هل حقا اعتاد المصريون على تأليه الحاكم؟!، وكيف تتم صناعة الديكتاتور؟!، أسئلة عديدة طغت على سطح الندوة التي جرى تنظيمها ضمن أنشطة "كاتب وكتاب"، والتي ناقشت كتاب: "الرئيس الذي نريد.. الرئيس الذي نستحق" للدكتورة عزة عزت، بحضور الكاتب الصحفي حلمى النمنم، وأحمد بهاء الدين شعبان الأمين العام للحزب الاشتراكي المصري، وأدار اللقاء الكاتب عبد العال الباقوري. في بداية الندوة قال الكاتب عبد العال الباقوري إن الكتاب قدم رؤية متكاملة لعصر مبارك وكيف تتم صناعة فرعون، حيث اختارت المؤلفة بعض الحوارات لبعض الكتاب الذين كانوا يسبّحون ليل نهار لمبارك، لافتا إلى أنها لم تتردّد في أن تعلن خشيتها من أن يسيء الشعب المصري الاختيار للرئيس، فلا نحصل على الرئيس الذي نريده بسبب غفلة البسطاء عن ألاعيب السياسة، وتساءل أين هي حمرة الخجل عند هؤلاء الكتاب الذين يتلونون طبقا للنظام الحالي. بعدها قدمت دكتورة عزة عزت عرضاً لمضمون الكتاب، وقالت إنها اعتبرت أن من حسن حظ المصريين أن ثورة يناير لم تأت بقائد يقوم المصريون بتأليهه كعادتهم، ورأت أن هذا خير لمصر، وأضافت: كانت لدينا 13 شخصية من مرشحي الرئاسة بعد ثورة يناير، وكان بهم تنوع ولم يكن مرسي أفضلهم أو أفضل حتى أعضاء جماعة الإخوان الإرهابية المحظورة، فلماذا اختار الشعب الرقم 13 وهو رقم نحس وشؤم على مصر، أتمنى أن يختفي من حياتنا، وتابعت: "بدأت الكتاب في مايو 2011 وكنت أرى أن المصريين يستحقون كل شيء ولكننا ابتعدنا عن السياسة فترة كبيرة، ولذلك يدفع البسطاء الثمن، وحكمنا الأشرار وهو ما حدث في تصوري وتم اختيار محمد مرسي رغم تنامي الوعي السياسي عقب الثورة، ووسط الإحباط انتهيت من الكتاب في 15 يونيو، واكتشفت استحالة أن يبقى حكم الإخوان رغم أنه كابوس مظلم لكنني رأيت أنه سينتهي، وكان هدفي من الكتاب أن يصحو صوت العقل لدى المصريين وأن يختاروا على أساس البرامج وليس "كاريزما" المرشح، وطرحت أسئلة كثيرة حاولت الإجابة على معظمها، وكان أهمها بالنسبة لي هل سنقع مرة أخرى في الخلطة السحرية الخاضعة للدعاية والإعلام والسياسة في اختيار الرئيس؟"، مشيرة إلى أن حصر فكرة الديمقراطية في أن نقوم بخوض التجربة جعلتنا مثل فئران المعامل، وستدفعنا إلى الإقدام على اختيار - في الفترة المقبلة - تحيط به مخاطر كبيرة، كما وأوضحت المؤلفة أن بعض الصفات التي تتوافر في الشخص الذي ينتظره الشعب المصري - ألا وهي الهيبة ومقومات القيادة والقدرة على مخاطبة الجماهير بلهجة "حميمية" - ستحمل الشخص الذي سنختاره مسؤوليات أكبر، حيث إن سقف مطالبنا ارتفع وكذلك طموحاتنا، وفي ظل الانهيار الاقتصادي لن يتمكن الرئيس من حل هذا بسهولة. وتساءلت المؤلفة: هل سنعود سيرتنا القديمة بأن نحيط الحاكم بالقدسية؟، وهل سنقوم بفرعنته بمجرد ترشحه للانتخابات؟، أعتقد أن آفة المصريين النفاق أو المغالاة والمبالغة في المشاعر، ولذلك حرصت على أن أكتب نماذج للبعض عما كتبوه لمبارك فكان من حقه أن "يتفرعن"، كما "عزت" تساءلت عن الأسلوب الأمثل لاختيار الرئيس المقبل، هل ستكون سماته أم تاريخه أم خدماته أم التيار الذي يمثله؟، أم وفقا للأيديولوجية وميوله السياسية والاقتصادية؟، أم وفقا لبرنامجه؟