يشير انسحاب الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح من السباق الرئاسى إلى مجموعة من المستجدات الناجمة عن 30 يونيو وما بعدها، خاصة وأن الشائع عن الجماعات والتنظيمات التى دأبت على خلط الإٍسلام بالسياسة أنهم خبراء فى لعبة الانتخابات بدءاً من اتحادات الطلاب وحتى رئاسة الجمهورية مروراً بالمحليات والبرلمان. والمرجح لأول وهلة، ثم يتبين أنه مؤكد بعد قليل من التفكير، أن النقطة الحاكمة فى قرار أبو الفتوح تتعلق بالإمكانيات العملية للفوز، أو قل التأكيدات الحقيقية على الخسارة، بل هى الخسارة الفاضحة لانفضاض التأييد الشعبى، ودعك من الكلام الذى قاله عن الملابسات غير المطمئنة للانتخابات، فقد حرص الرجل وإخوانه وحلفاؤهم وكوادرهم وقواعدهم على الخوض فى انتخابات كانت ملابساتها هى الأسوأ بالبلطجة والدم والتزوير العلنى..إلخ، وأثبتوا فى كل هذا أنهم كانوا مِن أفضل مَن يستخدم هذه الأسلحة بما يفوق أحياناً أحزاب السلطة! أول الإشارات المهمة أن أبو الفتوح ومن معه تأكدوا أن فرصة الفوز منعدمة بل إن نتائجهم ستكون فضيحة تاريخية تحدد لأول مرة حقيقتهم على الأرض، بعد أن صاروا وحدهم بسبب فشلهم فى الحكم وجرائمهم التى فضحت مخططاتهم، وكانت النتيجة أن انفضت من حولهم الكتلة الجماهيرية العريضة التى كانت تصوِّت لهم عبر عقود عندما كانت أسيرة دعايتهم التى كانت تعتمد الشعوذة بالأكاذيب والمغالطات أنهم مضطهدون من نظم حكم تكره الإسلام والمسلمين وأنهم هم الوحيدون بتوع ربنا الطاهرون المتوضئون المنوط بهم تطبيق شرع الله، وأنه لو تحققت النزاهة الانتخابية والحيدة لوصلوا إلى كرسى الحكم وكانت لهم الأغلبيات فى المجالس المنتخبة، وعندئذٍ سوف يحققون العدل على الأرض وسوف يفيض الخير على الجميع..إلخ خلاص! انتهى! قُضى الأمر! فقد تحرر الناس من هذا التدليس! النقطة الثانية المهمة أن نجاح ممثلى هذه الجماعات والتنظيمات فى الماضى لم يكن ليتحقق إلا فى إطار نظم الحكم الاستبدادية المزورة الفاشلة التى ينتشر فيه الفقر والفقراء وتتراجع فيها مستويات المعيشة وينتشر فيها التسول والعوز والاحتياج، وتعلم أنظمة الحكم هذه مدى كراهية الجماهير لها بما يكبحها من محاسبة الغير على انتهاك القانون الذى تنتهكه هى يومياً، وكانت هذه أفضل بيئة تنطلق فيها تشكيلات الإخوان ومَن معهم تمارس انتهاكاتها بشراء الأصوات برشاوى الزيت والسكر والسمن ومعونة الجنيهات القليلة، وتوفير الأتوبيسات لنقل الناخبين يوم التصويت مع صرف بدل الانتخابات، واعتلاء المنابر لتكفير المنافسين فى قضايا الدنيا، وكلها أسلحة ماضية مع شديدى الفقر! وكانت المفارقة المفيدة للإخوان وحلفائهم، أن مصلحة الحكم الاستبدادى كانت تتحقق أكثر عندما يفوز بعض رافعى شعارات "الإسلام هو الحل" فى المحليات والبرلمان، ليكونوا