاته الدستورية في الثاني من مايو عام 1952 وبايعته الأمة حتى حمل أمانة القدس في عنقه بكل ما تعنيه عبارة الأمانة الشرعية من مضامين..مؤكدا على أن الرمز الحقيقي للسلام هو القدس وعودتها عربية. وظل الحسين بن طلال طوال حياته ، يؤكد على أن القدس ليست موضوع مساومة بين الأردن وإسرائيل لأنها جزء من الأرض العربية المحتلة وعلى الاحتلال الانسحاب منها ومن غيرها من المناطق العربية المحتلة وبغير هذا لن يقوم السلام. أما الملك عبد الله الثاني بن الحسين ، الذى تولى سلطاته الدستورية في فبراير 1999 بعد وفاة والده ، فهو يحمل قضيتي فلسطينوالقدس ومعهما طموح الفلسطينيين في التمتع بحقهم في تقرير المصير وإقامة دولتهم المستقلة ذات السيادة الكاملة على التراب الوطني في الضفة الغربية وقطاع غزة المحتلين منذ سنة 1967 وعاصمتها القدسالشرقية حيثما رحل في شتى أنحاء المعمورة باعتبارها قضايا وطنية فضلا عن أنها قضايا قومية وإسلامية. ويؤكد العاهل الأردني دوما على أن القدس بالنسبة للأمة العربية والإسلامية خط أحمر وأن المملكة ستقف في وجه كل محاولات التهويد التي تتعرض لها المقدسات كل يوم..مطالبا في الوقت ذاته بضرورة بوضع استراتيجية عربية للدفاع عن القدس. ويقول الملك عبد الله الثاني "إن الأردن بقيادته الهاشمية سيبقى بعون الله حصنا وملاذا لكل أبناء الأمة وأحرارها وكما كان على الدوام سندا وشريكا وأخا لكل أبناء فلسطين يقف معهم دائما وأبدا في السراء والضراء إلى أن تستعاد القدس عاصمة لهم". وشمل عطاء الهاشميين للقدس ومقدساتها ، الأمير الحسن بن طلال كان له السبق في التنبيه - عبر مؤلفاته ودراساته وخطاباته على جميع المستويات - إلى خطورة السياسة الاستعمارية الاستيطانية الاحتلالية للكيان الصهيوني..كما أنه وجه النقد لسياسة الغرب التسليحية لإسرائيل وحذر مرارا من مخاطر التغيرات الديموجرافية التي تحدثها إسرائيل في الأراضي العربية الفلسطينيةالمحتلة عامة وفي القدس خاصة. ودعا الأمير الحسن إلى إنشاء شبكة دولية تتولى قضية القدس الشريف بالتعريف والدعاية في سائر أنحاء العالم ، وخصوصا في العالم الإسلامي وهو ما أطلق عليه مشروع (القدس في الضمير العالمي). وعلاوة على ذلك .. يرى أن مفهوم السلام بالنسبة لإسرائيل "فرصة لابتلاع الأرض وتهويد القدس وبناء المستعمرات والحفاظ على التفوق العسكري والاقتصادي والتكنولوجي ومصادرة الموارد الطبيعية وفرض النفوذ على منطقة الشرق الأوسط بأسرها..وأن هذه السياسة ستحرم كافة شعوب المنطقة الذين يؤيدون بغالبيتهم السلام الحقيقي الذي يحفظ كرامة الإنسان وحقوقه ويؤدي إلى تفاهم الأقطار والشعوب والتعاون على أساس التكافؤ والندية". وإدراكا من الجانب الفلسطيني لحجم الجهود التي يبذلها الأردن بقيادته الهاشمية تجاه القدس والمقدسات الإسلامية والمسيحية وأيضا نحو القضية الفلسطينية..وقع الملك عبد الله الثاني والرئيس محمود عباس في عمان بنهاية شهر مارس الماضي اتفاقية أعاد فيها أبومازن التأكيد على أن العاهل الأردني هو صاحب الوصاية على الأماكن المقدسة في القدس الشريف وله الحق في بذل جميع الجهود القانونية للحفاظ عليها خصوصا المسجد الأقصى المعرف في هذه الاتفاقية على أنه كامل الحرم القدسي الشريف. وتمكن هذه الاتفاقية - التي تؤكد على المبادىء التاريخية المتفق عليها أردنيا وفلسطينيا حول القدس - الأردنوفلسطين من بذل جميع الجهود بشكل مشترك لحماية القدس والأماكن المقدسة من محاولات التهويد الإسرائيلية كما تهدف إلى حماية مئات الممتلكات الوقفية التابعة للمسجد الأقصى المبارك. ودعا كنعان العالمين العربي والإسلامي إلى أهمية دعم الدور الأردني في القدس وضرورة مساعدة المملكة على جميع المستويات الاقتصادية وغيرها لكي تتمكن من التفرغ لمساندة المقدسيين في صمودهم وبقائهم فيها ، بدلا من انشغالها في تسديد المديونية وحاجاتها لسد عجز الموازنة التي تشغل هم الأردنيين جميعا. واعتبر أن مساندة الأردن ودعمه يعد واجبا دينيا ووطنيا وقوميا يصب في المصلحة العربية العليا ؛ لأنه يعد خط الدفاع الأول عن أمته العربية في وجه الأطماع الاستعمارية التي يسعى إليها المتطرفون والمتعصبون من حكام إسرائيل وغيرهم.