، وهل سنسمح أن نقع في براثن برنامج خيالي مثل النهضة مرة أخرى؟. وعرضت مؤلفة الكتاب فصول كتابها الذي يتكون من مقدمة و5 فصول، هي: مبارك هل يكون آخر الفراعين، الرئيس الذي نريده وسماته، مطلوب رئيس من بين هؤلاء، الرئيس الذي نستحق، وصناعة الرئيس المدني، موضحة أن الكتاب يقدم نصائح للمصريين في كيفية اختيار الرئيس القادم حتى لا يقع الشعب المصري فيما وقع فيه عقب ثورة يناير، وما حدث للشعب من جماعة الإخوان الإرهابية، وتابعت: المصريون يرون أن الحكم هيبة وما أخذناه لم يكن يمتلك هذه القدرة، ومرسي كانت عنده زلات لسان ليس لها أول من آخر، إضافة إلى كم من الشائعات وتسريبات ضلّلت الناس في الاختيار. وذكرت الكاتبة - في نهاية الكتاب - كيفية صناعة الرئيس المدني، وأن الشعب المصري سينجو لا محالة من فخ الإخوان، وبظهور السيسي يكون قد تم تحقيق فرضية الكاتبة - طبقا لكلامها - من أن الشعب سيختار الرئيس على أساس سمات الشخصية. وعقب عبد العال الباقوري منتقدا جملة ذكرتها الكاتبة في الكتاب، وهي "لا يوجد إعلامي أو كاتب - إلا من رحم ربه - إلا وساهم في قدر من تأليه الحاكم"، وقال الباقوري: "بالعكس، هناك من قاوم تأليهه ومنهم من يجلسون على المنصة الآن". ومن جانبه، علق الكاتب حلمي النمنم على الكتاب، وقال منفعلا إنه مختلف مع الكتاب، وعلى وجه التحديد في التساؤل الذي طرحته الكاتبة حول هل يكون مبارك آخر الفراعين؟، متسائلا: وهل كان مبارك فرعوناً؟، مضيفا: "الفرعون هو حاكم مستبد ولكنه حافظ على حدود مصر، ولكن مبارك كان مستبداً ولم يحفظ حدود مصر"، وانتقد النمنم الاستهزاء الذي يتم الآن من البعض بالتاريخ الفرعوني، مشيرا إلى أن مبارك لم يكن فرعوناً ولكنه كان أقرب إلى أغوات المماليك، ورفض النمنم ما ذكرته الكاتبة حول مبارك في كتابها، مشيرا إلى أن الحديث عنه قد يجعلنا نعتذر لمبارك حيث صوّرته الكاتبة على أنه ضحية لمن كانوا حوله، كما رفض وصف الكاتبة للمصريين بالمنافقين، حيث قالت في كتابها "آفة المصريين النفاق" وكأن حياة مصر تبدأ بثورة 25 يناير، وقبلها كان شعب من العبيد ثم انتفض فماذا نقول عن ثورة 18 و19 يناير 77، واقرأوا التاريخ، وتساءل النمنم: من قال إن الشعب منافق؟، ومن قال إن كل الكتاب في عهد مبارك منافقون؟، منتقدا اعتماد الكاتبة - في العينة التي قامت بدراستها من الكتاب - على كتاب جريدة الأهرام فقط، وقال موجها حديثه للكاتبة: "يا سلام، هيّ مصر لم يكن فيها سوى أسامة سرايا، ولماذا لم تختاري مجموعة من كتاب المعارضة، وهل نسيتِ الكتاب الذي أصدره حزب التجمع عند انتخابات التجديد لمبارك في 87 بعنوان: لماذا نرفض التجديد لمبارك، هل هؤلاء ليسوا مصريين؟!". وقاطعته الكاتبة - في محاولة منها لأن توضح ما ذكره - إلا أن "النمنم" لم يسمح لها بالتعليق، قائلا: "إذا كنتِ تريدين أن أنافق كتابك فلن أفعل ذلك، أنتِ متحاملة وكأن ما فيش في مصر سوى الأهرام"، وأوضح النمنم أن الشعب المصري في الانتخابات الماضية لم يكن في اختيار حقيقي، حيث إنه كان ما بين اختيار أحمد شفيق وهو تابع لمبارك، وبين محمد مرسي الذي تربى في مدرسة كمال الشاذلي، لذلك فرض عليه الاختيار. ومن جانبه، قال أحمد بهاء الدين شعبان الأمين العام للحزب الاشتراكي المصري، إن الكتاب مهم ويناقش جانبا من مشكلات المجتمع المصري، والدور الذي تلعبه بعض أجهزة الإعلام في تزييف الوعي المصري والتشويش على رؤية قطاعات كبيرة بالمجتمع، وأوافق الكاتب