فزاعة للأقباط ولدعاة الحكم المدنى، ليلجأوا إلى الاستبداد عله يحميهم من مخاطر وصول هؤلاء إلى السلطة! وقد أفلحت هذه الحيلة فى تأجيل ثورة الشعب ضد مبارك لعدة سنوات، خاصة بعد أن تبينت ظلمة أفكار هؤلاء فى الأداء البرلمانى، عندما كانوايتركون القضايا الأساسية التى تهم الجماهير عن البطالة والغلاء وصعوبة الحياة، ويصخبون ضد الفنون والإبداع ومناهضة حقوق الإنسان، وخاصة أى إنصاف للمرأة ولنيل جزء من استحقاقاتها المهدرة، فى وقت لا يختلف فيه أداؤهم عن الحكم الاستبدادى فى مثل قضايا الضرائب والعدل الاجتماعى والتصدى للفساد والمفسدين! وما كان للإخوان وحلفائهم أن ينجحوا فى أى استحقاق انتخابى بعد ثورة 25 يناير إلا بفضل عوامل غير طبيعية لا تعرفها الحياة الديمقراطية السوية التى تأمل الثورة المصرية أن تكون الانتخابات الرئاسية المقبلة باكورة تجاربها، وكانت أهم أوراقهم تنظيمهم السرى، خارج أى رقابة قانونية مما يخضع لها كل التنظيمات الأخرى، مع أموال طائلة كانت أداتهم فى استمرار ألاعيبهم فى أوساط شديدى الفقر، وأضيف عامل آخر هو الدور السلبى فى تجربة طنطاوى وعنان والذى تلقفه الإخوان واعتصروا إمكانياته حتى أخر قطرة، ثم خداعهم لكل التيارات والأحزاب الأخرى، خاصة من فجروا الثورة وصمدوا حتى الإطاحة بمبارك، وأكاذيبهم عن المشاركة لا المغالبة، وعن إفساحهم المجال لكل التيارات الثورية فى اقتسام السلطة والقرار، حتى كان لهم الهيمنة الكاملة على البرلمان بغرفتيه، ورئاسة الجمهورية والحكومة، ودستور البلاد الذى تمكنوا من تفصيله حسب مصلحتهم وهواهم! حسناً، أدرك أبو الفتوح ونصحاؤه أن الزمن تغير، وأنهم غير ذوى خبرة مع المناخ الجديد، وأن إعلانهم الانسحاب يدارى على قلة أعدادهم، التى سوف تنفضح إذا كان لهم مرشح رسمى وصوتوا له، ويمكن أن يزعموا أنهم ضمن الملايين التى تحجم تاريخياً عن التصويت! ولكن الأمر المحسوم هو أنهم سيشاركون، دون إعلان، لأنهم أذكى وأكثر خبرة من بعض الشباب المنتسبين للثورة أنصار مبدأ المقاطعة! فالمشاركة لصالح المرشح الأقرب لك تكسبه صوتاً وقى نفس الوقت تحرم المنافس صوتاً، أما إذا امتنعت فأنت تحرم الأقرب منك صوتاً مما يقرب خصمك الأساسى بصوت منه. لذلك، فهم ذاهبون للتصويت فى صالح المنافس ضد عدوهم الأول عبد الفتاح السيسى، فهذه أفضل وسيلة لمحاربته فى الانتخابات، كما أنها آمنة لهم من فضيحة انكشاف قلة عددهم، ما دام أنه ليس لهم مرشح وما دام أنهم قد أعلنوا مقاطعتهم، كما يحقق لهم إعلان الامتناع الإيحاء بثباتهم على موقفهم بمقاطعة كل إجراءات يقوم بها ما يسمونه حتى الآن بالانقلاب، ليُبقوا على أوهامهم فى عودة مرسى إلى الكرسى، أو فى بيع مرسى مقابل ان يعودوا هم إلى الحياة السياسية التى طردهم الشعب منها إلى أمد غير منظور! [email protected]