تكنولوجيا وتعليم حلوان تنظم ملتقى التوظيف المفتوح للطلاب والخريجين    القنصل تجري جولة تفقدية بمدارس الشرابية استعدادًا لامتحانات شهر نوفمبر    محافظ الجيزة: إجراء تفتيش عمالي على المنشآت وتوفير 24 ألف فرصة عمل    مصر والجزائر توقعان مذكرات تفاهم لتعزيز التعاون الثنائي بين البلدين    محافظ المنوفية يتفقد الموقف التنفيذي لأعمال تطوير ورفع كفاءة كوبري الميتين    وزير الخارجية يبحث مع الرئيس اللبناني تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين    دوري أبطال أفريقيا| كواليس سفر بعثة بيراميدز إلى زامبيا.. صور    يلا كورة لايف.. مشاهدة مباراة النصر ضد استقلال دوشنبه مباشر دون تقطيع | دوري أبطال آسيا 2025    «الرعاية الصحية» توقيع 4 بروتوكولات لتعزيز تطوير منظومة التأمين الشامل بالملتقى السنوي السادس    طب الأسنان تنظم قافلة للكشف والعلاج لطلاب كليات القطاع الصحي بالقاهرة الأهلية    مصر تستضيف المؤتمر السنوي لمنظم الرحلات الألماني Anex Tour    وزارة «الاستثمار» تناقش موازنة برنامج رد أعباء الصادرات بقيمة 45 مليار جنيه    جوارديولا يوضح سبب البدء ب مرموش أمام ليفركوزن وإبقاء هالاند على مقاعد البدلاء    الحصر العددى لقائمة دائرة أول الزقازيق بمجلس النواب 2025    ضبط طالب بالمنوفية لتعديه على سيدة بالضرب بسبب خلافات الجيرة    إلهام شاهين: عشت أجمل لحظات حياتي في عرض كاليجولا مع نور الشريف    رمضان 2026.. نيللي كريم وشريف سلامة ينهيان تحضيرات مسلسل أنا    ارتفاع جماعي لمؤشرات البورصة بمنتصف تعاملات اليوم    بدء تلقي الطعون على نتائج 73 دائرة بالمرحلة الثانية لانتخابات النواب    10 علامات تخبرك أن طفلك يحتاج إلى دعم نفسي    الاتحاد الأوروبي يستعد لتقديم نص قانوني لإصدار قرض لأوكرانيا ب140 مليار يورو    الناقد الذي كان يشبه الكلمة... وداعًا محمد عبد المطلب    إجراءات جديدة لحجز تذاكر زيارة المتحف المصري الكبير بدءًا من ديسمبر    المدير السابق لجهاز الموساد يكشف أسرار سرقة الأرشيف النووى الإيرانى    رئيس الوزراء ونظيره الجزائرى يشهدان توقيع عدد من وثائق التعاون بين البلدين    الارتجال بين الفطرة والتعليم.. ماستر كلاس تكشف أسرار المسرح في مهرجان شرم الشيخ    8 ملايين جنيه.. حصيلة قضايا الاتجار في العملات ب«السوق السوداء»    انهيار جزئي لعقار من 4 طوابق في الإسكندرية والحماية المدنية تنقذ السكان    نصائح هامة لوقاية طلاب المدارس من عدوى أمراض الجهاز التنفسي    قرارات عاجلة من النيابة فى واقعة ضبط طن حشيش فى الرمل بالإسكندرية    طقس الإسكندرية اليوم.. انخفاض في درجات الحرارة والعظمى 23 درجة مئوية    حزب النور في المقدمة.. نتائج الحصر العددي الأولي عن الدائرة الأولى فردي بكفر الشيخ    «خطوات التعامل مع العنف الأسري».. جهات رسمية تستقبل البلاغات على مدار الساعة    وزير الدفاع يشهد تنفيذ المرحلة الرئيسية للتدريب المشترك "ميدوزا -14".. شاهد    قائمة بيراميدز في رحلة زامبيا لمواجهة باور ديناموز    محمود فتح الله: تصريحات حسام حسن الأصعب تاريخيًا.. وكان يمكنه تجنبها    رضا البحراوي يكشف حقيقة وفاة والدته    انطلاق أعمال اجتماع مجلس وزراء الإعلام العرب بالجامعة العربية    بركان كيلاويا في هاواي يطلق حمما بركانية للمرة ال37 منذ بدء ثورانه العام الماضي    البرهان: السلام في السودان مرهون بتفكيك