رغم ما تعانيه الحدود (اليونانية- التركية) من أزمة طاحنة يدفع ثمنها النازحون الهاربون من جحيم الحرب ببلادهم، يبقى الفاصل الجغرافى الآخر بين بلد الأزمة تركيا وجارتها الأوروبية بلغاريا هادئًا نسبيًّا. ففى بداية مارس الجاري، أكد وزير دفاع بلغاريا، كراسيمير كاراكاتشانوف، أن الأوضاع الحدودية بين بلاده وتركيا لا تزال هادئة، رغم اشتراكهم بريًا بشريط حدودى يبلغ طوله نحو 300 كيلو متر، مُشيرًا إلى عدم السماح لأى شخص بتجاوز الحدود بصورة غير قانونية، كما أوضح أن بلاده قررت إرسال 1100 عسكرى لتأمين الفاصل البرى مع تركيا، فضلًا عن بنائها سياجا من الأسلاك الشائكة بينهما وكاميرات مراقبة شديدة الدقة. وبرزت تلك الصورة المتناقضة فى تجدد الاستغلال التركى للمهاجرين السوريين بأرضها، ففى الوقت الذى أعلنت فيه تركيا فتح حدودها أمام السوريين للدخول إلى أوروبا معللة ذلك بعدم تلقيها الدعم الكافى لإعاشة المهاجرين، رصدت كاميرات الإعلام احتشادا واسعا من المهاجرين على الحدود اليونانية فى مقابل هدوء حذر بجانب بلغاريا. وسط الإرادة التركية لاستغلال ما لديها من سوريين يبلغ عددهم نحو 4 ملايين لاجئ، يبرز تساؤل مهم حول الأسباب وراء الهدوء الحذر بحدود بلغاريا مقارنة باليونان، وما التطورات المتسارعة فى ملف العلاقات بين أنقرة وصوفيا والتحولات التى أصابتها بين الهبوط والصعود؟. ففى 2016 تبادل البلدان طرد ممثليهما الدبلوماسيين لدى بعضهما البعض على خلفية إعلان بلغاريا القنصل التركى شخص غير مرغوب به لتدخله فى شئون البلغاريين ومشاركته فى الطقوس الدينية لبعضهم، ومن ثم عانت بلغاريا لفترة من موجات الهجرة السورية المُنبعثة من تركيا. ولكن الأمر لم يدم طويلًا وخاصة خلال الموجات الأحدث والمتضمنة بقرار من الحكومة بفتح الحدود للمهاجرين، وحول الأسباب الأرجح لذلك فيُرجح أن طبيعة الحدود الجغرافية ربما تكون عاملًا مؤثرًا فى الأمر فالحدود بين بلغارياوتركيا جرى تأمينها بأسلاك شائكة عالية الوصول أما اليونان فلم يمكنها ربط سواحلها بأسياج شائكة. أما المتغيرات الأهم، التى تتدخل مباشرة فى العلاقات السياسية بين الدول وتحديد قرارها تجاه بعضها هى المصالح الاقتصادية، فبعد سنوات من العراك الدبلوماسى بين البلدين؛ رغم تعدد أسبابه استقرت الجارتان على توقيع اتفاقيات استثمارية بددت بعضًا من الخلافات بينهما. ففى يوليو 2017، وقعت أنقرة وصوفيا اتفاقًا للتعاون المشترك فى قطاع الطاقة والغاز الطبيعى والكهرباء، وتذليل كل العقبات التى من شأنها أن تعطل استثمارات البلدين فى هذا المجال، بينما الأبرز فى هذا الملف هو إعلان بلغاريا فى ديسمبر 2019 عن اتفاقية لتمرير الغاز من روسيا إلى أراضيها عبر أنابيب تمر بتركيا والحدود المشتركة بينهما. وطبقًا للاتفاق تحصل بلغاريا على الغاز الروسى لتأمين احتياجاتها من الطاقة عبر الأنبوب التركى تركستريم وصولا إلى أنابيب موصلة بين حدودهما ما يوفر عشرات الملايين من الدولارات على صوفيا التى كانت تضطر قبل ذلك لتلقى إمداداتها من الغاز الروسى عبر أوكرانيا. ويُحتمل أن تكون الخلافات الدبلوماسية التى تأججت بين البلدين فى 2016 وما قبلها قد هدأت عبر المشروعات المشتركة لتخفيف الضغط التركى على مواطنى البلاد ذوى الأصل المشترك وتقويض المشروع العثمانى فى المنطقة.