في اليوم النهائي للفعاليات الثقافية بمعرض القاهرة الدولي للكتاب، قدم الدكتور خلف الميري بالقاعة الرئيسية ندوة بعنوان "التاريخ والهوية "بحضور كل من الدكتور عبدالحليم نور الدين أستاذ الآثار ومقرر لجنة الآثار بالمجلس الأعلى للثقافة، والدكتورة زبيدة محمد عطا العميد الأسبق لكلية الآداب جامعة حلوان ودارت الندوة حول التاريخ والهوية المصرية. وقال الدكتور نور الدين في بداية حديثة: في وقت الأزمات تظهر الكثير من المصطلحات، يتم الترويج لها، ونحن نحاول أن نحلل هذه المصطلحات، وقد لاحظت مؤخرًا الكثير من البرامج التليفزيونية تتحدث عن الشخصية المصرية، وتتساءل هل نحن عرب أم فراعنة، وأنا أقول أنا هذا السؤال لا معني له، ولا جودي من طرحة، فعندما كنت أدرس في جامعة ليدن للحصول على درجة الدكتوراه كنت اُسأل دومًا هل أنتم عرب أم فراعنة؟ وعلي الرغم من كوني أعلم المغزى "الخبيث" من وراء السؤال كنت أقول: "إنا جميعًا تجمعنا مظلة اللغة العربية، ولكننا مصريين لنا خصوصيتنا" وكلمة فراعنة تستخدم للترويج للذين حكموا مصر بالقهر والظلم، وهذا غير صحيح، لأن الفرعون هو القصر الذي يسكن به الحاكم، وإن لقب به أحد حكام مصر في بعض الفترات، وهذا هو ليس محور الحديث، لأن السؤال الدائم هو "من نحن؟" "وما هي سمات الشخصية المصرية في مراحلها المختلفة؟"، وأنا أقول أن "الهوية المصرية" هي مجموعة من السمات المكونة لفكر الشخص وفكر الأمة، وخصائص الشخص وخصائص الأمة، وفي ظل فترات الأزمات تتجلي هذه السمات، التي تشكل وتبرز هذه الهوية، رغم أنها قد تبدوا مختلفة أو متباينة من حيث الثقافة إلا أنها تنصهر وقت الأزمات في بوتقة وأحده تشكل الشخصية المصرية، كما أن الجنس المصري له خصائص وعادات وتقاليد تختلف في أوقات معينة عن بلدان كثيرة، فنحن لسنا حاميين ذوي بشره سوداء، ولسنا ساميين، ذوي بشره بيضاء، إنما نحن وسط وهذا من ضمن سماتنا، وبالنظر إلى أصولنا، وأصول كلمة مصر نجد أنها كانت في البداية تسمي "مشر" وهذا الاسم موجود في اللغة المصرية القديمة ومعناه المحصنة أو المكنونة،وهي محصنة لأن بها صحراء شرق وصحراء غرب في الشمال يحدها البحر المتوسط وهذه الحدود الطبيعية التي حماها بها الله هي التي جعلتها محصنة،إضافة إلى نهر النيل، وأنا هنا أختلف مع من يقول أن مصر هبه النيل، ولو أن مصر هبه النيل فلماذا لم تقوم حضارة مثل الحضارة المصرية في باقي دول النيل، وهذا أبلغ دليل على أن مصر هبه المصريين، لأنهم هم من حرك وصنع الحضارة المصرية، وعلي الرغم من انبهار العديد من المصريين بالأهرامات وضخامة بناءها وتصميمة وحجم الأحجار، إلا أني منبهر بالإدارة، إدارة الموقع الذي يتم إنشاء الهرم به، ولذلك تبين الحضارة المصرية أن المصري القديم عرف جيدًا أهمية الإدارة، وكانت هذه المعرفة وراء قدرة المصريين في التعامل مع النيل وإيقاف جموحه وفيضانه من خلال بناء السدود المختلفة، ولإدراكهم أنه لا يمكن قيام حضارة على مصدر مؤقت للمياه، وكان النيل بمثابة المصدر الثابت لقيام هذه الحضارة وهذا أكبر دليل على عبقرية الشخصية المصرية منذ القدم، فالمصري القديم عرف الكتابة وبرع في فنون الطب، والنحت والرسم وغيرها الكثير، كما أن المصري القديم طبق العدالة الاجتماعية على جميع أبناء مصر، ففي