الدعم السريع    قوات الاحتلال تفرض حظرًا للتجوال وحصارًا شاملًا على محافظة طوباس    رئيس الرعاية الصحية: تطوير 300 منشأة بمنظومة التأمين الشامل    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 26-10-2025 في محافظة الأقصر    الري: نجاح حاجز التوجيه في حماية قريه عرب صالح من أخطار السيول    موعد امتحان نصف العام لصفوف النقل وضوابط وضع الأسئلة    مقتل 8 أشخاص في إندونيسيا بفيضانات وانزلاقات تربة    السيسى يحقق حلم عبدالناصر    .. اديهم فرصة واصبر    الأقصر: انقطاع المياه عن عدد من مناطق نجع علوان بالطود صباح اليوم    اتحاد السلة يعتمد فوز الأهلي بدوري المرتبط بعد انسحاب الاتحاد ويعاقب الناديين    بعد نجاح "دولة التلاوة".. دعوة لإطلاق جمهورية المؤذنين    دار الإفتاء تؤكد حرمة ضرب الزوجة وتحث على الرحمة والمودة    دار الإفتاء تكشف.. ما يجوز وما يحرم في ملابس المتوفى    دعاء جوف الليل| اللهم يا شافي القلوب والأبدان أنزل شفاءك على كل مريض    الأمن يفحص منشور بتحرش سائق بطفلة بمدرسة خاصة في التجمع    بروسيا دورتمنود يمطر شباك فياريال برباعية نظيفة    بوروسيا دورتموند يفترس فياريال برباعية في دوري أبطال أوروبا    محمد صبحي عن مرضه: التشخيص كشف عن وجود فيروس في المخ    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



القمص إثناسيوس جورج يكتب: السِّيرَةُ النَّارِيّةُ للعَظِيمِ أنبَا أنْطُونْيوس
نشر في البوابة يوم 30 - 01 - 2019

لا يوجد مصري واحد معروف ومشهور في التاريخ المسيحي كله أكثر من أنطونيوس الكبير؛ بل أن سيرته ملمح من صياغة الهوية المسيحية في التاريخ القديم.. والمعجزة أن ذاك الذي ترك العالم وتحاشى كل رباطاته وعاش منفردًا في جبل قد صار مشهورًا ذائع الصيت في العالم كله، لأنه لم يتكلم عن الإيمان المسيحي؛ ولم يصنع له (دعاية) بلغة اليوم؛ لكنه بأعماله أظهر إيمانه (تكلم بأعماله وعمل بأقواله).
كان غنيًا؛ لكنه باع كل شيء وتبع المسيح، ولم تكن حياته قصبة تحركها الريح كما تشاء؛ لكنه مضى بوعي وإرادة تاركًا كل شيء من أجل تنفيذ عملي للوصية "اتبعني" متى ۲۱:۱.. فصار هو واقعًا إلهيًا على مستوى الحياة والقدوة وإنجيل حي مُعاش؛ لأنه لم يعرف الوصية ككلمات مجردة؛ بل كفعل وكنسمة حياة، أمسك بها في ثبات؛ وألقى نفسه على نعمة الله بالتمام.
استمد فلسفته الروحية من روح الإنجيل ووصيته، فعاشها وعمل بها كقانون حياة؛ ولم يحد عنها مهما ثقلت عليه الحروب؛ لكنها صارت له قوة دافعة ليمتد إلى ما هو قدام؛ وليتحسس الخيرات السماوية في حياة موصولة التيار بحياة مسيح البراري والأصوام؛ مسيح جبال التجربة والتجلي والجلجثة.
عاش أنطونيوس في البرية الجوانية وجاهد ضد الشياطين وكسب الصحراء للمسيح ونشر الرهبنة الأنطونية بصورة سريعة ومذهلة للعقل؛ لا يعرف أحد سر بداياتها ونموها إلا الذي عاشها.. كان فكره ساجدًا وعقله مستنيرًا وجسده ناسكًا وروحه عالية متوازنة، فصار أبا الرهبان وأبا اللاهوتيين وعلامة عظمى في ضمير الكنيسة المسكونية، وسيرته في جملتها ترجمة حية للاهوت الكريستولوجي الذي جسّده القديس أثناسيوس الرسولي؛ والتي وردت في سيرة القديس أنطونيوس وتضمنت الأدلة الحياتية الواقعية على لاهوت المخلص وعمله العجيب، وهي التي جعلت دعوته لا انعزالية هروبية أو نرجسية؛ لكنها دعوة روحية عاملة بالإيمان لطلب ملكوت الله بواسطة الطريق الضيق.
