تلقى الشاعر العباسى الأكثر شهرة فى الظرف والملاحة والغزل أبو نواس تعاليمه الأولى على يد الشاعر الماجن والبة بن الحباب، ثم لحق بخلف الأحمر راوية الشعر، فحفظ عنه الكثير من الروايات، ونقل عنه ابن المعتز فى كتابه «طبقات الشعراء»: «ومما ذكر من خصال أبى نواس المحمودة، ما حدثنى به أحمد بن أبى عامر، قال: حدثنى سلمان شحطة. قال: كان أبو نواس عالمًا فقيهًا، عارفًا بالأحكام والفتيا، بصيرًا بالاختلاف، صاحب حفظ. ونظر ومعرفة بطرق الحديث، يعرف ناسخ القرآن ومنسوخه، ومحكمه ومتشابهه، وقد تأدب بالبصرة، وهى يومئذ أكثر بلاد الله علمًا وفقهًا وأدبًا، وكان أحفظ لأشعار القدماء والمخضرمين وأوائل الإسلاميين والمحدثين». حفظ أبو نواس الكثير من الشعر وعدد ضخم من الأرجوزات، ثم تفرغ بعد إحكام هذه الفنون للنوادر والمجون والمُلح، فحفظ منها شيئًا كثيرًا حتى صار أغزر الناس، ثم أخذ فى قول الشعر، فبرز على أقرانه، وبرع على أهل زمانه، واتصل بالوزراء والأشراف، فجالسهم وعاشرهم، فتعلم منهم فصار مثلًا فى الناس، وأحبه الخاصة والعامة. ووقعت بينه وبين أبان اللاحقى شاعر وكاتب البرامكة قصة تبرز مدى ترصد أبى نواس لهؤلاء الذين يتعمدون الإساءة له، حيث أعطى جعفر البرمكى وزير الرشيد مالا لأبان يفرقه على الشعراء، فأعطى لأبى نواس دراهم ناقصة، قائلا إنه قد أعطى كل شاعر على قدره وهذا مقدارك. فغضب منه أبو نواس، وعندما سمع قصيدته الحائية التى يمدح فيها نفسه عند البرامكة، قرر أبو نواس أن يهجوه ويغيظه، فقال قصيدته التى منها: «فيك ما يحمل الملوك على الخُر / ق ويُزرى بالسيد الجحجاح/ فيك تيه وفيك عُجبٌ شديد / وطماحٌ يفوق كل طماح». بلغت قصيدة أبى نواس اللاحقى فسقط فى يده، وانزعج منها، وندم على ما كان منه تجاه الشاعر الكبير، وأرسل إليه يطلب منه ألا يذيع تلك القصيدة ويجعلها تموت بين الناس، قائلا: لا تذعها ولك حكمك. فبعث إليه يقول: لو أعطيتنى الدنيا ما كان بد من إذاعتها، فاصبر على حرارة كيها، واعرف قدرك. فلما سمع جعفر شعر أبى نواس فى اللاحقى، قال: والله لقد قرفه بخمس خلال لا تقبله السفلة على واحدة منها، فكيف تقبله الملوك؟ فقيل له: يا أمير إنه كذب عليه. فتمثل يقول: «قد قيل ذلك إن حقًا وإن كذبًا... فما اعتذارك من شيء إذا قيلا».