يُلقي إعلان لجنة تحكيم الجائزة العالمية للرواية العربية "البوكر"، اليوم الثلاثاء، فوز رواية "الديوان الإسبرطي" للكاتب الجزائري عبدالوهاب عيساوي بالدورة الثالثة عشرة من الجائزة لعام 2020، الضوء على الرواية الجزائرية المعاصرة وأفكارها وتطلعات أدبائها، والتي تعبر عن المجتمع الحالي الذي تغير كثيرًا عن زمن نشأة الراوية الجزائرية، والتي جاءت متزامنة مع نشأتها في الوطني العربي، حيث الجذور عربية وإسلامية مشتركة كصيغ القصص القرآني والسيرة النبوية ومقامات الهمذاني والحريري والرسائل والرحالات. وما بين أول عمل روائي في الأدب الجزائري "حكاية العشاق في الحب والاشتياق" لصاحبه محمد بن إبراهيم في عام 1849، وحتى إعلان فوز عيساوي بالجائزة، تاريخ طويل ومئات الأعمال التي عكست الكثير من سمات المجتمع؛ فقد سايرت الرواية الجزائرية الواقع، ونقلت الكثير من التغييرات التي طرأت على المجتمع بحكم الظروف والعوامل التي أسهمت في إحداث هذا التغيير؛ كذلك صبغت الرواية الجزائرية بصبغة ثورية، خاصة الثورة ضد الاستعمار، كما سايرت النظام الاشتراكي وهذا ما نجده في عقد السبعينات، ودخلت فيما بعد مرحلة جديدة فيها ثورة ونضال وانهزام، إذ انطلق الكاتب من الواقع الذي عاشه وعايشه في زمن الأزمة ما اصطلح عليه الكثير من النقاد ب"أدب الأزمة". وكانت السبعينات المرحلة الفعلية لظهور راوية فنية ناضجة، وذلك من خلال أعمال عبد الحميد بن هدوقة في "ريح الجنوب"، و" وما لا تذره الرياح " ل محمد عرعار، و"اللاز" و"الزلزال" لطاهر وطار، لتساهم هذه الأعمال في خلق تجربة روائية جزائرية جديدة متقدمة في العقد الذي تلى الاستقلال ومكّن البلاد من الانفتاح على اللغة العربية بعد عقود طويلة من السيطرة الفرنسية، وجعلهم يلجئون إلى الكتابة الروائية للتعبير عن تضاريس الواقع بكل تفاصيله وتعقيداته، سواء أكان ذلك بالرجوع إلى فترة الثورة المسلحة، أو الغوص في الحياة المعيشية الجديدة التي تجلت ملامحها من خلال التغيرات الجديدة التي طرأت على الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية؛ واتسمت الرواية في هذه الفترة بشجاعة الطرح والمغامرة الفنية، مع محاكمة التاريخ أو الواقع الراهن بلغة فنية جديدة ترجع لتركيبة ثقافة رواد الرواية الجزائرية الحديثة النابعة من خلال انخراطهم في السلك السياسي ومعايشتهم للحدث والمساهمة فيه، حيث كانوا من جيل الثورة والاستقلال، والذين وصف أبو القاسم سعد الله تجربتهم بقوله "رصيد الثورة ونضج سياسي وتجربة نضالية"، ليجمعوا ما بين الإبداع والسياسة. يبرز ذلك في أعمال بن هدوقة مثل "ربح الجنوب" و"نهاية الأمس" التي ساهمت في إثراء الحركة الروائية من حيث مواجهة الحياة ومشكلاتها والتعبير عن قضايا المجتمع وطموحاته، ونشر الوعي السياسي، وتدعيم آمال الطبقة الكادحة؛ والطاهر وطار الذي جاءت أعماله لتؤرخ التغييرات والتطورات الحاصلة في المجتمع الجزائري منذ الثورة المسلحة وحتى الاستقلال، واتسمت بالتلقائية والرؤية الشمولية، وجعلته قادرا على إدراك العلاقات الجدلية بين الفرد وأفكاره وأفعاله والحياة بكل صراعاتها، منها رواية "اللاز" التي تناولت سنوات الثورة، والتي حاول فيها البحث عن بذور الأسباب التي عرقلت مسيرة الثورة بعد الاستقلال، وحفلت بالنقد للأوضاع والأفكار والشخصيات والمواقف التي يراها من وجهة نظره غير سوية. وكانت التجربة الروائية الجزائرية في الثمانينات نتيجة للتحولات التي حدثت في مجتمع الاستقلال، حيث مثل هذا الجيل تجديدًا حديثًا، منها روايات واسيني الأعرج "وقع الأحذية الخشنة " و"أوجاع رجل غامر صوب البحر" و"نوار اللوز" أو " تغريبة صالح بن عامر الزوفري"؛ كما كتب الحبيب السايح رواية" زمن التمرد" وجيلالي خلاص "رائحة الكلب" و"حمائم الشفق"، كما كتب أيضًا مرزاق بقطاش روايته "البزاق" و"عزوز الكابران"؛ كما تابع الطاهر وطار في هذه الفترة كتابة جزئه الثاني من رواية "اللاز"وهي "تجربة العشق والموت في زمن الحراشي" التي رسم فيها مآل الثورة بعد الاستقلال، عبر الاصطفاف بين الحركة الطلابية وممن يتوسلون الدين ليجهضوا الثورة