«التنظيم والإدارة»: إتاحة الاستعلام عن القبول وامتحان وظائف الحرفيين والسائقين ب«الطرق والكباري»    البابا تواضروس: الأم تريزا ومجدي يعقوب شخصيات بنت جسور المحبة بالفعل وليس الكلام    جدول امتحانات نهاية العام لطلاب الشهادة الإعدادية بالقاهرة 2025    «مستقبل التربية واعداد المعلم» في مؤتمر بجامعة جنوب الوادي    «قومي المرأة» يشكر الرئيس السيسي على قانون العمل الجديد    نقيب المهندسين يشارك في مؤتمر اتحاد المنظمات الهندسية لدول البريكس    وزير الطيران يلتقي وفد شركة Space 42 لبحث التعاون المشترك    «صرف الإسكندرية»: زيادة طاقة محطة معالجة العامرية    ب1.7 مليون دولار.. مشروع مصري كويتي لإنتاج مواد التغليف بالسخنة    «النقل» تتعاقد مع «جرين فالي» لتشغيل 100 سيارة كهربائية بالقاهرة والجيزة    رئيس وزراء الهند يلغي جولته الأوروبية في ظل تصاعد التوتر مع باكستان    حماس تنعى المسؤول العسكري خالد الأحمد الذي قتل في غارة اسرائيلية فجر اليوم في صيدا جنوب لبنان    زعماء وقادة العالم يهنئون فريدريش ميرز بمناسبة انتخابه لألمانيا    انعقاد المجمع الفاتيكاني لانتخاب البابا الجديد اليوم    الزمالك يعلن فك الارتباط مع بيسيرو ودياً    منتخب شباب اليد يواجه البحرين في ثاني مبارياته بكأس العرب    «طالبوا ببيعه».. جماهير برشلونة تنتقد أداء نجم الفريق أمام إنتر في دوري أبطال أوروبا    موعد مباراة الأهلي والاتحاد في نهائي كأس مصر لكرة السلة    السجن المشدد لتاجر شابو في قنا    قرار هام من المحكمة بشأن المنتجة سارة خليفة وآخرين في قضية تصنيع المخدرات    القبض على سيدة دهست شخص تسببت في مصرعه بالشروق    بعد اعتماد مواعيدها.. وكيل تعليم الأقصر يناقش الاستعدادات لامتحانات نهاية العام    ضبط شخص صدم آخر ووفاته بطريق السويس    ضبط 49.2 ألف مخالفة مرورية متنوعة خلال 24 ساعة    ضبط مروري مكثف.. سحب 934 رخصة وضبط 507 دراجة نارية ورفع 46 مركبة مهملة    غداً.. صناع فيلم «نجوم الساحل» ضيوف منى الشاذلي    مهرجان القاهرة يفتح باب التقديم لمشاريع الملتقى السينمائي (تفاصيل)    شعر بلحظة هلع.. مخرج «لام شمسية» يكشف سبب تأخير عرض الحلقة الأخيرة    مهرجان نوادي المسرح يواصل عروض الدورة 32 على مسرح القناطر    وائل غنيم يعتذر لتركي آل الشيخ ويعلن توبته: «ظلمت نفسي وسأعيد الحقوق لأصحابها»    «عبدالغفار» يناقش مشروع موازنة قطاع الصحة للعام المالي 2026/2025    محافظ قنا يفتتح مبنى امتداد مركز الأورام الجديد للعلاج الإشعاعي    جامعة بنها: توقيع الكشف الطبي على 80 حالة بمدرسة المكفوفين    صندوق مكافحة وعلاج الإدمان يعلن عن وظائف شاغرة    فاينانشيال تايمز تطالب الغرب بكبح جماح نتنياهو وعدم الصمت تجاه غزة    أحمد سليمان: هناك محاولات ودية لحسم ملف زيزو.. وقد نراه يلعب خارج مصر    وزارة العمل: فرص عمل وتدريبات مهنية وتوعية بالحقوق فى المحافظات    وزير الإسكان: استمرار العمل بالتيسيرات المخصصة للمطورين العقاريين    حظك اليوم.. مواليد هذه الأبراج «شباب دائم» لا تظهر عليهم الشيخوخة هل أنت من بينهم؟    