إنه «الحسن بن هانى» الشهير بأبى نواس.. الذى عاش حياته «كما شاء» أو بالطول والعرض، كما يقول المثل الشعبى ولد عام 141 هجرية لأب يمنى وأم فارسية فى مدينة الأهواز بالعراق فى فترة صعود نجم الدولة العباسية، تنقل كثيرا بين المدن العراقية البصرة، والكوفة، وبغداد، ثم مصر وبعض البلاد العربية الأخرى، تتلمذ على أشهر شعراء عصره ومنهم والبه بن الحباب الذى عوده على شرب الخمر وخلط الفنون بالمجون، ثم الشاعر «خلف الأحمر» الذى علمه أصول الشعر وكيفية إجادته وأجبره على حفظ «ألف مأثور للعرب، ما بين أرجوزة وقصيدة ومقطوعة، ولم يسمح له بقول الشعر إلا بعد أن ينسى ما حفظه من قبل! لقد مات أبوه وهو صغيرا وتولت أمه رعايته وأرسلته إلى بعض مجالس الدرس والعلوم الدينية والأدبية فى الدواوين والمساجد،ولكنها كانت امرأة لاهية لاعوب فانصرف عنها وعمل فى العطارة بمدينة البصرة، ثم انتقل إلى الكوفة والتقى بأستاذه الأول بن الحباب وبعض الشعراءالآخرين مثل حماد بن عجرد ومطبع ابن أياس ويحيى بن زياد والذين تعلم منهم كيفية نظم الشعر، وضبط القوافى.. وكان أول ما أنشده من غزل: حامل الهوى تعب يستخفه الطرب إن بكى يحق له ليس ما به لعب ولكن أشعاره نضجت وتنوعت بعد أن التحق بأستاذه الثانى خلف الأحمر الذى طلب منه أن يسمعه كيف يرثيه بعد موته.. فقال أبو نواس: أودى جماع العلم إذا أودى خلف من يعد العلم إلا ما عرف فكما نشاء منه نغترف رواية لا تجتنى من الصحف عقب الأحمر بقوله: يا بنى إن شعرك فوق سنك، ولئن عشت لتكونن رئيسا فى الشعر! ولكن مشكلة أبو نواس أنه كان هوائيا متقلبا وكان يكره التعصب العربى، خاصة أنه أمه فارسية، وقد صعد نجم الموالى من الفرس فى عهد الخلفاء العباسيين ومن ثم كان يقارن بين العرب والفرس.. ومما قاله: تراث أنو شروان كسرى، ولم تكن مواريث ما أبقت تميم ولا بكر بل كثيرا ما كان يهزأ بالشعراء العرب القدامى الذين كانوا يبدأون قصائدهم بالبكاء على الأطلال: دع الرسم الذى دثرا يقاسى الريح والمطر ألم تر ما بنى كسرى وسابور لمن غبرا أو يقول فى مقطوعة أخرى: عاج الشقى على رسم يسائله وعجت أسأل عن خماره البلد يبكى طلل الماضيين من أسد لاد درك! قل لى من بنو أسد! ومن تميم؟ ومن قيس ولفهما؟ ليس الأعاريب عند الله من أحد ولم يكتف أبو نواس بمهاجمة العرب وأعرافهم وتقاليدهم بل ساير ما انتشر فى عصره من الخوارج والشكاكين والدهريين والنصرانية والزنادقة.. والذين تصدوا لهم المتكملون والمعتزلة، وقد دخل أبو نواس تلك المعارك من الجدل الفكرى.. ومما قاله فى ذلك: يا ناظر الدين ما الأمر لا قدر صح ولا جبر ما صح عندى جميع الذى يذكر إلا الموت والقبر بل أحيانا كثيرة كان يفرط فى الشراب ويزداد مجونه ويدفعه ذلك إلى الاستهتار وإنكار الثوابت من الدين: وملحة باللوم تحسب أننى بالجهل أو ثر صحبة الشطار بكرت على تلومنى فأجبتها «إنى لأعرف مذهب الأبرار» فدعى الملام فقد اطعت غوايتى وصرفت معرفتى إلى الإنكار أحرى وأحزم من تنظر أجل علمى به رجم من الأخبار ما جاءنا أحد يخبر أنه فى جنة من مات أو فى نار! وقد تصادف أن رأى أبو نواس جارية حسناء.. فوق القصيرة والطويلة فوقها، دون السمين ودونها المهزول.. فوقع فى حبها ولكنه كان حبا من طرف واحد.. فانتهى بالفشل ولكنه ترك فى حلقه غصة وفى قلبه حسرة، ولكن أطرف ما يحكى فى هذا المجال أنه علم أن الجارية «جنان» سوف تذهب للحج مع مولاها قفبعها حتى وهى تطوف بالكعبة. وزاحمها وهى تلثم الحجر الأسود وألصق خده بخدها، ولم يراع حرمة المكان وجلال الموقف: وعاشقين التف خداهما عند التثام الحجر الأسود فاشتفيا من غير أن يأثما كأنما كان على موعد لولا دفاع الناس إياهما لما استفاقا آخر المسند ظلنا كلانا سائر وجهة - مما يلى جانبه - باليد نفعل فى المسجد مالم يكن يفعله الأبرار فى المسجد وكان أبو نواس هجاءا شتاما.. تقرب من الخلفاء والأمراء واتصل بالبرامكة فى عهد هارون الرشيد فمدح من أعطاه وهجا من منعه: وممن أحسنوا إليه منهم.. يحيى بن خالد البرامكى الوزير الأول لهارون الرشيد،وقد قال فيه: سألت الندى: «هل أنت حر»؟ فقال: لا ولكننى عبد ليحيى بن خالد فقلت «شراء» قال «لا»، بل وراثة توارثنى عن والد بعد والد هذا بينما هاجم ابنه جعفر ابن يحيى وزير البلاط والذى كان مقربا للخليفة، فحاول تقبيح صورته وتعجب من إيثار هارون له.. فوصفه بأنه شكل الذئب وقفاه طويل: عجبت لهارون الإمام وما الذى يود ويرجو فيك ياخلقه السلق قفا خلف وجه قد أطيل كأنه قفا مالك يقضى الهموم على ثبق