في اللقاء ال4 بينهما حول غزة.. ترامب يضغط ونتنياهو يناور    ترامب يعلن اليوم قرارات تجارية تتعلق ب 7 دول    روسيا تعلن مقتل ثلاثة أشخاص في هجوم بطائرة مسيرة على كورسك وتتهم أوكرانيا    موعد نهائي كأس العالم للأندية 2025 والقنوات الناقلة    يخاطرون بحياتهم.. عمال سنترال رمسيس تحت الأرض لإنهاء الإصلاحات | فيديو    وزير الثقافة: البيت الفنى للمسرح يشهد حراكا فنيا مميزا بتقديم عروض متنوعة    دعاء الفجر| اللهم ارزقني الرضا وراحة البال    ولي العهد السعودي يلتقي وزير الخارجية الإيراني    مدبولي يعود إلى القاهرة بعد تمثيل مصر في قمة بريكس بالبرازيل.. ومباحثات دولية لتعزيز التعاون المشترك    إصابة فلسطينيين في هجوم للمستعمرين على صوريف بالخليل    مسن يُنهي حياته قفزًا من شرفة منزله بسبب ضائقة مالية في الفيوم    وائل القباني يعتذر لأيمن الرمادي    الزمالك يكرم أيمن عبد العزيز وأحمد سمير ومحمد أسامة بعد رحيلهم    مدرب الزمالك السابق يشيد بالأجواء الحالية.. ويؤكد: يجب أن نمنح جون إدوارد الثقة الكاملة    12 عامًا على مذبحة "الحرس الجمهوري": أحمد عاصم.. عين الحقيقة التي أسكتها رصاصات الجيش    بوشاية من طليقته، تنفيذ الأحكام يلاحق صالح جمعة في الساحل الشمالي    «كانوا في طريقهم للعمل».. إصابة 11 شخصًا بانقلاب سيارة بالبدرشين    البابا تواضروس الثاني يلتقي الدارسين وأعضاء هيئة تدريس الكلية الإكليريكية بالإسكندرية    حصل لي انتكاسة وخفت من الفتنة، حلا شيحة تكشف لأول مرة قصتها مع الحجاب (فيديو)    تخفيض 50% على رسوم الخدمات الإلكترونية بالمدن الجديدة    بوصفات الطب الصيني.. نصائح لعلاج السكر في الدم    الأمن يحقق في إصابة طبيب بطعنة في الرقبة داخل مستشفى بني سويف    الخارجية الإيرانية: تلقينا رسائل من واشنطن للعودة إلى المفاوضات    موعد صرف مرتبات شهر يوليو 2025 بعد زيادة الحد الأدنى للأجور    تراجع أسعار سيارات بيستيون B70 S في السوق المصري    البدوي: تعافي الاتصالات سريعًا بفضل «عقل الدولة الإلكتروني» بالعاصمة الإدارية    «الطقس× أسبوع».. شديد الحرارة رطب والأرصاد تحذر من نشاط الرياح على بعض الشواطئ والشبورة بالمحافظات    الجبهة الوطنية: قادرون على إحداث نقلة حقيقية في تاريخ الحياة الحزبية    رابط تنسيق الدبلومات الفنية 2025.. مؤشرات كليات ومعاهد دبلوم التجارة نظام 3 سنوات    انطلاق المؤتمر الصحفي لمهرجان المسرح القومي 15 يوليو.. والاحتفاء بأفضل النصوص المسرحية    بعد ترميمهما.. وزير السياحة ومحافظ القاهرة يفتتحان قبتين نادرتين بالفسطاط    مرشحو «العدل» ينتهون من الكشف الطبي استعدادًا للانتخابات.. والدريني: مفاجأة مرتقبة قريبًا    عيار 21 بعد الانخفاض الجديد.. أسعار الذهب اليوم الأربعاء 9 يوليو بالصاغة محليا وعالميا    «مهاجم مفاجأة».. سيف زاهر يكشف عن صفقة سوبر في الأهلي لتعويض وسام أبوعلي    إلى عشاق البطيخ، هل الإفراط في تناول هذه الفاكهة الصيفية ضار؟    إصابة شخصين في حادث تصادم بطريق الصعيد في المنيا    رئيس الوزراء الفلسطيني يأمل في أن تتكلل مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة بالنجاح سريعا    أيمن الرمادي عن اعتزال شيكابالا: قرار خاطئ    رسميًا.