فتح باب التقديم لمشاريع "ملتقى القاهرة السينمائي".. تعرف على قائمة الشروط    كندة علوش: تكشف «رد فعلها في حال تعرضها لموقف خيانة في الواقع»    قانون الإيجار القديم أمام البرلمان.. الحكم الدستوري لا يحرر العلاقة بل ينظمها بعد عقود من الظلم    وزارة التنمية تبحث الإستفادة من المنتجات غير المصرفية بالتعاون مع الرقابة المالية    ملفات مهمة في اتحاد عمال مصر.. أبرزها الانتخابات العمالية المبكرة وتفعيل اللجان النقابية.. وتقديم الدعم للعمالة غير المنتظمة «بالقائمة»    مصر تتابع بقلق بالغ تطورات الأوضاع جنوب آسيا وتدعو الهند وباكستان للتهدئة    أسامة ربيع: توفير الإمكانيات لتجهيز مقرات «الرعاية الصحية» بمواقع قناة السويس    اليوم.. الرئيس السيسي يتوجه إلى اليونان في زيارة رسمية    ما حكم إخراج المزكى زكاته على مَن ينفق عليهم؟.. دار الإفتاء تجيب    الأزهر يصدر دليلًا إرشاديًا حول الأضحية.. 16 معلومة شرعية لا غنى عنها في عيد الأضحى    بيدري منتقدا الحكم بعد توديع الأبطال: ليست المرة الأولى!    استولى على 13 مليون جنيه.. حبس رجل أعمال 3 سنوات بتهمة الاحتيال على لاعب الأهلي "أفشة"    مصيرهم مش بإيديهم| موقف منتخب مصر للشباب من التأهل لربع نهائي أمم أفريقيا    عاجل- مصر وقطر تؤكدان استمرار جهود الوساطة في غزة لوقف المأساة الإنسانية    طريقة عمل الفطير المشلتت الفلاحي على أصوله    كندة علوش: اتعلمت مع عمرو يوسف أختار التوقيت والنبرة الصح وده منع خناقات كتير بينّا    «تحديد المصير».. مواجهات نارية للباحثين عن النجاة في دوري المحترفين    أمين الفتوي يحرم الزواج للرجل أو المرأة في بعض الحالات .. تعرف عليها    ارمِ.. اذبح.. احلق.. طف.. أفعال لا غنى عنها يوم النحر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



معارك فكرية .. كتابة التاريخ
نشر في المصري اليوم يوم 17 - 09 - 2009

هناك الكثير من الكتب التى وثقت للمعارك الأدبية والفكرية غير أن كتاب الباحث والكاتب أنور الجندى يظل الأهم، حيث جمع بين الطابع السردى لهذه المعارك مرفقة بنصوص مقالات المعارك وهو جهد بحثى خارق أوقف عليه الكاتب حياته وكانت معركة «كتابة التاريخ» واحدة من المعارك التى سجلها الجندى فى كتابه بعد أن أثار طه حسين جدلاً واسع النطاق عندما اعتمد على كتاب «الأغانى للأصفهانى» فى تصوير الحياة العقلية للقرن الثانى الهجرى مما أسبغ على هذا العصر، صورة من المجون،
وقد نظر طه حسين إلى هذا العصر ممثلاً فى أبى نواس ومن على شاكلته من شعراء عصره فحكم على العصر كله بأنه عصر شك ومجون وإسراف وترف وقال الدكتور طه: إن هذا العصر الذى انحلت فيه الدولة الأموية وقامت فيه الدولة العباسية قد كان عصر شك ومجون وقال إن هؤلاء الشعراء كانوا يمثلون عصرهم حقاً وكانوا أشد تمثيلاً وأصدق لطبيعته من الفقهاء والمحدِّثين وأصحاب الكلام، وأن هؤلاء العلماء على ارتفاع أقدارهم ورفعة منزلتهم، لم يأمنوا أن يكون من بينهم من شك كما شك الشعراء،
وقد لقيت نظرة طه حسين هذه هجوماً وسجالاً عنيفاً، وكان أبرز من قاموا بالهجوم ضد هذا الرأى رفيق العظم وإبراهيم المازنى وفى هجومه قال رفيق العظم لطه حسين: أنت قلت أيضاً إن الرشيد والمأمون ذهبا من الشك والاستمتاع باللذائذ فى ذلك العصر مذهب أبى نواس وأمثاله من شعراء المجون، وقد نسبت طائفة من الشعر والأخبار المنسوبة إليهم واستنتجتم منها ذلك الحكم الذى يعوزه الكثير من التمحيص، ونحن هنا لن ننشر السجال بين طه حسين وخصومه فى رأيه وإنما ننشر نصى رفيق العظم والمازنى فى هجومهما على آراء طه حسين.
