في أقل من 3 أشهر، تعرّضت حركة النهضة، (الذراع السياسية للإخوان في تونس)، إلى ثلاث عمليات طرد من مناسبات عامة، آخرها طرد علي العُرَيّض، وعبدالحميد الجلاصي (القياديين بالحركة) من قبل كلية الآداب والفنون والإنسانيات، بمنوبة، بعد أن رفض طلاب الكلية مشاركتهما في ندوة «الإسلام السياسي في تونس بين المرجعية الإخوانية والخصوصية التونسية»، والتي كان مقررًا عقدها الجمعة الماضي، في قاعة المؤتمرات الكلية. وبرر الطلاب تصرفهم باعتراضهم على سياسات حركة النهضة، بما اعتبروه تسييسًا للجامعة والمؤسسات العلمية، فيما أصدر ممثلو النقابات الأساسية للأساتذة والموظفين والاتحاد العام لطلاب تونس بجامعة منوبة، بيانًا، شرحوا فيه أسباب رفضهم لحضور ممثلين عن حركة النهضة. أخونة الجامعة التونسية واعتبر الموقعون أن دعوة ممثلين عن «النهضة» في ندوة علمية بالكلية ما هي إلا توظيف سياسي للمؤسسات العلمية، محملين المسئولية للمجلس العلمي، باعتباره الجهة المسؤولة عن الندوات العلمية بالجامعة ومحتواها وهوية المشاركين بها. وتعامل الموقعون على أن دعوة قيادات النهضة إلى حرم كلية الآداب والفنون والإنسانيات، ما هي إلا تعمد لاستهداف الكلية وطلابها، ومحاولة لأخونة الجامعة التونسية، بعدما تمكنت الجماعة من أخونة المنابر على وجه الخصوص. طرد الغنوشى المغرور وتأتي هذه الواقعة بعد شهر واحد من طرد زعيم حركة النهضة، راشد الغنوشي، في مارس الماضي، من مدينة جربة، جنوبي البلاد. وتظاهر وقتها أهالي المدينة ضد مؤتمر شعبي كان «لغنوشي» يستعد لعقده هناك، رافعين ضده لافتات ترفض استقباله. وكان الغنوشي قد استبق هذا المؤتمر بتصريحات رآها أهالي المدينة مستفزة ومغرورة؛ إذ نفى للإعلام أن يكون مؤتمره بالجربة هدفه الدعاية الانتخابية، مبررًا بأن النهضة، والإسلام السياسي بشكل عام، يتمتعان بشعبية كبيرة في جنوب البلاد، وهو ما لا يتطلب منه إقامة أي دعاية انتخابية، وعليه خرج الأهالي في مظاهرات رافضة للنهضة؛ لتنفي ما قاله الغنوشي من شعبية زائفة تتمتع بها حركته هناك. منتصف فبراير الماضي كانت واقعة الطرد الأولى، وكانت من نصيب الغنوشي أيضًا؛ إذ خرج أهالي مدينة المكنين، في تظاهرات، وصفته ب«السفاح» وطالبت برحيله في مقابل عودة دولة بورقيبة، في إشارة إلى رفض الفكر الإخواني. شعبية زائفة ويرى مراقبون أن هذه الوقائع انعكاس لتراجع شعبية الحركة الإخوانية في تونس، مبررين ذلك بسلسلة حقائق تكشّفت عن النهضة في الفترة الأخيرة، وأسهمت في إظهار حقيقة الحركة أمام المواطن التونسي. آخر هذه الحقائق كان تقرير محكمة المحاسبات (أعلى سلطة رقابية في تونس)، الصادر مؤخرًا، بخصوص فساد في السجلات المالية ل«النهضة». وخلص التقرير الذي تركز على الفترة من 2016: 2018، إلى أن النهضة متورطة في تلاعب مالي؛ إذ حصلت على أموال في صيغة تبرعات بمقدار 12 مليون دينار، ما يقارب 5 ملايين دولار، تُنسب لأشخاص متوفين. ولفتت المحكمة إلى أن الحركة استفادت من هذه الأموال في استحقاقات انتخابية شهدتها تونس خلال الأعوام الأخيرة، وتمكنت من خلالها في تطويع النتائج لصالحها، محددةً عدد حالات التبرعات المشبوهة في 68 حالة. هذه الواقعة ليست الأولى من نوعها فيما يخص الذمة المالية ل«لنهضة»؛ إذ نشرت صحف تونسية أخبارًا مطلع العام الحالي، تفيد بتعاقد الحركة مع شركة دعاية وتسويق بريطانية بمبلغ 60 مليارًا من المليمات، مقابل تنظيم الحملة الانتخابية لها. وأحرجت هذه الأخبار حركة النهضة، التي حددت ميزانيتها للعام الجديد في بضعة مليارات؛ ما كشف كذب الحركة في الإفصاح عن حجم ميزانيتها ومصادر تمويلها، ودفعها وقتها لنفي ما تداول بخصوص الشركة البريطانية. اتهامات ومراوغات.. «النهضة» مُحاصرة بخلاف روايات الفساد، فتجد حركة «النهضة» نفسها محاصرة باتهامات وملفات، جميعها ينتهي الأمر بها إلى التأثير على الشعبية، في فترة يقر مراقبون بحساسياتها، لقرب موعد الانتخابات التشريعية والرئاسية المقرر لها في أكتوبر ونوفمبر القادمين. ويعد ملف الجهاز السري لحركة «النهضة» واغتيال السياسيين اليساريين، شكري بلعيد، ومحمد البراهمي، على رأس هذه الملفات؛ إذ تبذل الحركة مجهودات كبيرة منذ منتصف العام الماضي، لتكذيب الأنباء المترددة حول وجود هذا الجهاز، ودوره في اغتيال المعارضين للحركة. إلى جانب ذلك، تعاني النهضة من معارضة سياسية تتهم الحركة بالفشل، في الوفاء بوعدها منذ فازت في انتخابات 2014، وهو الخطاب الذي يراهن الساسة التونسيون على تأثيره على فرص الحركة في الاستحقاقات الانتخابية التي تنتظرها تونس. ويدعم المتخصص في شئون الحركات الإسلامية، هشام النجار، القول بتراجع شعبية النهضة، على خلفية الاتهامات والملفات كافة التي تواجهها الحركة، واعتبر في تصريحات خاصة ل«المرجع» أن الحركة والإسلام السياسي بشكل عام أمام اختبار حقيقي في الانتخابات القادمة، مشيرًا إلى أن الإخوان يستميتون في الدفاع عن نفوذ النهضة قبيل الانتخابات القادمة؛ حتى لا يلاحقهم فشل جديد. واستبعد أن تنجح حركة النهضة في محاولاتها، مشيرًا إلى أن موقف الحركة صعب، خاصة أن الممارسة العملية أثبتت أن الحركة لا تمتلك مشروعًا نهضاويًّا يمكنه انتشال التونسيين من أزماتهم.