في مدينة ميرا أو مورا التي كانت ضمن الدولة اليونانية والآن هي مدينة كوجاك بجنوب تركيا ولد القديس نيقولاوس عام 262م، وكان خاله هو أسقف المدينة، وكان أبوه أبيفانيوس وأمه تومه لم ينجبا وكانا غنيين جداً. وبعد الكبر أنجبا القديس نيقولاوس وقد تتلمذ على يد خاله في الكنيسة ورسم شماساً وترهب وهو صغير جداً في دير يرأسه ابن عمه. ثم صار كاهناً وهو في سن التاسعة عشر. ولما خاله تنيح أقاموا مكانه أسقفاً على المدينة وأعطاه الرب مواهب كثيرة مثل الشفاء المرض وإخراج الشياطين. وقد قبض عليه الوالي أثناء حكم دقلديانوس وعذبه كثيراً وسجنه إلى أن أطلق سراحه قسطنطين وعاد إلى كرسيه. وحين انتشرت بدعة أريوس يقول القديس ميثوذوسيوس أن كرسيه هو الوحيد الذي لم يتأثر بهذه الهرطقة نظراً لتعاليمه اللاهوتية الدائمة لشعبه. وقد حضر مجمع نيقيه وهو في سن الثمانين من عمره، وفي المجمع وبينما كان أريوس يشرح بدعته أمام كل الآباء المجتمعين لم يحتمل كلامه فقام وضربه على فمه وقال له: "أخرس ولا تتكلم عن المسيح إلهي بهذه التجاديف". فتضايق الإمبراطور ولامه الآباء على هذا التصرف فسجنه الإمبراطور فظهر له السيد المسيح والعذراء أم النور وأخرجوه من السجن فوجوده ثاني يوم يحضر المجمع وحكى للآباء كيف أخرجه المسيح له المجد من السجن. وقد اشتهر بقصة هامة جداً فقد كان ضمن رعيته رجل عنده ثلاث بنات وقد افتقر جداً وكان بالكاد يسدد احتياجاتهم من الطعام. وأراد أن يزوج ابنته الكبرى ولم يكن لديه أموال لنفقات زواجها فهيئ له الشيطان أن تعمل بناته في الخطية فترة ليجمع أموال الزواج. وعرف القديس هذه القصة فتخفى في زي رجل عادي وفي الليل قذف من الشرفة كيس نقود يكفي لتزويج ابنته وهرب سريعاً. وحين خرج الأب ليرى من قذف له بالنقود لم يجده. وتكررت نفس القصة حين أراد أن يزوج الثانية، وعند الثالثة ظل يرقب الشرفة حتى وجد الرجل الذي يلقي بالنقود فأسرع وأمسك به وعندها عرف أنه القديس نيقولاوس. وحين عرفه واشتهرت القصة عرف باقي أفراد الرعية من كان يرسل إليهم النقود في ليالي الأعياد ليفرح الأطفال بهدايا العيد. وتلك القصة ألهبت خيال الشاعر الأمريكي كلارك موريس عام 1823م وكتب قصيدة "زائر محبب ليلة الميلاد" وهو سانتا كلوز الاسم المشتق من سانتا نيقولاوس. وأصبح يسمى أيضاً بابا نويل أي أب الميلاد بالفرنسية. وقد رسمه فنان الكاريكاتير توماس نيست عام 1881م بالصورة الشهيرة الآن بثوبه الأحمر والحذاء الأسود والحزام الأبيض لتبدأ القصص والأساطير المرتبطة بأعياد الميلاد والزائر المرتقب بابا نويل الذي يحمل هدايا العيد للأطفال والفقراء. وتناقلت أوروبا تلك القصص وتنافست البلاد على رسم صورة مبهرة له، فقالت السويد أنه ولد بها وكذلك فنلندا. وعام 1927م نشر الاتحاد السوفيتي قصة عن بابا نويل قالوا فيها أنه يسكن بلدة بالقرب من المحيط المتجمد الشمالي في مقاطعة لابلاند وكان يسكن مع عشرين ألفاً من حيوان الرنة الذي يشبه الغزال وصنعوا له بيتاً وعربة تجرها تلك الحيوانات. وهذه المقاطعة يزورها حوالي 175 ألف طفل سنوياً ليروا بابا نويل والعربة التي تجرها الحيوانات وممتلئة بالهدايا الخاصة بعيد الميلاد. وقد أصبح هذا القديس رمزاً لمحبة الآخر واحتمال آلامه فقد كانت سعادة الآخر هي خدمته وفرحه ومحور حياته. ومحبة الآخر هي وصية المسيح حين سألوه ما هي الوصية العظمى قال: "تحب الرب إلهك" وسألوه والثانية قال مثلها أي على نفس المقدار "تحب قريبك كنفسك" (مت 22: 39) بل قال: "من سخرك ميلاً اذهب معه اثنين" (مت 5: 41) أي حين يتعامل معك الآخرين بقانون السخرة قدم لهم أنت أكثر مما يطلبونه بقانون المحبة. وحين يدين الرب البشرية سيدينها على مقدار الحب المقدم للآخر فيقول: "لأني جعت فأطعمتموني. عطشت فسقيتموني. كنت غريبا فآويتموني. عريانا فكسوتموني. مريضا فزرتموني. محبوسا فأتيتم إلي فيجيبه الأبرار حينئذ قائلين: يا رب، متى رأيناك جائعا فأطعمناك، أو عطشانا فسقيناك؟ ومتى رأيناك غريبا فآويناك، أو عريانا فكسوناك؟ ومتى رأيناك مريضا أو محبوسا فأتينا إليك؟ فيجيب الملك ويقول لهم: الحق أقول لكم: بما أنكم فعلتموه بأحد إخوتي هؤلاء الأصاغر، فبي فعلتم.." (مت 25: 35-40) ويقول بولس الرسول: "من أحب غيره فقد أكمل الناموس" (رو 13: 9)، ويقول ماريوحنا: "كل من يبغض أخاه فهو قاتل نفس" (1يو 3: 15). بل "من لا يحب لم يعرف الله" (1يو 4: 8). وحين قال الرب تحب قريبك كنفسك سألوه من هو قريبي حكى لهم مثل السامري الصالح (لو 10: 25) الذي صنع معه الصلاح وهو كان عدوه على مستوى المجتمع ولكنه صنع معه رحمة فهذا هو قريبه. ويقول ماريعقوب عن فعل الخير فيقول في المطلق: "فمن يعرف أن يعمل حسناً ولا يعمل، فذلك خطية له" (يع 4: 17). وبهذا يكون الخير ليس هو عدم الشر ولكنه الفعل الإيجابي، هو الحب، هو احتمال آلام الآخرين. والعالم يحتاج إلى الحب مثلما يحتاج إلى الخبز كما يقول القديس أوغسطينوس: "يوجد جائع للخبز وجائع للحب".