فى العصر العباسى الاول الذى بلغت فيه الحضارة الاسلامية قمة اتساعها المادى ورقيها الفكرى والفنى نشأ وعاش علي الحسن بن هانئ المعروف ب"أبونواس" الذى أخرج القصيدة العربية من جاهليته وأدخلها الى الحانات حتى إن قصائده فى الخمر" الخمريات" هى من وضعت اسم أبو نواس فى قائمة شعراء العربية العظام. ففى هذا العصر نشطت حركة تأصيل علوم اللغة العربية والعلوم الاسلامية التى ما زلنا نعيش عليها حتى الآن فنحن نعيش على فقه ألف عام مضت نعيش فى رحاب فقه أئمة الاسلام العظام الذين ظهروا فى هذا العصر كالإمام أبو حنيفة والإمام مالك وغيرهم وكذلك علماء اللغة العظام ك" عبدالقاهر الجرجانى وابن قتيبة وغيرهم. ونشطت أيضا حركة الترجمة من علوم الحضارات الاخرى فى مختلف فروع المعرفة الانسانية... وسط هذا كله كان أبونواس يصوغ خمرياته التى يقول فيها: عاج الشقيَ على طلل يسائله وعجت أسأل عن خمّارة البلد يبكي على طلل الماضي من أسد لا درّ دّك قل لي من بنو أسد ؟ ومن تميم ومن قيس ولفهما ؟ ليس الاعاريب عند الله من أحد لا جفّ دمع الذي يبكي على حجر ولا صفا قلب من يصبو إلى وتد دع ذا ، عدمتك واشربها معتّقة صفراء تفرق بين الروح والجسد أبونواس يرفض فى أبياته التقليد والجمود الذى نحيا فيه الآن يرفض هيكل القصيدة العربية القديمة التى يقف فيها الشاعر يبكى على الاطلال، ويدعونا الى التعبير عن عصرنا وعن أنفسنا وعما يشغلنا فقد كان شاغله الاول هو الخمر لا الأطلال البالية لمن رحلوا لذا يقول: دَعْ عَنْكَ لَوْمي فإنّ اللّوْمَ إغْرَاءُ ودَاوني بالّتي كانَتْ هيَ الدّاءُ صَفراءُ لا تَنْزلُ الأحزانُ سَاحَتها لَوْ مَسّها حَجَرٌ مَسّتْهُ سَرّاءُ جاء إلى بغداد فى خلافة هارون الرشيد الذى كان يقول للسحب اذهبى حيث تشائين فسيأتنى خراجك" ولكن قمة مجد أبونواس كانت فى بلاط الخليفة الامين ابن هارون الرشيد حيث أصبح صديقه وشاعره الاول. أى أن شاعر "الخمريات" كان صديقا لخليفة المسلمين فى عصر الاسلام الذهبى وضع تحت "خليفة المسلمين" ألف خط أحمر. وبسبب استغلال السياسيين للدين يضطر الخليفة "الامين" لسجن أبونواس فعندما دخل الامين فى صراع على الخلافة مع أخيه المأمون استغل أنصار المأمون خمريات أبونواس فى الصراع على "كرسى الحكم" مما اضطر الخليفة الى سجنه فكتب النواسى يقول للخليفة: من ذا يكون ابا نواسك إذ حبست أبا نواس فيا ترى ماذا سيحدث لأبونواس لو كان حاضرا الآن فى عصر أبواسماعيل الذى يسعى وأنصاره لإقامة الخلافة ولكن وفق رؤيتهم وأفكارهم؟!