كان يُتوَقَّع من جماعة الإخوان، ولصالحهم هم بالدرجة الأولى، أن يقفوا طويلاً ويتمعنوا فى دراسة ظاهرة انتشار حبّ الجماهير العريضة للسيسى، فى أول موقف من نوعه من الشعب المصرى تجاه وزير للدفاع، خاصة أن السبب الواضح لهذه الظاهرة الشعبية هو موقف السيسى ضدهم وانحيازه، هو وزملاؤه، إلى خروج الشعب فى انتفاضته التاريخية الرافضة لهم! وكان يجدر بالإخوان، أيضاً لمصلحتهم هم، أن يجدوا تفسيراً لهذه الواقعة المؤكدة الاستثنائية لأن السيسى فاز بقلوب الملايين خلال بضعة أشهر فقط، كان قبلها مجهولاً تماماً للرأى العام، وما كان لأحد من الجماهير البعيدة عن متابعة خلفيات الأحداث أن يعلم عن شخصه وخصاله شيئاً، بسبب ظروف عمله، وطبيعته المنضبطة، مما كان يقتضى منه أن يظل خارج المشهد. وسوف تكون كارثة الإخوان مضاعفة إذا كانوا يؤمنون فعلاً فى سرائرهم وفى حواراتهم فى الخفاء بما يعلنونه عبر دعايتهم الموجهة للداخل والخارج من أن هناك مؤامرة كونية ضدهم، وأن الملايين الغفيرة من الشعب معهم، وأن مشاهد الجماهير المحتشدة بشكل غير مسبوق فى التاريخ ضدهم، فى 30 يونيو وما بعدها، هى من ألاعيب الفوتوشوب، وأن السيسى لا يُعَبِّر إلا عن نفسه وعن مجموعة الانقلاب الضيقة..إلخ هذا اللغو! من حقائق الاوضاع الجديدة على الأرض فى الحياة المصرية، أن الأغلبية الساحقة من الشعب صارت ترفض الإخوان وتكرههم، والحقيقة الثانية التى ينبغى أن يُسَلِّم بها الإخوان وغيرهم، هى أن السبب الرئيسى لهذا الرفض ولهذه الكراهية هو الإخوان أنفسهم، لعدة أسباب، منها فشلهم المدوى فى الحكم، وخاصة فيما يتعلق بالوفاء بوعودهم الانتخابية التى كانوا يقطعون فيها بأنهم سوف يعملون فوراً على حل مشاكل الجماهير وتلبية احتياجاتها الضرورية! وهو ما لم يتحقق بالمطلق! يُضاف إلى ذلك أسبابٌ جوهرية أخرى، مما أثار الرعب فى صفوف الجماعات السياسية والمثقفين، وهى الخاصة بما تكشف لمن لم يكن يعرف عن طبيعة الاستبداد الأصيلة للجماعة، وتبنيهم للعنف ورفع السلاح، ونزوعهم إلى الاستحواذ على كل شيئ وأقصاء الأخرين، بل والافتراء على معارضيهم، مع الانتهاك الواضح للدستور والقانون والأعراف السائدة، وحتى التخلى عن الراودع الإنسانية التى كان يُفترَض أن تكون فاعلة تجاه من ساندوهم فى محنتهم مع السلطة التى امتدت عبر سنوات وعقود. ولكن يبدو حتى الآن أن الإخوان لم يستوعبوا الحقائق الواضحة ولا مسئوليتهم عن الأسباب التى صنعوها بأيديهم، وأنهم لا يؤرقهم أن الشعب يُعبِّر ضدهم عن كل هذا الرفض وهذه الكراهية، بل يبدو أنهم فى غيبوبة من يخدع نفسه بأن الجماهير تكن لهم حباً جارفاً لولا المؤامرة الوهمية! وهذا يؤكد أن الإخوان قد أدمنوا منذ نشأتهم أن يعيشوا فى سحر الأمنيات وضباب الهواجس، وأنهم فقراء من الأدمغة التى تخطط لهم بما يعود عليهم بالنفع، وإذا انقلبت الأوضاع ضدهم يكون لديهم من يطرح عليهم كيف يكون الإنقاذ، ويبدو أن مخاوف خصومهم منهم هى التى أشاعت عنهم أنهم خبراء فى كل شيى وأنهم يحسنون التخطيط للمستقبل وأن لديهم برامج موقوتة تتحدد فيها مهام كل مرحلة..إلخ هذه التخاريف. وقد تجلت براهين مؤكدة تدحض هذه الافتراضات التى رسخت عبر سنوات وعقود، بما يؤكد أن هذه الجماعة من الضحالة الفكرية وضيق الأفق إلى حد لم يكن يتخيله أعدى أعدائهم! انظر فقط إلى العنف الهمجى المدجج بالسلاح القاتل الذى يعتمدونه فى هذه المرحلة لإدارة صراعهم، والذى يكون أول ضحاياه من فئات الشعب مِمَن يسعى أى سياسى راشد إلى اكتسابهم فى صفه، وراقب الأكاذيب السفيهة الضعيفة التى يطلقونها عن براءتهم من كل هذا، ولما يقع بعض أعضائهم متلبساً وبحوزته السلاح، يعلنون أن هناك مؤامرة ودسّاً للمنوعات على أخيهم البرئ، وأن حرائرهم فوق مستوى الشبهات وأن كل التهم الموجهة لهن ملفقة حتى مع اكتشاف زجاجات المولوتوف مخبأة فى منازلهن! وأما العدوان على جنود وضباط القوات المسلحة فهو من صنع قيادة القوات المسلحة أنفسهم لتبرير استمرارهم فى الهيمنة على المشهد السياسى، وأما العدوان على أقسام الشرطة والكنائس والمنشآت العامة فكلها من أفعال البلطجية المتعاونين مع الشرطة لتوفير مادة للدعاية السوداء التى تخيف الناس من الإخوان الأبرياء! وكل قتيل فى إحدى تظاهراتهم هو شهيد من ضحايا الشرطة! وكل إصابة فى صفوف الشرطة هى بسلاح بلطجية مدسوسين من قادة الانقلاب للإساءة إلى سمعة الإخوان الأبرياء من كل عنف! وأما التهديدات السافرة فى الميكروفونات والمسجلة على الشاشات، بالقتل والرش بالدم والسيارات المفخخة والريموت كونترول، التى صدرت من زعمائهم وممثلى حلفائهم من على منصة رابعة العدوية، فهى مفبركة من مزورين محترفين تابعين لقوة الانقلاب، وإذا كان الدليل المسجل مفحماً ولا مجال للتنصل منه قالوا إنه كلام بالمجاز والتورية والاستعارة يا عالم، ومن يأخذه على محمل اللفظ والنص سيئ النية كاره للإسلام! لا يمكن لماكينة الأكاذيب هذه أن يُنتَظّر منها أن تنجح فى دراسة وفهم ظاهرة اجتماعية بتعقيد ظاهرة حبّ الجماهير للسيسى، والذى انتشر فى غضون بضعة أشهر فقط، وعمّ البلاد طولاً وعرضاً، وصار يُنادَى باسمه فى تجمعات شتى، بدءاً من أطفال المدارس وحتى تظاهرات النساء وإضرابات العمال. وحسناً أنهم لم يفهموا، وليت أنهم لن يفهموا، ليضعوا أقدامهم على طريق اللاعودة. [email protected]