يحيي العالم يوم السبت القادم اليوم الدولي للقضاء علي التمييز العنصري، حيث يأتي الاحتفال هذا العام 2020 تحت شعار (الاعتراف والعدالة والتنمية.. استعراض منتصف المدة للعقد الدولي للمنحدرين من أصل أفريقي). ويهدف العقد الدولي إلى الاحتفال بأهمية المساهمات المهمة للمنحدرين من أصل أفريقي على مستوى العالم، وكذلك الدفع قدما بالعدالة الاجتماعية وسياسات الشمول، والقضاء على العنصرية والتعصب، وتعزيز التسامح وحقوق الإنسان، وتقديم المساعدة في تكوين مجتمعات أهلية مزدهرة، بما يتوافق وأهداف التنمية المستدامة التي تتبناها الأممالمتحدة. ويوفر العقد الدولي للمنحدرين من أصل أفريقي، الذي أعلنه قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة والملاحظ في الفترة من 2015 إلى 2024، إطارا متيناً لاتخاذ تدابير فعالة لمعالجة هذه القضايا بروح الاعتراف والعدالة والتنمية. ويعتبر استعراض منتصف المدة أمر حيوي لتقييم فعالية برنامج أنشطة العقد وتنفيذه وتحدياته خلال السنوات الخمس الأولى.. واستنادا إلى التقييم، يولد ذلك تحسينات في الأنشطة والبرامج المخططة للسنوات الخمس المقبلة، وسيوفر التقييم النهائي توجيهات لمختلف الآليات القائمة وجميع أصحاب المصلحة، بما في ذلك التوصيات الملموسة لمسارات العمل المستقبلية لضمان استمرار حماية وتعزيز حقوق السكان المنحدرين من أصول أفريقية بعد نهاية العقد. ويحتفل باليوم الدولي للقضاء على التمييز العنصري سنويا في اليوم الذي أطلقت فيه الشرطة في شاربفيل بجنوب إفريقيا النار وقتلت 69 شخصا كانوا مشاركين في مظاهرة سلمية ضد "قوانين المرور" المفروضة من قبل نظام الفصل العنصري في عام 1960. وفي عام 1979، اعتمدت الجمعية العامة برنامج الأنشطة التي يتعين الاضطلاع بها خلال النصف الثاني من عقد العمل لمكافحة العنصرية والتمييز العنصري.. وفي تلك المناسبة، قررت الجمعية العامة أن أسبوع التضامن مع الشعوب التي تكافح ضد العنصرية والتمييز العنصري يبدأ في 21 مارس، ويحتفل به سنويا في جميع الدول. ومنذ ذلك الحين، تم تفكيك نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، وإلغاء القوانين والممارسات العنصرية في العديد من البلدان، وتم بناء إطار دولي لمكافحة العنصرية، مسترشدا بالاتفاقية الدولية للقضاء على التمييز العنصري.. وفي 23 ديسمبر 2013، أعلنت الجمعية العامة بموجب قرارها بدء العقد الدولي للمنحدرين من أصل أفريقي في الأول من يناير 2015 لينتهي في 31 ديسمبر 2024 تحت شعار (المنحدرون من أصل أفريقي.. الاعتراف والعدالة والتنمية). وتشير تقارير الأممالمتحدة إلى أن هناك ما يقرب من 200 مليون شخص يعرّفون أنفسهم بأنهم "منحدرون من أصول أفريقية"، وهناك الملاييين غيرهم ممن يعيشون في بقاع مختلفة من العالم خارج القارة الأفريقية.. وفي كثير من الحالات، يظل وضع المنحدرين من أصل أفريقي مجهولا على نطاق واسع، وكثيرا ما يعانون من التمييز عند الاحتكام إلى القضاء، ويتعرضون لنسب عالية مقلقة من العنف على أيدي الشرطة، إلى جانب ما يطالهم من تنميط عنصري. وعلاوة على ذلك، غالبا ما تكون درجة مشاركتهم السياسية منخفضة، سواء في التصويت أو في شَغل المناصب السياسية، بالإضافة إلى أنهم يعانون من أشكال متعددة أو متداخلة أو متفاقمة الخطورة من التمييز القائم على أسس أخرى ذات صلة، مثل العمر أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي أو غيره أو الأصل الاجتماعي أو الملكية أو الإعاقة أو المولد أو أي وضع آخر. وقد أقر إعلان وبرنامج عمل ديربان بأن المنحدرين من أصل أفريقي كانوا ضحايا الرق وتجارة الرقيق والاستعمار ولا يزالون يعانون من عواقبها.. وساهمت عملية ديربان في التعريف بقضيتهم وساعدت على إحراز تقدم مهم في تعزيز حقوقهم وحمايتها بفضل الإجراءات الملموسة التي اتخذتها الدول والأممالمتحدة