عهد رمسيس الثالث رفع العمال لافتة مكتوب عليها:" إن لم تعطونا أجورنا سنهجم على صوامع الغلال الملكية، وبالفعل كانت ثورتهم على الحكومة لأنها لم توفي بوعدها معهم"، كما أننا ورثنا الكثير من المفردات الفرعونية،ولدينا أكثر من ستمائة مفردة عامية أصلها من لغة الأجداد، فلو لم يكن الاجداد على مستوي عالي من الحضارة ما ورث الأحفاد منهم شيء. كما تحدثت الدكتورة زبيدة عطا عميد أداب حلوان الأسبق عن الشخصية المصرية، والتي عرفتها بأنها شخصية وسطية لا هي تميل إلى التراخي ولا هي تميل إلى الشدة، وأن الدين لعب دورًا كبيرًا في الشخصية المصرية، سواء كان في الفترة المسيحية أو الإسلامية، وتري أن ذاكرة المصري تحوي كل الثقافات السابقة، بشكل تراكمي وأكبر دليل أننا نستخدم التقويم القبطي حتى الآن، وكما قال جمال حمدان "المصري يستوعب الأجنبي ويعطيه طبعة مصرية"، فمصر لها بعد متوسطي من خلال البحر المتوسط، ولها بعد أفريقي، ولها بعد عربي من خلال آسيا، وقد ظهرت توجهات مختلفة لدى المثقفين المصريين، الذين عادوا من الخارج متأثرين بالنهضة الأوربية والفكر الغربي، ويريدون تشكيل الشخصية والهوية المصرية، من خلال العلم والثقافة، وكان على رأسهم أحمد لطفي السيد وطه حسين، وظهرت كتاباتهم بالدعوة إلى التطوير والتقدم بما لا يفقد مصر لشخصيتها العربية أو يتناقض مع ديانتها الإسلامية، وظهرت أيضا جماعات تدعوا إلى تشكيل مصر من الناحية الوطنية العربية وأنها لابد أن تتجه وتنظر إلى العرب، وعلي هذا الأساس تم بناء الجامعة العربية وكان من رواد هذا الفكر علوبة باشا، وعبد الرحيم عزام وهو أول أمين للجامعة العربية، كما أن البعض نادي بالاتجاه القومي، وكان سلامة موسي يتجه إلى الفرعونية المصرية، كما ظهرت الحركة الإسلامية، المتمثلة في الإخوان المسلمين عام 1928علي يد حسن البنا وهو الذي قال: ما لا يأخذ بالقرآن يأخذ بالسلطان" وعلي هذا الأساس انشأ الكشافة والجناح العسكري المستقل، ثم بعد ذلك ظهر الاتجاه العروبي أو القومية العربية لدى عبد الناصر الذي تواجد مع أفريقيا والعالم العربي، إلا أن السادات من بعده قال "أنا لست زعيما عربيا" وأنسحب تدريجيًا من المشهد الإفريقي والعربي، ومن بعده فشلت القيادة المصرية الحديثة في إيجاد مشروع قومي يلتف المصريين من حولة. وقبل أن يختتم د. خلف الميري اللقاء قال: هناك خلط بين مفهوم الدولة ومفهوم الأمة، الدولة بمفهومها وخصوصيتها لا ينفي عنها أن تكون جزءًا من الأمة العربية، وأي دولة تقوم على مقومات ثلاث، "إقليم"، "شعب"، "سلطة سياسية" إلا أن الجماعات الإسلامية أخطأت في فهم هذا المصطلح وقامت بدحر الخصوصية المصرية، ولابد من ربط الماضي بالحاضر، والنظر إلى ما حققته ثورة الخامس والعشرين من يناير، والتي أثبتت أن مصر جزء من كل وهو الوطن العربي، وعندما نربط الماضي بالحاضر سنجد أن الخديوي توفيق أستدعي الإنجليز قديمًا للدفاع عن الشرعية والتصدي لأبناء مصر المعارضين لسياساته وبعد أن دخل الإنجليز مصر قالوا لقد جئنا لحماية الخديوي ولا علاقة لنا بالغزو، إلا أنه تم التنكيل بالخديوي والمصريين معًا، ونفس الشيء حدث منذ أشهر قليله وتم الاستنجاد بالأجنبي للحفاظ على أريكة العرش المسماة بالشرعية وهذه الأحداث تذكرنا بأن التاريخ لا يتغير.