صارت سيرته وسيلة إيضاح عملية للرد على الهرطقات والبدع، ففي إطار صراعه مع الشيطان؛ انتصر في حروب البرية؛ وانتصر عندما أتى إلى الاسكندرية المدينة العظمى لمواجهة بدعة أريوس، وكذلك في زمن الاستشهاد، وكان نصره في حقيقته ليس نصره هو؛ بل نصر المخلص فيه.
أتت سيرته في إطار أدب السير (Biography) ضمن علم الأجيولوجيا المتعلق بقديسي الكنيسة؛ متضمنة الأسانيد الكتابية تأكيدًا على إنجيلية الرهبنة في التبعية وترك الغنى والترف والمال لحمل الصليب من أجل التجرد والتوزيع ومعاشرة الملائكة، فتتلمذ القديس على ملائكة علموه الجهاد وسلموه الزي وعمل اليدين، لذلك تسمت طغمته (ملائكة أرضيين أو بشر سمائيين)؛ ناسكًا بحسب الإنجيل متعلمًا من الكتب المقدسة، ذاكرته غنية بالكلمة، وبهذا قدم كاتب سيرته أفضل وأذكى رد على الهجوم في الادعاء بأن الرهبنة لا تنبع من فكر إنجيلي.
كان أنطونيوس حصيفًا حاضر الذهن وفي غاية الذكاء وغزارة الفهم والحفظ؛ لكنه لم يكن يجيد اليونانية، أما وجه العجب كان في رسائل الأباطرة له وفي اعتماده على المترجمين؛ وفي رفضه للمجد الباطل وفي تسليم حياته لله؛ الذي لم يجعله عاطل العقل، ماهرًا في الإرشاد والخبرة الروحية؛ متعلمًا من السموات؛ بحكمة لم تكن بشرية ويكفي النظر إليه.
أكدت سيرة أنطونيوس النارية على الوحدة والانسجام بين الرهبنة والكنيسة، وكيف صارت الرهبنة خط الدفاع الأول عن الكنيسة، كذلك أكدت على التوازن والاتساق، فأنطونيوس حينما خرج من مغارته التي عاش فيها عشرين سنة في عزلة كاملة؛ وُجد لا بدينًا مترهلاً ولا نحيلاً؛ وُجد لا ضحوكًا أو مكتئبًا؛ لكنه معتدلاً متعقلاً؛ وهذا هو التوافق بين حالته الطبيعية الأصلية والثبات الداخلي الكامل كأيقونة الله ومثاله.. وعندما بلغ ۱05 سنة كان محتفظًا بنضارته، وعيناه لم تكلا ولم يفقد ولا ضرسًا من أسنانه، ويداه ورجلاه في صحة كاملة، صاحيًا باشًا، يعرف الله ويعرف نفسه ويعرف زمانه.
روحانيته وتكوينه ديناميكي، فلم يكن يرفض وجود علاقات له مع الآخرين أو مع المحتاجين؛ أو نحو الكنيسة العامة؛ لكنه ساند مَن أتوا إليه لطلب المساعدة والإرشاد والشفاء.. تحاور مع الفلاسفة، وراسل الأباطرة، وصنع المعجزات والسلام بين المتخاصمين، ودحض البدع، وافتقد الشهداء، وارتبطت سيرته ببولا أول السُواح وبالبابا أثناسيوس الرسولي وبالقديس ديديموس الضرير، وبالقديس مكاريوس الكبير وبتلاميذ كثيرين، لكنه ومع ذلك احتفظ بمسافة متوازنة حققت سلامة المعادلة... فعلاقته مع الأباطرة والسلاطين إنما كانت تتم عبر الرسائل، ومواجهته للهراطقة إنما كان يضع نفسه فيها خلف رؤساء الكنيسة؛ مبتعدًا عن حدود المكان والزمان؛ لكنه حاضر وفاعل بقوة دون أن يكون مرتبطًا بأي شيء، فاحتفظ بانسجامه الداخلي المتأصل في روحانية الرهبنة الفريدة القائمة على وحدة المعرفة والكيان.
فلننزع من قلوبنا أفكار الشر والظنون الخداعة التي تظلم العقل؛ كي نتفهم ونتأمل المعجزات العالية التي لأبينا العظيم أنطونيوس الذي صار لنا مرشدًا وميناء خلاص؛ ودعانا بفرح إلى الحياة الأبدية.. ولنثبت في الإيمان المستقيم على طريق هذا العنبر المزهر؛ مؤمنين أن الله سيفتح لنا عندما نقرع؛ وسنجد كلما نطلب؛ وسنأخذ كلما نسأل من الله إله أنطونيوس معيننا أجمعين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.