الرباعية الأدبية هى وحدة فنية تتألف من أربعة أجزاء فى الأجناس المختلفة، وقد بدأت مع المسرح فى القرن الخامس قبل الميلاد حيث كان الشاعر الإغريقى يتقدم لمسابقة المأساة برباعية tetralogy تضم ثلاث مسرحيات تراجيدية مرتبطة بموضوع واحد. ومسرحية «ساتورية» وهى مسرحية تختلط فيها التراجيديا بالكوميديا، وتتحدث عن إحدى المسوخ الأسطورية المرتبطة بالآلهة، ولم يصلنا منها سوى مسرحية «كيكلوبس» ل «يوربيديس»، وهى تتحدث عن كائن خرافى وحيد العين. وقد امتدت الرباعية فى المسرح الحديث حيث يشار بها إلى المسرحيات الأربع التى تتناول موضوعا واحدا أو فكرة واحدة متطورة من مسرحية إلى أخرى، على أن تكون كل مسرحية قائمة بذاتها، مثل المسرحيات التاريخية الشكسبيرية التى تبدأ من ريتشارد الثانى وتنتهى بهنرى الخامس. كما عرفت الرواية النثرية أيضا الرباعية، ومن أشهر الرباعيات رواية الكاتب الإنجليزى الشهير لورانس داريل «رباعية الإسكندرية»، والتى تتكون من أربعة أجزاء تحمل عناوين «جوستين بلتازار ماونت أوليف كليا» حيث تتواصل الروايات الأربع فى الزمان والمكان والأحداث. أما فى الشعر الإنجليزى فالرباعية quatrain هى المقطع الشعرى المكون من أربعة أبيات تتفق فى قافية واحدة أو اثنتين، كما تتحد فى وزن واحد أو اثنين، وتتألف من مجموع الرباعيات قصائد البالاد ballad والترنيمات والتراتيل الدينية. وفى الشعر العربى الرباعية هى مقطع شعرى يتكون من أربعة شطرات، حيث تتحد القافية فى الشطرات الأولى والثانية والرابعة، أما الشطرة الثالثة فنادرا ما تبقى على نفس القافية مثل قول الشاعر: يا غصن نقا مكللا بالذهبِ أفديك من الردى بأمى وأبى إن كنت أسأت فى هواكم أدبى فالعصمة لا تكون إلا لنبى وفى الأغلب الأعم تنفرد الشطرة الثالثة بقافية مختلفة كما هو الحال فى مجموعة الرباعيات التى سنعرضها الآن وكلها للشاعر العباسى أبى نواس الذى برع فى هذا الفن، وقد جاءت رباعيات أبى نواس فى موضوعات شعرية متنوعة، فهو يقول فى الغزل مثلا: يا من حوى الحسن محضا واهتز كالغصن غضا لو أسخطتك حياتى قتلت نفسى لترضى نابذت من باصطبارى عنك يأمرنى لأن مثلك روحى عنه قد ضاقا ما يرجع الطرف عنها حين أبصرها حتى يعود إليها الطرف مشتاقا ويقول فى الهجاء : - بما أهجوك لا أدرى لسانى فيك لا يجرى إذا فكرت فى عرضك أشفقت على شعرى ويقول فى المديح : -يا ابن إبراهيم يا عبدالملك واثقا أقبلت بالله وبك أنت للمال إذا أمسكته وإذا أنفقته فالمال لك ويقول فى رثاء هارون الرشيد: الناس ما بين مسرورٍ ومحزون وذى سقام بكفَِّ الموتِ مرهونِ من ذا يُسر بدنياه وبهجتها بعد الخليفة ذى التوفيق هارونِ ويقول فى الزهد : ألم ترنى أبحت اللهو نفسى ودينى واعتكفت على المعاصى كأنى لا أعود إلا معادٍ ولا أخشى هنالك من قصاصِ أما معظم رباعياته فقد جاءت فى الخمريات بداية من تحديد العدد الأمثل للندماء، حيث يقول : ثلاثةٌ فى مجلسٍ طيِّبِ وصاحبُ الدعوةِ والضاربِ فإن تجاوزت إلى سادسٍ أتاك منهم شغبُ الشاغبِ مرورا بالنصح بمحاولة شرب أكبر قدر ممكن من الخمر، قبل أن يدرك الصباح الندماء ويتفرق الشمل : أدرها علينا قبل أن نتفرقا وهاتِ اسقنا منها سلافا مروقا فقد هم وجه الصبح أن يضحك الدجى وهم قميص الليل أن يتمزقا وعلى الرغم من النصيحة السابقة، فإنه ينصح الشارب بعدم التراجع والتوقف عن الشراب حتى بعد ظهور الصباح : تَرْكُ الصبوحِ علامةُ الإدبار فاجعل قرارك منزل الخمارِ لا تطلع الشمس المنيرة ضوأها إلا وأنت فضيحة فى الدارِ وقد وشى بعضهم بأبى نواس، فحبسه الخليفة الأمين. وقد رأى أبو نواس فى منامه الشاعر بشار، فقال له بماذا حبسك هذا الغلام؟ فأجاب بقولى : ألا فاسقنى خمرا وقل لى هى الخمرُ ولا تسقنى سرا إذا أمكن الجهرُ فقال بشار : أوَيحظر عليك شيئا وهو يجاهر به ؟هلا بدأ بنفسه؟ لعن الله من نقل إليهم الملك. فكتب أبو نواس رباعية كانت سببا فى إطلاق صراحه يقول فيها : أعاذل أعتبت الأمام وأعتبا وأعربت عما فى الضمير وأعربا وقلت لساقيها أجزها فلم تكن ليأبى أمير المؤمنين وأشربا وتلفتنا هذه المفارقة إلى أن العصر العباسى الذى هو أكثر عصور الدولة الإسلامية ازدهارا على المستوى السياسى والحضارى كان يجمع بين المتناقضات، حيث يقول عنه أحمد أمين: وتنصف إن أنت اعتقدت أن الحياة كانت ذات صنوف وألوان، وأن المدينة العباسية كانت ككل المدنيات : مسجد وحانة، وقارئ وزامر، ومتهجد يرتقب الفجر، ومصطبح فى الحدائق، وساهر فى تهجد، وساهر فى طرب، وتخمة من غنى، ومسكنة من إملاق، وشك فى دين، وإيمان فى يقين، كل هذا كان فى العصر العباسى، وكل هذا كان كثيرا.