من الصعب على أي مواطن مصري أن ينتقد كل الأوضاع، ولكن ماذا عن الذي يسمع كل الانتقاد مثل سائق الميكروباص. سائق "الميكروباص" دائمًا ما يجعل من ذاته أداة تواصل مع البشر، تعمل على توصيل الرسالة، ولعل كلمات السائقين المكتوبة على زجاج السيارات من الخارج مثل: "للصبر حدود، يا مهوّن، الفرج قريب"، علامة على كل ذلك وغيره. مشكلات "السائقين" في مصر لها الدور الأكبر في التاريخ، مصر دومًا في زحام مستمر، وأيضًا مشكلاتهم مع قوات الأمن، وأيضًا الارتفاع الدائم في أسعار الوقود وأزماته، أو عدم تواجده في بعض الأحيان، وهناك أيضًا الطرق نفسها التي تحتاج إلى معالجة. بدأت القصة حينما قررنا أن نعيش في "حواديت" سائقي الميكروباص - وسيلة التنقل الأقرب إلى قلب كل المصريين نظرًا لقلة الحيلة - وكانت البداية مع أشهر موقف في مصر "عبد المنعم رياض"، ومع "حسن" سائق ميكروباص خط "التحرير – مدينة نصر"، قال حسن: "احنا مش جهلة زي ما الناس فاكرنا، بالعكس احنا مثقفين وفاهمين.. أنا عن نفسي كنت في كلية حقوق، بس هشتغل محامي عشان أقبض مرتب شهري 500 جنيه؟!، وأفتح بيت بيهم إزاي؟!" ويستكمل قائلًا: "ممكن تشوف كل يوم مشكلة في الميكروباص بسبب السيسي والا مُرسي، بس في الغالب السيسي يكسب، وده بسبب حبّ الناس ليه مش عشان أي حاجة تانية، البلد دي محتاجة راجل زي عبد الناصر بالظبط مش أكتر". وحول تغيير سير الخط الذي يأتي من شارع الأوتوستراد - رابعة العدوية، قال حسن: "ده وقف حال.. أيامها كان قرف، الزبون كان عاوز ينزل رابعة واحنا مش عارفين ننزله، وكنا بنضطر نمشي في شوارع جانبية وزحمة بسبب الإخوان وكل ده عشان شخص واحد، مُرسي، الناس كانت بتخاف تروح مدينة نصر بسبب الإخوان، ويوم فض الاعتصام برضه، شوفنا أيام صعبة بسببهم وكفاية خراب للبلد بقى". أما "محمود"، سائق يعمل على خط "التحرير - إمبابة"، فيقول: "الناس دايمًا شايفة السواق أو صاحب الميكروباص حرامي، والله يوميًا بندفع كارته وبندفع برضه لأمناء الشرطة، وكل ده عشان الرخص أو المخالفات، فطبيعي إن الأجرة تبقى أغلى من المكتوب في السرفيس، يعنى مثلاً الأجرة ممكن تبقى بجنيه وتلاقيها بجنيه ونص، عشان السواق يقدر يعوض كل ده"، ويؤكد محمود عشقة الخاص للمهنة لأنه يعشق سماع "الحكايات" قائلًا: "كل زبون وله حدوتة". عم حسن "كلابشة"، سائق يعمل على خط "المطرية - عباسية"، يقول: "أنا شغال على الخط من يوم ما بدأ، الخط شغال على طلبة جامعة عين شمس وبرضه على السوق يوم الخميس، المشكلة إن الطرق في مصر صعبة قوي، يعني مفيش بلد محترم تلاقي فيه تكسير في الشوارع أو عربية كارو ماشية جنب النقل التقيل، الطرق في مصر لازم يكون ليها حل"، وعن الازدحام اقترح "كلابشة" حلاًّ، قائلًا: "لازم الأحياء تتفرع للصحراء، يعني مش لازم العمارة تكون 15 دور، لأن ده بيكون سبب في زحمة جامدة، لو كل العماير 3 أدوار زي 6 أكتوبر أو المدن الجديدة هنلاقي الجو رايق ومفيش زحمة، وبالعكس برضه هتلاقي جو نضيف تعيش فيه". محمد عبد الله، عامل بالفجالة "راكب" في أحد ميكروباصات "رمسيس – مكرم عبيد"، يقول: "المشكلة أن السواق بيزود الأجرة بمزاج سعادته، يعني من شهر كانت 2 جنيه، وفجأة بقت 3 جنيه، وهيّ أصلًا جنيه ونص بس، ولما تسأل عن السبب يقولك الطريق زحمة أو البنزين غالي أو الباشا بياخد مننا الرخصة، مع إن الخط ده مالوش سيرفيس، وهما اللي عملوا الموقف كده عافية، بس الناس مضطرة تركب الميكروباص هيروحوا إزاي".
مجمل الكلام بحسب عدد كبير من الركاب، سائق الميكروباص أفضل كثيراً من أيّ دكتور نفسي، "على الأقل يسمع تنفيس الركاب دون أن يرد أو يعترض، بل أحيانا يشارك في الحوار ويهدّئ من روع البعض وصخبهم".