بعد أن انقلب هارون الرشيد على البرامكة.. وأنهى نفوذهم فى دولة الخلافة.. قتل منهم الكثير واستولى على قصورهم.. وعلق رؤوس بعضهم فى الميادين، واختار الفضل بن الربيع وزيرا أول له، حاول أبو نواس التودد للأخير إلا أن الفضل لم يكن فى كرم البرامكة ولا كثرة عطاياهم، فيسارع أبو نواس بتذكير «آل الربيع» بأن الأيام دول، وأنه لو حفظ الدهر حق البرامكة فسوف يحفظ حقهم: مارعى الدهر آل برمك لما أن رمى ملكهم بأمر فظيع إن دهرا لم يرع حقا ليحيى غير راع ذمام آل الربيع وعندما لاحظ أبو نواس بعد نكبة البرامكة أن هارون الرشيد أصبح صاحب الأمر والمطلق اليد فى خزائن الدولة والمتحكم الأول فى البلاد والعباد.. سارع بتحين الفرص لمدحه.. سواء فى انتصارات جيوش الخليفة فى آسيا الصغرى على جيوش الروم، أو عندما أخذ الرشيد البيعة بولاية العهد لأولاده الثلاثة: الأمين والمأمون والمؤتمن، كل واحد بعد الآخر.. وفى تلك يقول أبو نواس: تبارك من ساس الأمور بعلمه وفضل هارونا على الخلفاء نزال بخير ما انطوينا على التقى وما ساس دنيانا أبو الأمناء إلا أنه لم يتلق ما كان يتوقعه.. فعزم على الخروج إلى مصر، والتى كانت فى ذلك الوقت تنعم بوفرة الخيرات وكانت تعد أغنى ولايات الخلافة، وكان خراجها يمثل الركن الأكبر فى خزانة الدولة. وفى تلك الأثناء اختار الرشيد ولاة جددا غير الذين كانوا يعملون مع البرامكة، فاختار الحسين بن جميل على ولاية مصر، وفضّل تحصيل خراجها لأمير آخر هو أبو النصر الخصيب بن عبد الحميد والذى تنسب إليه «منية بنى خصيب» بمحافظة المنيا حاليا، وقد كان الخصيب من محبى شعر أبو نواس، فأرسل إليه يدعوه للزيارة وسارع أبو نواس بالاستجابة، فالظروف فى بغداد لم تكن فى صالحه، حتى أنه عاتب جاريته عندما حاولت أن تنهاه عن السفر إلى مصر: تقول التى من بيتها خف مركبى عزيز علينا أن نراك تسير أما دون مصر للغنى مطلب بلى.. إن أسباب الغنى لكثير فقلت لها- واستعجلتها بوادر جرت، فجرى فى جريهن عبير ذرينى- أكثر حاسديك- برحلة إلى بلد فيها (الخصيب) أمير والطريف أنه عندما حضر أبو نواس إلى مصر فى عهد أمير خراجها الخصيب، والذى مدحه بأكثر من قصيدة.. منها: أنت الخصيب وهذه مصر فتدفقا فكلاكما بحر لا تقعدا بى عن مدى أملى شيئا، فما لكما به عذر ويحق لى إذا صرت بينكما ألا يحمل بساحتى فقر النيل ينعش ماؤه مصرا ونداك ينعش أهله الغمر فبعد هذا المديح لمصر وأميرها.. نجده قد هجا المصريين واتهمهم بالبخل وسفك الدماء! دم المكارم بالفسطاط مسفوح والجود قد ضاع فيها وهو مطروح يا أهل مصر لقد غبتم بأجمعكم لما حوى قصب السيف المساميح أموالكم جمة، والبخل عارضها والنيل مع جوده فيه التماسيح وله قصيدة أخرى فى أهل مصر. يقول فيها: محضتكم يا أهل مصر نصيحتى ألا فخذوا من ناصح بنصيب فان يك باق إفك فرعون فيكم فإن عصا موسى بكف خصيب وبعد أن عاد إلى بغداد اضطر الخليفة هارون الرشيد أن يضعه فى السجن بعد أن زاد سكره ومجونه وانتشار أشعاره التى يتغزل فيها فى الغلمان: تمر فأ ستحييك أن أتكلما ويثنيك زهو الحسن عن أن تسلما بحسبك أن الجسم قد شفه الضنى وأن جفونى فيك قد ذرفت دما وعندما تولى الأمين الحكم بعد وفاة والده احتضن أبو نواس وجعله شاعر البلاط وأغدق عليه الكثير من الأموال، ولكنه اضطر أيضا لحبسه فى السجن بعد أن ساءت سمعته وجهره بشرب الخمر: ألا فاسقنى خمرا وقل لى هى الخمر ولا تسقنى سرا إذا أمكن الجهر بل إنه قال أيضا: يا أحمد المرتجى فى كل نائبه قم - سيدى - نعص جبار السموات وبعد الإفراج عنه، حاول أبو نواس الالتزام والتوبة، ولكنه لم يستطع وسرعان ما عاد إلى سابق عهده: أنا ابن الخمر، مالى عن عذاها - إلى وقت المنية - من فطام كما كان يردد أيضا: لا ئمى فى المدام - غير نصوح - لا تلمنى على شقيقة روحى والطريف أنه بعد أن أدرك الموت أبو نواس، وانتهى أصدقاؤه من دفنه عادوا إلى منزله يبحثون عما ترك.. فوجدوا تحت وسادته رقعة من القماش مكتوب فيها: يارب إن عظمت ذنوبى كثرة فلقد علمت بأن عفوك أعظم مالى إليك وسيلة إلا الرجا وجميل عفوك ثم إنى مسلم