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الاربعاء 9 يوليو 2025    مجلس الكنائس العالمي يدعو لحماية حرية الدين في أرمينيا: "الكنيسة الرسولية الأرمينية تمثل إرثًا روحيًا لا يُمس"    بعد 12 سنة.. هل يقدم ناصر القصبي نسخة كوميدية من «فبراير الأسود» بعد خالد صالح؟    محافظ قنا يعتمد تنسيق القبول بالمدارس الثانوية للعام الدراسي 2026/2025    سعر التفاح والموز والفاكهة في الأسواق اليوم الأربعاء 9 يوليو 2025    عقب تداول الفيديو.. «الداخلية» تعلن القبض على طفل يقود سيارة في القليوبية    النيابة العامة تذيع مرافعتها فى قضية حادث الطريق الإقليمي (فيديو)    غالبًا ما تمر دون ملاحظتها.. 7 أعراض خفية لسرطان المعدة    مينا رزق لإكسترا نيوز: الدعم العربى والأفريقي سببا فى فوزى برئاسة المجلس التنفيذى لمنظمة الفاو    وراءها رسائل متعددة.. الاحتلال يوسّع استهدافه بلبنان ويصفي مسؤولًا بحماس شمالًا    جوهرة تونسية في الطريق لنادي الزمالك.. خالد الغندور يكشف    مستقبل وطن: القائمة الوطنية الخيار الانتخابي الأفضل لتوحيد القوى السياسية    "إنستاباي شغال".. وزير الشئون النيابية يرد على نائب بشأن أزمة الخدمات بعد حريق سنترال رمسيس    حمادة عبد اللطيف يكشف عن احتياجات الزمالك في الانتقالات الصيفية    معشوق القراء... سور الأزبكية يتصدر المشهد بمعرض الكتاب الدولي بمكتبة الإسكندرية    أمين الفتوى يحذر من الزواج العرفي: خطر جسيم على المرأة    رئيس جامعة بنها يتفقد سير العمل والاطمئنان على المرضى بالمستشفى الجامعي    الخميس.. الأوقاف تنظم 2963 مجلسا دعويا حول آداب دخول المسجد والخروج منه    أمينة الفتوى: «النار عدو لكم فلا تتركوا وسائل التدفئة مشتعلة أثناء النوم»    ندوة بالجامع الأزهر تُبرز أثر المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار في ترسيخ الوَحدة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اللا عنف والخراب العاجل (4)
نشر في البوابة يوم 21 - 02 - 2014

سبق نشر هذا الموضوع على حلقات بدأت بتاريخ 23 أبريل 2009، تناولت فيه إرهاصات الإخوان مع الأمريكان مع شباب الثورة السلمية وتعاونهم المبكر، ولم يكن معلوماً لنا بُعد هذه العلاقة الغريبة التي تكشفت بعد ثورة يناير وبعد ثورة 30 يونيو، وكتبت الموضوع ردّاً على الدكتور فتحي أبو حطب الذي كان يُنظِّر للتغيير اللا عنيف على شبكة الإخوان المسلمين - المعروفة باسم إسلام أون لاين - ورأيت أن إعادة نشر الموضوع اليوم توضح كثيرا ممّا لم يكن واضحاً، وأن المسألة قد بدأت مع تاريخ نشر هذا الموضوع على شبكة الحوار المتمدن في عام 2009.
** تصورنا نحن عن النضال هو أن الشعوب تناضل كي تتعلم حقوقها الإنسانية كبقية خلق الله، وأن تكتشف آدميّتها، وتعرف ما فازت به البشرية من كرامة للإنسان في بلاد الكرامة والعزة، فازت معظم البشرية - عدانا نحن - وأن نفهم كيف اكتشف الإنسان حقوقه عبر فلاسفته ومعلميه، هؤلاء اكتشفوا أسس الديموقراطية أساساً وراء آخر، فعلّموها لأوروبا في عصر التنوير، ثم تعلمتها البشرية وعرفت كيف تؤسس مجتمعاً مدنياً يرتقي بالإنسان إلى كائن حر لا عبد.
البداية في أن يرى الناس الحرية كما مارسها العالم والمساواة الحقيقة لا الزائفة، عندما ترى الناس الحرية وتعلم معناها يمكننا ساعتها أن نقول إن لدينا حقاً ضائعاً، جريمة أبي حطب هنا - وهي جريمة حقاً - أنه لا يريد لنا أن نرى حريات ومدنية غيرنا، فيأخذنا إلى عالمه السحري، إلى حقوق وهمية ضاعت منا مع ضياع زمن الخلافة، لا أعاده الله ولا ردّه.
