يرتبط فى أذهان الكثيرين احتفالات الكريسماس وأعياد الميلاد بذلك الرجل السمين العوز ذو الذقن البيضاء الطويلة، صاحب الوجه المفعم بالحيوية المبتسم، ويعرفه الأطفال بأنه الرجل الذى يأتى ليحقق أمنياتهم البسيطة الخاصة بالعام الجديد، ولا يتم رسمه إلا حاملاً شنطة كبيرة للهدايا. إنه "سانتا كلوز" أو "بابا نويل" أما صاحب هذه الشخصية الواقعية، فهو القديس "نيقولاس" وهو أسقف "مورا" التى تقع فى اّسيا الصغرى، فى القرن الرابع الميلادى، وما لا يعرفه الكثيرون أن الكنيسة القبطية تحتفل بعيد نياحته الموافق اليوم -الأربعاء- العاشر من شهر كيهك القبطى الموافق يناير فى الشهور الميلادية. وبحسب ما دون فى "سنكسار الكنيسة القبطية الأرثوذكسية" وهو الكتاب المُدون فيه سير القديسين- فإن القديس "نيكولاس"عاش فى القرن الرابع، اسم أبيه ابيفانيوس وأمه تونة. وعاشا فى ترف مادى وفى مخافة الله. ولم يكن لهما ولد ليرث غناهما. ولما بلغ سن اليأس، تحنن الله عليهما ورزقهما هذا الطفل "نيكولاس"، ومنذ حداثته وعى كل تعاليم الكنيسة، وتمت رسامته "شماساً" أى "مُرتل" بالكنيسة. وقد ترهب في دير كان ابن عمه رئيسا عليه، فعاش عيشة النسك والجهاد والفضيلة حتى رسم "قِساً" وهو في التاسعة عشرة من عمره، وهى عمر مبكرة بالنسبة للرتبة الكهنوتية، ومن الله عليه بمحبة الفقراء والمحتاجين. عن قصة تسلله لتحقيق أمانى الفقراء: يحكى عنه أنه كان بمدينة مورا رجل غني فقد ثروته حتى احتاج للقوت الضروري، وكان له ثلاث بنات قد جاوزن سن الزواج ولم يزوجهن لسوء حالته، ففكر أن يوجههن للعمل في أعمال مهينة، ولكن الرب كشف للقديس نيقولاس ما اعتزمه هذا الرجل. وقد أخذ من مال أبويه مائة دينار، ووضعها في كيس وتسلل ليلاً دون أن يشعر به أحد وألقاها من نافذة منزل الرجل، وعندما وجد الرجل الكيس فرح كثيرا، واستطاع أن يزوج بهذا المال ابنته الكبرى، وفي ليلة أخرى كرر القديس عمله، وألقى بكيس ثان من نافذة المنزل، وتمكن الرجل من تزويج الابنة الثانية. إلا أن الرجل اشتاق لأن يعرف ذلك الشخص الذى يعطف عليه، فلبث ساهرا يترقب، وفي المرة الثالثة حالما، شعر بسقوط الكيس، فشرع إلى خارج المنزل ليرى من الذي ألقاه، فعرف أنه الأسقف الطيب القديس نيقولاس، فخر عند قدميه وشكره كثيرًا، لأنه أنقذ فتياته من فقر، أما هو فلم يقبل منهم أن يشكروه، بل أمرهم أن يشكروا الله الذي وضع هذه الفكرة في قلبه. رسامته أسقفاً وتعذيبه وسجنه: و لما تنيح "توفى" أسقف مورا ظهر ملاك لرئيس الأساقفة في حلم واعلمه بأن المختار لهذه الرتبة هو نيقولاس وأعلمه بفضائله، ولما استيقظ أخبر الأساقفة بما رأى فصدقوا الرؤيا، وأخذوا القديس ورسموه أسقفا على مورا،وبعد قليل ملك دقلديانوس وأمر بعبادة الأوثان. ولما قبض علي جماعة من المؤمنين وسمع بخبر هذا القديس قبض عليه هو أيضا وعذبه كثيرا عدة سنين، وكان الله ينجيه من تلك العذابات، ولما ضجر منه دقلديانوس ألقاه في السجن، فكان وهو في السجن يكتب إلى رعيته ويشجعهم ويثبتهم، ولم يزل في السجن توفى دقلديانوس، وأقام قسطنطين الملك، فأخرج الذين كانوا في السجون، وكان القديس من بينهم، وعاد إلى كرسيه. ويحكى عنه السنكسار أنه كان محبوبًا من شعبه، وكان مهتمًا بالمرضى والفقراء والمُسنين، لما أكمل سعيه تنيح "توفى" في ميرا، ودفن في كاتدرائيتها، وكانت أيام حياته تقترب من الثمانين سنة، منها حوالي أربعين سنة أسقفًا إرتباط القديس نيقولاس بصورة "سانتا كلوز" الحالية: بعد نياحة القديس نيقولاس انتشرت سيرته وعمت أماكن عديدة في روسيا وأوربا خاصة ألمانيا وسويسرا وهولندا وكانوا يتبادلون الهدايا في عيد الميلاد على اسمه. وبدأت الحقيقة تختلط بالأسطورة، وجاء اسم بابا نويل ككلمة فرنسية تعنى"أب الميلاد"، وظن البعض أن موطن بابا نويل هو السويد، وذهب البعض الآخر أن موطنه فنلندا، خاصة أن هناك قرية تدعى قرية "بابا نويل" يروجون لها سياحيا إنها مسقط رأس بابا نويل. ويزور هذه القرية نحو 75 ألف طفل سنويا، ومع اكتشاف أمريكا حمل المهاجرون معهم قديسيهم ومنهم القديس نيكولاوس أو سانت "نيقولا" وتطور الاسم حتى صار "سانتا كلوز." أما الصورة الحديثة لبابا نويل، فقد ولدت على يد الشاعر الأمريكي كلارك موريس الّذي كتب سنة 1823 قصيدة بعنوان "الليلة التي قبل عيد الميلاد" يصف فيها هذا الزائر المحبّب ليلة عيد الميلاد. وفي عام 1881، قام الرسام الأمريكي "توماس نيست" في جريدة هاربرس بإنتاج أول رسمٍ لبابا نويل، كما نعرفه اليوم، ببدلته الحمراء الجميلة وذقنه البيضاء الطويلة وحذائه الأسود اللامع، ويقال إن ذلك كان ضمن حملة ترويجية لشركة كبرى ربما تكون كوكاكولا، ومن وقتها انتشر بابا نويل في ثوبه الجديد (نيو لوك). وصار من أشهر الشخصيات التي يحبها الأطفال في كل أنحاء العالم، ومع تغير المكان تخلى (سانتا كلوز) عن حماره الذي كان يحمل عليه الهدايا والألعاب ليمتطي زحافة على الجليد يجرها ثمانية غزلان يطلق عليها حيوان (الرنة) ذو الشكل المميز. وتروي الحكايات أن (بابا نويل) يضع للأطفال الهدايا داخل (جوارب) صوفية يضعونها فوق المدفأة في منازلهم حيث كان يتسلل (بابا نويل) من خلال فتحة المدفأة حتى لا يراه الأطفال ليلا ويفاجأون بالهدايا في الصباح فيتملكهم السرور أكثر وأكثر. وفى مصر انتشر بابا نويل في الكنائس القبطية في احتفالها برأس السنة الميلادية، وصار رمزًا شعبيًا للاحتفال بالعام الجديد ونسى الكثيرون أنه قديس ومعترف به في الكنيسة الأولى، كنيسة القرن الرابع الميلادي.