والهيئات الدولية والإقليمية الأخرى والمجتمع المدني. وأشار زيد رعد الحسين مفوض الأممالمتحدة السامي لحقوق الإنسان إلى أنه أصيب بصدمة من "ضخامة المهمة" خلال العقد المقبل لعكس خمسة قرون من التمييز ضد 150 مليون شخص من أصل أفريقي في أمريكا اللاتينية.. وحثت منطقة البحر الكاريبي المنطقة على الاستفادة من الإمكانات غير المستغلة في المجتمعات غير المرئية حتى الآن. ودعا الدول إلى احترام التزاماتها بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان واستخدام جميع الأدوات المتاحة لها لإحراز تقدم ملموس في النهوض بحقوق المنحدرين من أصل أفريقي.. وتشمل الأدوات المعاهدات الدولية لحقوق الإنسان، وإعلان برنامج عمل ديربان بشأن القضاء على العنصرية وكره الأجانب، والإطار الذي قدمته الجمعية العامة للأمم المتحدة للعقد الدولي. ويوجد اليوم أكثر من 150 مليون شخص من أصل أفريقي في أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي، أي حوالي 30% من السكان، مع ذلك، فإن المنحدرين من أصل أفريقي في معظم أنحاء المنطقة غير مرئيين في قاعات السلطة "الاقتصادية أو الأكاديمية أو المهنية أو السياسية"، أو على المستوى المحلي أو الوطني. أما في الولاياتالمتحدةالأمريكية، فقد أشار تقرير لفريق خبراء الأممالمتحدة العامل المعني بالسكان المنحدرين من أصل أفريقي، والصادر في أغسطس عام 2019، أن سياسيين من الولاياتالمتحدة استخدموا لغة عززت الصورة السلبية للأشخاص المنحدرين من أصول أفريقية، مشيرا إلى إرث الصور النمطية العرقية والتوصيفات السلبية للأشخاص ذوي الأصول الأفريقية، والتي تم صنعها لتبرير استعباد الأفارقة ومواصلة إيذاء المنحدرين من أصول أفريقية وانتهاك حقوقهم الإنسانية. وذكرت صحيفة (يو.إس.أيه توداي) في يونيو عام 2019، أن المزيد من دعاية تفوق البيض ظهرت في حرم الكليات الأمريكية خلال ذلك العام الدراسي، ما يمثل ارتفاعا في كم المواد العنصرية منذ ثلاثة أعوام.. وفي الفصل الدراسي لموسم الربيع وحده، سجلت مجموعة لمراقبة أعمال الكراهية 161 حالة دعاية متطرفة في 122 حرما في 33 ولاية وفي مقاطعة كولومبيا. وبحسب تقرير نشر على صحيفة (هوفينغتون بوست) في أبريل عام 2019، فإن كريستفور راي مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي أدلى بشهادة أمام الكونجرس قال فيها "إن تفوق البيض يشكل تهديدا دائما وواسعا للأمن الأمريكي".. كما أخبر الكونجرس أن أغلب عمليات التوقيف المتعلقة بالإرهاب الداخلي منذ أكتوبر الماضي مرتبطة بعنف دعاة تفوق البيض. وذكر مقرر الأممالمتحدة الخاص المعني بالأشكال المعاصرة من العنصرية والتمييز العرقي وكراهية الأجانب وأوجه التعصب ذات الصلة لعام 2019، أن الأشخاص المنحدرين من أصول أفريقية في الولاياتالمتحدة لا يزالون يواجهون القتل والمعاملة الوحشية بمعدلات خطيرة من قبل سلطات إنفاذ القانون والحراس، الذين قليلا ما يتعرضون للمساءلة. وذكرت شبكة (سي.إن.إن) أنه في شهر مارس عام 2019، وقع حادث مروع لعنف الشرطة إلى جانب التمييز العرقي، حيث قام 6 ضباط شرطة بقتل ويلي مكوي (مغني راب - 20 عاما)، حيث أطلقوا نحو 25 رصاصة على أذنه وعنقه وصدره وذراعيه وكتفيه ويديه وظهره.. وقالت سيمون ريتشارد أخت مكوي "إن الشرطة أعدمت أخاها ولم تمنحه فرصة ليرفع يديه". وذكرت الشبكة أنه في يوم 17 ديسمبر عام 2019، قام دوج إيفانز المدعي العام لولاية ميسيسبي بأقصاء العديد من المحلفين من ذوي الأصول الأفريقية من المحاكمات منذ توليه منصبه في عام 1992.. وكان المحلفون من أصول أفريقية أكثر عرضة بواقع 4.4 ضعف للإقصاء مقارنة مع نظرائهم البيض. ويستمر التمييز في التوظيف على عدم المساواة في الرخاء الاقتصادي، ولاسيما للأشخاص ذوي الأصول الأفريقية، فعلى مدار ال40 عاما الماضية واجه العمال من ذوي الأصول الأفريقية معدل بطالة يناهز ضعفي المعدل لنظرائهم البيض. وذكرت صحيفة لوس أنجيلوس تايمز في يوليو عام 2019، مستشهدة بأرقام لمجلس الاحتياطي الفيدرالي، أن التباينات العرقية في الثروة تفاقمت، إذ تعادل الثروة النمطية لأسرة بيضاء 10 أضعاف الثروة لأسرة أمريكية من أصول أفريقية. وبحسب التقرير، الذي نشر لصحيفة (يو.