واللطيف أن الدكتور يقول: "ولا شك أن تفسير وفهم الحقوق مسألة مرتبطة بدرجة الوعي لدى الشعب، والتي تتفاوت من مجتمع لآخر، وفق منظومته القيمية الخاصة"، ها هو الدكتور يسمنا بسمة قيمنا الخاصة التي يجب أن تكون هي ماكينة الفرز وميزان القياس والمعيار، هي حاسة تذوقنا المقدسة لتلك الحقوق التي يطلبها للناس، يربط الحقوق والوعي بقيم الشعب، وطالما أن القيم خاصة فسيكون الوعي خاصاً والحقوق خاصة أيضاً، لذلك فالوعي لن يتسع لحقوق جديدة لم تكن معروفة في منظومة القيمة الخاصة، ووفق قيمنا الخاصة علينا بداية - قبل أن نبدأ النضال - تضييق الممكن في حقوق الإنسان والمرأة والعمال وحريات العبادة والتفكير والتعبير، لأن ذلك كله جاء في العصر الحديث والمعاصر ولم يكن معروفاً في منظومتنا القيمية الخاصة، ونصل إلى نتيجة هي أننا إذا التزمنا بقيمنا الخاصة فلن يكون لنا حق ضائع نناضل من أجله، لأن قيمنا ليس فيها من تلك القيم الحديثة شيء، المهم ما هو المأمول إذن؟!، وما هو الغرض النهائي لذلك النضال اللا عنفي؟!.
يقول الدكتور: "هو ممارسة أشكال ضغط متنوعة تؤدي إلى ردع الخصم أو تعديل مساره أو تحجيم قوته أو هزيمته"، الهدف النهائي لهذا النضال هو ردع الخصم الذي هو الحكومة، وكأن هدف هزيمة الحكومة وإسقاطها سيؤدي إلى تحقيق فوري لآمال البلاد والعباد، فإن ذهبت الحكومة ظهرت شمس الحريات والديموقراطية من خدرها يزفّها العدل والقانون زوجاً لقمر المساواة والتسامح والسلام.
هنا تعود الذاكرة إلى صاحب الزنج "عبد الله بن علي بن محمد"، الذي قاد ثورة عظيمة ضد الخلافة العباسية بمئات الألوف من العبيد، واستولى على مساحات شاسعة من أرض الخلافة، وعامل العرب المهزومين بالشريعة الإسلامية، فاستعبد نساءهم وباع أطفالهم في الأسواق، فهو - كمسلم - لم يتصور أن هناك نظاماً أفضل من نظامه الديني، وكانت المفارقة أن كل ما تبدل هو الأشخاص، السيد أصبح عبداً والعبد أصبح سيِّداً، لأن عبد الله بن محمد لم يتجرأ على اكتشاف أن العيب في الثقافة نفسها، في النظام، في المجتمع كله.
لقد ثار عبد الله الزنجي بغرض إصلاح أوضاع اعتبرها فاسدة هو وجيوشه، لكنه لم يكتشف أن إلغاء الأوضاع الفاسدة - بما فيها العبودية - يكون بإلغاء القانون المشرِّع لها، ولهذا ثارت النخوة العربية في كل الإمبراطورية وأرسلت كل الدعم إلى الإمبراطورية العربية لهزيمة صاحب الزنج، الذي تجرأ وطبق قوانين العرب على العرب، وركب نساءهم وأسر رجالهم واستعبدهم، إن مجتمعاتنا تحتاج إلى أن تعلم أن هناك سلوكيات وممارسات غير ما يقول لهم أهل الدين، تؤدي إلى إصلاح حال البلاد والعباد، وأن للناس الدور الأول في تعيين حاكمهم، لا أن يذهبوا بعد تعيينه ليباركوا له فيما يعرف بنظام البيعة، فطالما نتحدث عن الشورى والبيعة، فلا حق ضاع منا حتى تاريخه حتى نطلبه بالتغيير اللا عنفي، الذي هو كارثة كاملة وخراب كامل للوطن وفق البنود التي وضعها أبو حطب لهذا التغيير المسالم الأليف.
إن الحقوق التي تتحدث عنها البشرية الآن هي شأن جديد مكتسب لم يأتهم منحة من أحد في الأرض أو في السماء، ولم تكن معروفة عند السلف، اكتشفها مفكرون من غيرنا، لذلك يجب أن نفهم من خطاب أبي حطب أنه يطالبنا بالنضال وتدمير المجتمع كله لقتل الحكومة الفاسدة - بقتل الوطن - كي نستعيد حقوقنا، وحقوقنا هي أهل الحل والعقد والبيعة والشورى والخلافة والولاة والجزية والسبايا والعبودية في ثوب معاصر.