حلمي النمنم فيما ذكره بشأن الشعب المصري من أنه ليس خانعا، والأسطورة التي حاولوا أن يروجوها عنه من أنه شعب تفرّقه عصا وتجمعه "زمّارة" غير صحيحة، والدليل أن ثورات الشعب المصري في مواجهة الاستبداد لم تتوقف على مدى ال 200 سنة الأخيرة. وأضاف بهاء الدين شعبان أن بعض أجهزة الإعلام روجت - لأسباب خبيثة - أن ثورة الشعب المصري بدأت في 25 يناير، وهذا غير صحيح، فهي مسيرة طويلة وحدثت نتيجة تراكم تاريخي، وهذا الموضوع من المهم توضيحه لأنني أشم رائحة غير مريحة لتسميم الشباب المصري بأنه من يستحق الحديث عن الشعب المصري وأننا "العواجيز" أجيال مهادنة، وتابع: "أستطيع أن أقرر - من موقعي هذا - أننا كنا معارضين منذ كنا طلاباً، وهذا ليس ادعاء بطولة ولكن الوقائع موجودة والإنترنت موجود". واستطرد أمين الحزب الاشتراكي المصري قائلا: "أحد الأشخاص المرموقين الذي وضعوا دستور 2014 وهو أحد رموز النظام السابق، أكبر دليل على أن هناك من يستطيعون التلون مثل الحرباء بما يتناسب مع كل مرحلة"، وأكد شعبان أن خطورة الكتاب تأتي من أنه يفضح الآكلين على كل الموائد، والذين أتقنوا فن خداع الشعب، وطالما وجدت هذه النوعية تظل المشكلة في مصر، حيث إن هذه المجموعة تنافق الحاكم لأغراض خاصة، وأشار شعبان إلى أنه سيكون هناك ظلم بيّن للحاكم الذي سيأتي نتيجة حجم التوقعات التي ينشرها هؤلاء الناس، حيث ستضر به في المستقبل لأن الشعب سينتخب رئيسه المقبل لكي يحقق له الرفاهية والعدل والرخاء من اليوم الثاني للانتخاب، وهذا يظلم الرئيس القادم ظلماً كبيراً، ولذلك عليه أن يبعد هذه العصابة لأنها تحمله أعباء فوق طاقة البشر لا يمكن أن ينجزها في ظل دولة مثل مصر بها مشكلات كبيرة اقتصاديا وسياسيا، وعلى من يصل إلى حكم مصر أن يصارح الشعب المصري بوضعنا وكيف سنخرج منه، كما أوضح أن الظروف الأخيرة تقول إنه من الصعب أن يصل إلى مجلس الشعب من نريد، بل سيصل من لديه الأموال، وهناك أموال جاءت من الخارج لتساعد على التشويش، ولكنني أتصور أن المصريين سوف يصلون إلى اللحظة التي يرتفع فيها وعيهم ولا يتم استغلالهم بهذا الشكل. وعقبت الدكتورة عزة عزت - مؤلفة الكتاب - على المناقشين قائلة: "مسح الجوخ فرض عند المصريين"، فرد عليها "النمنم": "المصريون ليسوا آفة المنافقين فهذا كلام المستشرقين"، فعلقت وقالت: "لن أعتبر كلام النمنم هجوما، ولكن كتابي يأتي مما كتبه الإعلاميون واخترت الأهرام كعينة لي في رصد ما كتبه كتابه نظرا لأن الأهرام جريدة مهمة في مصر، وأنه رقم عشرة على مستوى العالم في التوزيع"، فاعترض النمنم وقال: "الأخبار يوزع أكثر من الأهرام، وهات لي ما يثبت أن الأهرام الأعلى توزيعا"، وتابع النمنم: "حضرتك نازلة شتيمة في المصريين، إحنا اكتر شعب قتل حكامه، طيب نعمل إيه أكتر من كده؟!". وعقبت مؤلفة الكتاب قائلة: "أنا سمّيت منافقي مبارك دون أيّة مواربة، وركزت على حدث يناير لأنه حدث مهم في تغيير الصورة"، وحاول الباقوري التدخل للتهدئة ولكنه فشل. وقال بهاء الدين شعبان: "لا يعيب الشعب المصري أن يظل ساكنا لفترة، والشعب المصري ليس بدعة فكل شعوب العالم يمكن أن تخدع، ولكن الشعب المصري قادر على معرفة الحاكم، ولذلك ما زال جمال عبد الناصر يحيا في قلوب المصريين"، معربا عن أمنيته في أن يتم اختيار الرئيس المقبل بعقولنا لا بقلوبنا.