إس.أيه توداي) في نوفمبر عام 2019، فإنه في منطقة ميلاووكي- واوكيشا- ويست أليس بولاية ويسكونسين يصل معدل البطالة بين الأمريكيين الأفارقة إلى 13.9% مقابل 3.9% فقط للبيض. ويشكل متوسط دخل الأسر ذات الأصول الأفريقية 43.8% فقط من دخل الأسر البيضاء.. وهناك 27.8% فقط من أرباب الأسر ذات الأصول الأفريقية يملكون منازلهم، وهي نسبة أقل من نصف معدل ملكية المنازل بين أرباب الأسر البيضاء والبالغ 68.2%. وبحسب تقرير نشر لمركز (أميريكان بروجريس) في أغسطس 2019، فإن الأشخاص الملونين لا يزالون يتعرضون لتمييز شائع في سوق الإسكان، حيث ذكر أن 17% من الأمريكيين الأصليين، و25 % من الأمريكيين الآسيويين، و31% من اللاتينيين، و45% من الأمريكيين الأفارقة يواجهون تمييزا عند السعي لاستئجار مسكن أو شرائه.. وفي المقابل، فإن 5% فقط من الأمريكيين البيض يتعرضون للتمييز في سوق الإسكان. ولقرون عدة، ساهمت العنصرية الهيكلية في نظام الإسكان الأمريكي في خلق تباينات صارخة ومتواصلة في الثروة والرخاء المالي، ولاسيما بين الأسر الأمريكية ذات الأصول الأفريقية والأسر الأمريكية البيضاء.. وقد ترسخت هذه التباينات لدرجة أنه إذا استمرت الاتجاهات الراهنة، فإن الأمر قد يستغرق أكثر من 200 عام حتى تتمكن الأسرة المتوسطة المنحدرة من أصول أفريقية من جمع ذات القدر من الثروة المتوفرة لنظيرتها البيضاء. أما الأطفال غير البيض فيعانون تمييزا خطيرا في التعليم، حيث ذكرت شبكة (سي.إن.إن)، في تقرير لها في فبراير عام 2019، أن المناطق التعليمية ذات الغالبية البيضاء في الولاياتالمتحدة تحصل على 23 مليار دولار سنويا أكثر من المناطق التعليمية التي تعلم غالبية غير بيضاء من الأطفال.. كما تقبل المناطق التعليمية للبيض نحو 1500 طالب فقط، بينما تقبل المناطق التعليمية لغير البيض أكثر من 10 آلاف طالب، أي ما يعادل ستة أضعاف. ووفقاً لنتائج مسح أجراه مركز (بيو للبحوث) بعنوان (العرقيات في أمريكا 2019)، فإنه وبعد أكثر من 150 عاما من التعديل ال13 الذي ألغى العبودية في الولاياتالمتحدة، يقول معظم البالغين في الولاياتالمتحدة إن ميراث العبودية لا يزال يؤثر على وضع الأشخاص المنحدرين من أصل أفريقي في المجتمع الأمريكي اليوم. وقال أكثر من 4 من كل 10 أشخاص شملهم المسح "إن البلاد لم تحقق تقدماً كافياً نحو المساواة العرقية".. وقال حوالي 58% "إن العلاقات العرقية في الولاياتالمتحدة سيئة"، فيما قال نحو 65% "إنه أصبح من الشائع بالنسبة للناس التعبير عن وجهات نظر عنصرية في السنوات الأخيرة"، كما قال حوالي 76% من المنحدرين من أصول أفريقية وآسيوية و58% من ذوي الأصول الإسبانية "إنهم عانوا من التمييز أو عوملوا بطريقة غير عادلة بسبب عرقهم أو انتمائهم على الأقل". ويمثل العقد الدولي للمنحدرين من أصل أفريقي (2015 - 2024) فترة تاريخية مبشرة بالخير ستنضم خلالها الأممالمتحدة والدول الأعضاء والمجتمع المدني وجميع الجهات الفاعلة الأخرى المعنية إلى المنحدرين من أصل أفريقي وتتخذ تدابير فعالة لتنفيذ برنامج الأنشطة بروح من الاعتراف والعدالة والتنمية.. كما يمثل كذلك مبادرة مهمة ومناسِبة من حيث التوقيت وفرصة فريدة -بناء على السنة الدولية للمنحدرين من أصل أفريقي- للتأكيد على المساهمة المهمة التي يقدمها المنحدرون من أصل أفريقي لمجتمعاتنا، ولاقتراح تدابير ملموسة لتعزيز إدماجهم الكامل ومكافحة العنصرية والتمييز العنصري وكراهية الأجانب، وما يتصل بذلك من تعصب.