إن الدكتور أبا حطب يريد أن يقيم صراعاً داخلياً وأن يشيع خصومة بين الشعوب المسلمة وبين حكوماتها، ويتمنى أن ينتهي هذا الصراع بتعديل في المسار، بينما سقوط الحكومة نفسه لن يتغير أو يعدل أي مسار، فتعديل المسار يكون عبر تعديل الثقافة كاملةً، ويأتي بالتعلم والتثقيف بثقافة الحرية والتحلي بصفات العقل الحر، والاطلاع على منجزات الشعوب الأخرى، وكيف تمكنت من نيل الديمقراطية، وما هي الديمقراطية؟!، وما الفارق بينها وبين الشورى؟!، وإن عقلا لم يتمكن من معرفة هذا الفارق لا يحق له أن يطلب شيئاً لم يضع منه شيئاً، لأنه لم يكن يملكه أصلاً، وعليه أن يتساءل: لماذا يأخذ كل ما هو نافع من كل بلاد العالم، بينما هذا العالم لم يأخذ منّا أي شيء، وخاصة الغرب المتفوق؟!، لم يأخذ بنظام الشورى والبيعة، وعليه أن يفهمنا ما هي المساواة وما هو الحق وما هو الخير وما هي حقوق الإنسان والمرأة والطفل والعمال، ما هي قوانين الحرب المعاصر وما الفارق بينها وبين حروبنا المجيدة السالفة.
إن تعديل المسار هو ذات نفس العقل الحر، إن نظرة سريعة على بنود أسلحة النضال اللا عنيف - التي سجلها الدكتور - تعطي للصورة خلفية هندية بريطانية من زمن غاندي، يذكرنا بنضال الهند ضد الاستعمار الإنجليزي نضالاً سلمياً بالعصيان المدني المستمر، بهدف تدمير الاقتصاد وتحميل الاستعمار تكاليف باهظة تجعل استمرار وجوده في الهند مُكلِّفاً، ما يضطره إلى الجلاء، ومثل هذا النوع من النضال إنما يريد تخليص تراب الوطن من الاستعمار مع بقاء الوطن على حاله إن لم يأخذ بفلسفات جديدة، ومثل هذه الصورة الاستعمارية لم تعد متواجدة، ولم تعد هناك حاجة ل "غاندي" وفلسفته، نحن في حاجة لفلاسفة مصلحين يعلمون الناس الطريق نحو النور، فإن تنور الناس أصبح بإمكانهم الفرز بين المخاتل وبين المخادع وبين المراوغ، ولأمكنهم التخلص من رهاب القداسة، إن أسلحة النضال المطلوبة هي أسلحة عصر التنوير الأوروبي.
إن العودة إلى طريق غاندي لن تكون في حالتنا ضد مستعمر بل هي ضد حكومات الوطن، وإسقاط النظام الممسك لأشتاتنا دون بديل، عندما مات النبي فجأة ولم يحدد للصحابة شكل النظام ولم يعيّن له خليفة، ذبح الصحابة بعضهم في الفتنة الكبرى، وسقوط الحكومة اليوم هو استعادة للفتنة الأكبر، هو دمار للمجتمع - لأننا لسنا صحابة - ولو كانت الفتنة الكبرى قد أفادت البشرية لأخذت بها بقية الدول بتشغيل الدين في السياسة والصراعات المصلحية.
إن ما يعرضه "أبو حطب" هو ضد المجتمع والدولة وليس ضد الحكومة، إنه ضد الأرض كلها، يريد تدمير المجتمع المصري لأنه لا يريد حسني مبارك!!، البنود التي طرحها تكاد تتطابق - في بعض جوانبها - مع رؤية جماعة التكفير والهجرة للمجتمع، إن بنود الدكتور في النضال اللا عنيف لا تقيم عندنا إصلاحاً، بل تقيم خصومات وثارات ومواجهات وحروباً أهلية، من أجل تغيير أشخاص الجالسين على الكراسي فقط، رغم أن الخلافة العباسية أزالت الخلافة الأموية والخلافة العثمانية أزالت الجميع، ولم يحدث أن طرأ أي تحسن على أحوال المواطن، ولا ظهر شيء عن حقوقه السياسية أو الإنسانية، فظل العبد عبداً والمولى مولى والحر حراً والعلج علجاً واليمني يمنياً والقرشي قرشياً.