طه حسين: اقرأوا جيداً
لايزال العالم الجليل وكثير من العلماء المعروفين فى الشرق يسبغون على التاريخ الإسلامى صفة من الجلال والتقديس الدينى تحول بين العقل وبين النظر إليه نظراً يعتمد على النقد والبحث العلمى الصحيح. فهم يؤمنون بمجد القدماء من العرب وجلال خطرهم وتقديس مكانتهم.
أنا أزعم أن القرن الثانى للهجرة كان عصر شك ومجون وأزعم أن كل شىء فى هذا العصر يؤيدنى فى هذا الرأى.
أنا أزعم وأعتقد أنى قادر على إثبات ما أزعم أن القرن الثانى للهجرة قد كان عصر لهو ولعب، وقد كان عصر شك ومجون. وأزعم أن كل شىء فى هذا العصر يؤيدنى فى هذا الرأى. وحسبى أن ألفت الأستاذ رفيق بك إلى أن هذا القرن قد بدأ بخلافة الوليد بن يزيد وختم بخلافة الأمين ابن الرشيد وأحب أن يقارن بين هذين الخليفتين ثم ألفت الأستاذ إلى بشار ومطيع وأبى النواس والرقاشى والعباس بن الأحنف ومسلم بن الوليد وغيرهم ولا أريد أن أذكر الفقهاء وأصحاب الكلام مخافة أن يغضب المتحرجون.
رفيق العظم: إنه تاريخ بعيون الانحلال
مما يلفت النظر ويستدعى التمحيص والحذر فى ذلك الحديث حكمكم أن أبا نواس ومن فى طبقته أو على شاكلته من الشعراء كانوا مثالاً صادقاً للعصر الذى عاشوا فيه.
وأن الرشيد والمأمون ذهبا من الشك والاستمتاع باللذائذ فى ذلك العصر مذهب أبى نواس وأضرابه من شعراء المجون. وقد سردتم طائفة من الشعر والأخبار المنسوبة إليهم واستنتجتم منها ذلك الحكم الذى يحتاج إلى تمحيص كثير. ولا نريد أن نذهب بعيداً فى مذاهب الشك التى ذهب إليها الأستاذ وإنما يكفى أن ننبهه بما نقول وهو العليم بما عاناه رواة الحديث ونقلة الأخبار النبوية فى تحميض تلك الأخبار وتنظيفها من شوائب الوضع المكذوب.
 نقرأ فى كتب التاريخ أخباراً نسبها شيع العباسيين إلى خلفاء بنى أمية وأخباراً نسبها شيع آل على إلى خلفاء بنى العباس هى أحط ما ينسب إلى خلفاء أو ملوك أو سمهم ماشئت، كانوا فى مثل مرتبتهم من العزة والمنعة وبسطة الجاه والملك، وكان من المحال أن يكونوا من انحطاط الأخلاق والسيرة فى المنزلة التى أنزلهم إليها الوضاعون ويدوم لهم طويلاً ذلك الملك العريض والشهرة الذائعة فى التاريخ.