الزراعية، ويجهزوا على التحول الاشتراكي؛ ليرى بعضهم التجديد عن طريق الاشتغال المكثف على اللغة بتحويلها إلى فضاء إبداع وتعقيد السرد كسبيل تحقيق المغايرة واكتساب تجاربهم سمات الجدة وتجاوز ما هو سائد في السرد الروائي، مثلما تجسد في تجربة رشيد بوجدرة وجيلالي خلاص وغيرها. وكانت فترة التسعينات حافلة بالروايات التي تحاول أن تأسس لنص روائي يبحث عن تميز إبداعي مرتبط عضويًا بتميز المرحلة التاريخية التي أنتجته وبالواقع الاجتماعي الذي شكل الأرضية التي استطاع من خلالها الروائيين أن يستلهموا الأحداث والشخصيات من أجل قراءة الحادثة التاريخية قراءة مرهونة بالظرف التاريخي الذي مروا به؛ وشهدت تلك المرحلة تصوير وضعية المثقف الذي وجد نفسه سجين بين نار السلطة وجحيم الإرهاب، سواء كان أكاديميًا، كاتبًا،صحفيًا رسامًا، أو حتى موظفًا، كانوا جميعًا يشتركون في المطاردة والتخفي وهم يشعرون دوما أن الموت يلاحقهم. كل النصوص الروائية التي ظهرت في تلك فترة حاولت أن تعكس ما يتعرض له المجتمع في قالب يهيمن عليه البعد الإيديولوجي، ما يؤكد الهيمنة الإيديولوجية على الخطاب الروائي الجزائري؛ لتتخذ الرواية محنى يتعلق بموضوع الأزمة وآثارها، فاتخذت من المأساة الجزائرية مدارا لها، منها تتولد أسئلة متنها الحكائي وفي أحضانها تتشكل مختلف عناصر سردها. في الفترة نفسها واكبت الرواية الجزائرية التحول نحو اقتصاد السوق وتسريح العمال وإلغاء انتخابات 1992، لتظهر مرحلة التكتلات وظهور رواية المعارضة كبديل عن رواية السلطة التي فقدت هيبتها بعد أحداث 08 أكتوبر 1988، وبذلك أفسحت لها المجال بعد توفر مناخ الحرية الذي أفرزه دخول الجزائر مرحلة اختيارات جديدة سواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي، فزالت سياسة الحزب الواحد، وجاءت التعددية الحزبية وقد رافق هذا المعطى السياسي اعتبار حرية التعبير في الدستور حقا من حقوق المواطنة؛ ليصير النص الروائي ملزما بتجديد موقفه، فيلتقي الطاهر وطار في "الشمعة والدهاليز" مع واسيني الأعرج في "سيدة المقام" في البحث عن جذور الأزمة وفضح الممارسات التي تبعتها، كما جسدها آخرون كإبراهيم سعدي في" فتاوي زمن الموت" ومحمد ساري في "الورم"، وبشير مفتي في "المراسيم والجنائز". أما الجيل الأحدث فقد بدأ في مواجهة إشكالية استمرت لعقود طويلة هي الكتابة بعيدًا عن اللغة الأصلية، فالخوض في الأدب الجزائري المكتوب باللغة الفرنسية إشكالية يعتريها غموض والتباس كبيران، لم يقتصر على مستوى أدب شمال أفريقيا فحسب، بل تعداه إلى بعض الآداب الأوروبية، حيث إن المدرسة الفرنسية تركز على اللغة كعنصر محدد لهوية النص، بينما لا تطرح هذه الإشكالية بالحدة ذاتها بالنسبة للمدرسة الأمريكية التي ترى أن الدراسة المقارنة يمكن إقامتها مع مراعاة عنصر القومية وليس عنصر اللغة، وبالتالي يمكن إدخال الأدب الأمريكي والإنجليزي في مجال الأدب المقارن. ولعقود وجد الأغلبية من الكتاب الجزائريين أنفسهم يكتبون بلسان وقلم أجنبيين بالضرورة لعدم انتباههم لهذه الظاهرة بسبب سيادة اللغة الفرنسية، مما أدى بأحد الباحثين إلى القول "وقد ظل هؤلاء الكتاب في معظمهم معجبين كل الإعجاب بالحضارة الفرنسية بوجه خاص والحضارة الغربية بوجه عام جاهلين بالتاريخ العربي غير ملمين بمعالم الحضارة الإسلامية، إذ أنى لهم أن يدركوا شيئًا من ذلك وهم محرومون من الإلمام الكافي بلغتهم التي بواسطتها يطلعون على التراث العربي وكنوز حضارته الغنية بمعطياتها الإنسانية إطلاعا حقيقيا خاليا من الشوائب والشرور"؛ كما أن تأخر الثقافة العربية في الجزائر أوجد فجوة كبيرة في الحصول على أسلوب لغوي روائي مرن، وكان من البديهي أن يلجأ الكتاب الجزائريون إلى استخدام الأداة الأجنبية لملء الفراغ، فساهموا بطريقة غير مباشرة في تطور الفن الروائي نسبيًا. في الوقت نفسه ظل الأدب الجزائري المكتوب باللغة الفرنسية لفترة طويلة في موقف الإتهام، فنظر إليه نظرة رفض وإنكار، على الرغم من تعبيره عن واقع وطني جزائري كما هو الحال بالنسبة لرواية "رصيف الأزهار لا يجيب " لمالك حداد، و"نوم العدل" لمولود معمري.