ومن له أب فليغتنم وجوده.. ليُقبل أقدامه قبل الرحيل، فالأب هو الباب الأوسط للجنة.. بل هو الجنة لمن وعى. عدسة «على باب الله» التقطت صورة لولى أمر يقف أمام إحدى لجان الامتحانات.. صورة بألف معنى بل بمليون معنى، وقف الأب الصائم يناجى الله سبحانه وتعالى أن يشرح صدر ابنته فى الامتحان، فى رجاء لن يرده الله، لم نقطع عنه لحظة الاتصال الربانى ولم نود أن نشٌغله بأسئلة فذهنه كله منصرف مع ابنته، لو كان الاختبار له ما كانت حالته كذلك، همهات وصلت إلى آذاننا: «ربنا يكرمك يا بنتي.. يارب فرحها وفرحني.. يارب اجعل الصعب سهلا بين إيديها.. يارب قلبها واجعها من فراق أمها فاجبر بخاطرها وخاطرى وخاطر أخواتها.. يارب طول عمرى بحلم تبقى دكتورة.. حقق لى طلبى يارب». تلألأت دمعة على وجنة الرجل ذابت قبل أن تسقط على الأرض وكأن يد ملاك تدخلت فحضنتها فى كفها وصعدت بها إلى السماء، ثم عادت ببسمة كست وجهه وابنته تنطلق نحوه: «الحمد لله يا بابا.. الامتحان كان كويس وإن شاء الله هقفل.. مال وشك كده مخطوف هو إنت اللى بتمتحن»، احتضنها فبكيت أنا، فكم أنا مشتاق لحضن أبي، كم أنا مشتاق لأرى الضحكة فى عينيه، اقتفينا أثرهم حتى دلفوا إلى شارع جانبى وصعدوا إحدى العمارات.. فسألنا صاحب أحد المحلات: «مين الأستاذ اللى طلع ده؟» فأجاب: «الأستاذ عبدالله رجل محترم، ساكن هنا من زمان لكن ما تسمعلوش حس ولا هو ولا بناته التلاتة ما شاء الله عرايس زى الفل، وأمهم كانت ست أميرة، الطيبة كلها كانت فيها، جالها المرض اللى ما يتسماش وبعد ما كان وشها منور انطفى وربنا كرمها ومطولش عليها العيا وسلمت روحها لربها، ومن ساعتها والأستاذ عبدالله ما بيفارقش بناته لا وهم طالعين ولا نازلين، عايش لهم أب وأم، ومش محسسهم بأى اختلاف ربنا يديله الصحة ويبارك له فيهم». عرفنا من الرجل أن ابنة الأستاذ عبدالله الكبيرة فى ثانوية عامة والأصغر منها فى ثالثة إعدادى والصغيرة فى 5 ابتدائي. تركت الرجل ودون أن أدرى أخذت أردد كلمات نٍزار: «أبى خبرًا كان من جنةٍ ومعنى من الأرحب الأرحب.. وعينا أبي.. ملجأٌ للنجوم فهل يذكر الشرق عينى أبي؟ بذاكرة الصيف من والدى كرومٌ، وذاكرة الكوكب.. أبى يا أبي.. إن تاريخ طيبٍ وراءك يمشي، فلا تعتب.. على اسمك نمضي، فمن طيبٍ شهى المجاني، إلى أطيب حملتك فى صحو عيني.. حتى تهيأ للناس أنى أبي.. أشيلك حتى بنبرة صوتى فكيف ذهبت.. ولا زلت بي؟. سلام على قلوب كل الآباء.. اللهم بارك للأستاذ عبدالله فى بناته وقر عينه بهن واجعل ابنته الكبيرة طبيبة يُشار إليها بالبنان.