الحقيقة التى ينبغى أن تقال إن التنازع السياسى بين الشيع الإسلامية أدخل من روايات بعض الأخبار بين شوائب فى التاريخ الإسلامى ليست منه فى شىء فإنما هى من وضع المتزلفين لبيوت الإمارة والملك أو المتشيعين لبعض المذاهب السياسية أو الدينية.
ولا أظننى مخطئاً إذا قلت إن ما نقل من هذا القبيل عن أبى نواس وأضرابه من شعراء ذلك العصر، ويسميه الدكتور طه حسين عصر الشك والمجون ويتخذه دليلاً على حكمه على أهل ذلك العصر إنما هو تلفيق قصصى يراد به أحد أمرين: إما تشويه سمعة بعض الخلفاء العباسيين كالرشيد والمأمون.
وإما سد اتهمات العامة إلى أمثال تلك القصص المخزية والروايات الملفقة. على أنه لو صح شىء منه لما كان لنا أن نتخذه دليلاً على شيوع الفحش والفجور والشك بين أهل ذلك العصر لأنه مجون لا يجوز أن يتعدى الماجن مهما تكال إلى النيل من سواه باسم المجون.
المازنى: العباسيون ليسوا منحلين
لقد لفتنى من الدكتور فى كتابه حديث الأربعاء وهو مما وضع «قصص تمثيلية» وهى ملخصة، أن له ولعاً بتعقيب الزناة والفساق والفجور. وقد ينكر القارئ أن أدخل القصص التمثيلية فى هذا الحساب. ويقول إنها ليست له، وها هو حديث الأربعاء: ماذا فيه؟ فيه كلام كثير عن العصر العباسى وللعصر العباسى وجوه شتى، وفى وسعك أن تكتب عنه من عدة وجهات. وأن نتناول فلسفته أو علمه أو شعره وجده أو هزله.
 ولكن الدكتور طه يدع كل جانب سوى الهزل والمجون ويروح يزعم أنه عصر مجون ودعارة وإباحة متغلغلة إلى كل فرع من فروع الحياة فلماذا بل قل لماذا لا يرى فى غير الماجنين والخليعين صورة منه.
 ولست أفترى عليه فإنه القائل فى الصفحة السابعة والعشرين من كتابه «ادرس هذا العصر درساً جيداً واقرأ بنوع خاص شعر الشعراء وما كان يجرى فى مجامعهم من حديث تدهشك ظاهرة غريبة هى ظاهرة الإباحة والإسراف فى حرية الفكر وكثرة الازدراء لكل قديم سواء أكان هذا القديم ديناً أم خلقاً أم سياسة أم أدباً فقد ظهرت الزندقة وانتشرت انتشاراً فاحشاً، وظهر ازدراء الأمة العربية نفسها وتفضيل الأمة الفارسة عليها.
وكانت مجالس الشعراء والكتاب والوزراء مظهراً لهذا كله. وليس يعنينا أن تكون النهضة السياسية الفارسية. وحرصها على الانتقام من العرب والاستئثار دونهم بالسلطان مصدر هذا التغيير وإنما الذى يعنينا أن هذا التغيير قد وجد وقوى حتى ظهر فى الشعر ظهوراً جعل إنكاره مستحيلاً.
ولم يكف الدكتور طه أن يعمد إلى طائفة معينة من شعراء العباسيين وأن يرسم من سيرتهم صورة يزعمها صورة العصر بل هو ينكر أن غير هؤلاء من العلماء أو الشعراء يمثل العصر العباسى وقال أن هؤلاء الشعراء كانوا يمثلون عصرهم حقاً وكانوا أشد تمثيلاً وأصدق لحياته تصويراً من الفقهاء والمحدثين وأصحاب الكلام وأن هؤلاء العلماء على ارتفاع أقدارهم العلمية ومنازلهم الاجتماعية والسياسية وعلى أن كثيراً منهم كان ورعاً مخلصاً طيب السيرة لم يأمنوا أن يكون من بينهم من شك كما شك الشعراء.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.