نتابع قراءة الموضوع، إذ يقول سيادته: "يمكن القول إن الاختلاف بين أشكال النضال هو في حقيقة الأمر اختلاف في تفسير مفهوم القوة "القدرة"، حيث يرى أنصار النضال العنيف والمسلح القوة في صورتها الأولية والنمطية المتمثلة في الإيذاء المادي للخصم، وهو أمر لا يمكن معارضته، ونحن نتحدث عن حق الأمة في الدفاع عن وطنها المحتل، كما هو الحال في العراق وفلسطين"، ها هو الرجل عاد إلى مقعده الوثير، إلى زمن معنى القدرة البدائي، معطياً الشرعية للمناضل العنيف، فلماذا كل وجع الدماغ في موضوع حمائمي المظهر يتحدث عن النضال اللا عنفي؟!، وإذا كان قد جعل الحكومات في البلاد الإسلامية الحالية مساوية للاستعمار - ويطالبنا بالنضال ضدها على الطريقة الغاندية - فما له لا يطبق ذات المبدأ على الاحتلالين الإسرائيلي لفلسطين والأمريكي للعراق بالأخذ بمبدأ النضال اللا عنفي؟، وهو - بالقياس على كل الظروف - سيكون هو الأجدى هنا والأكثر عائدية.
ثم - وزيادة على ذلك - أنه إذ يعرض لنا مفهوم اللا عنف كمخالف للعنف المسلح في صورته الأولية المتمثلة في إيذاء الخصم، فإن الأسلوب الذي عرضه علينا هو عنف لتدمير أسس المجتمع كله، يدمر المجتمع كله للتخلص من آفة إصابته، إن ما يعرضه سيادته سيؤدي بنا إلى هولوكوست وطني، أما بشأن العراق وفلسطين، فلو كان الرجل صادقاً حقاً مع اللا عنف لتذكر أن عالم ما قبل الحرب الثانية غير عالم ما بعد الحرب الباردة، وأن عالم ما قبل سبتمبر 2001 هو غير ما بعده، فقد أصبح حق الدفاع عن الشعوب المحتلة - إن وجدت - هو حق المجتمع الدولي، تقوم به هيئة الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، وقد تحررت دول عربية كثيرة عن هذا الطريق، من اليمن إلى كل دول الخليج، خاصة وأن مشكلتي العراق وفلسطين لم تعودا محلّيتين، وإنما اتّخذتا بعداً دولياً، ولتذكر أيضاً أن محاولات مصر - بجيشها وجيوش بعض الدول العربية مدعومة من الجامعة العربية - لم تتمكن من فرض إرادتها فوق الإرادة الدولية، وفي النهاية تم حل معظم مشكلاتنا عن طريق الهيئات الدولية، وفقاً لرؤية المجتمع الدولي وليس طبقاً لرؤية الدول العربية وجيوشها وجامعتها.
إن رؤية الدكتور أبي حطب في النضال اللا عنيف - من أجل الاستيلاء على السلطة - تقوم على توظيف قوى المجتمع كلها للتصدي للنظم الحاكمة بنفس الأساليب التي تواجه به قوى الاستعمار، فإذا كانت الحكومات تتصرف بأساليب غير صائبة وبها عيوب، فإن مواجهة ذلك تكون بالتقويم والعلاج وطرح الحلول البديلة، أما إذا كانت عيوب الحكومات في المنهج وأنها معيبة في أمانتها وفي ولائها لشعبها ووطنها، فإن هذه العيوب تكون عيوباً قيمية اجتماعية هي بنت ثقافة المجتمع، ولذلك مهما قمنا باستبدال الحكومات فلن يتغير في الواقع شيء سوى خسائر تحدثها القلاقل الاجتماعية المصاحبة لذلك التغيير، إذا كانت الحكومات فاسدة مستبدة، تفكر بطريقة تؤدي إلى خسائر وطنية في الأرض أو الكرامة والاقتصاد، فتلك أمراض نابعة من ثقافة تهيمن على المجتمع بأسره - بما فيه الحكومات وشعوبها - قيم مريضة ترفع الدين فوق الوطنية وتحكم الناس بأساليب بدائية، في مثل تلك الحال - التي هي حالنا - لا نكون في حاجة إلى النضال اللا عنيف الذي يقترحه أبو حطب، لأنه سيضيف هدماً ودماراً إلى كيان ذلك المجتمع المريض ثقافياً، ويعاني هو وحكومته ومثقفوه من ضحالة الفكر، وعدم التحديد الدقيق لمفاهيم الحريات والحقوق والمساواة، ويكون في العصيان المدني المطروح القضاء التام علي هذا الكيان المعتل بألف علة، إنه بحاجة لإحلال ثقافة الحب محل ثقافة الكراهية، ثقافة الوطن محل ثقافة أمة لا إله إلا الله، ثقافة الحرية محل ثقافة العبودية، ثقافة المسلم المستنير المسالم مكان ثقافة الدم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.