بينما العالم يبكى على من استشهد ومات، وبينما كل بلاد العالم تهتز رجفاً من هؤلاء الذين يريدون أن يصبغوا العالم بلون الدم، ولون الكراهية، ولون الإرهاب تأتى هذه الأيام من كل عام وتقرع الأجراس فى العالم المنكوب ليصمت الجميع وتلمع العيون وتبتسم الوجوه فإنها أجراس الميلاد المجيد. وهذا ما حدث انظروا فالعراق وسوريا تفرحان بالميلاد وبداية العام، وفوق آثار الخراب والدمار تغرس شجرة الميلاد وتُزين بأيدى حُرقت بالأمس من نار الحرب، وبينما كان يختبئ خلف الحائط إرهابى مدجج بالسلاح وعبر على هذه الأراضى آخر زرع الدمار عبر من نفس المكان بابا نويل بزيه المعهود ليعلن الفرح للأطفال المشردين والتى دموعهم لاتزال تسقط على أب استشهد أو أم فُقدت أو منزل قد تهدم. إنها أجراس الفرح رغم كل شيء. وهذا هو سر فرح هذه الأيام أن العالم كله يشترك فى الفرح بالعام الجديد ويحتفل بطريقة مشتركة فشجرة الميلاد فى كل مكان فى العالم، وبابا نويل يسير فى كل الطرقات يحمل هدايا الميلاد. هذا رغم أنف الذين يريدون أن تقطع أشجار الميلاد وأن يخنق بابا نويل حتى يرجع العالم فى أيديهم سواء بالقتل المادى أو المعنوي، سواء بالإرهاب الجسدى أو إرهاب العقول.ومنذ منتصف القرن السادس صارت هناك دعوى من أحد علماء الفلك وكان راهباً أن يكون التقويم هو سنة ميلاد السيد المسيح وليس بناء روما كما كان قبلاً وبعد دراسات كثيرة تبين أن السيد المسيح ولد فى عام 753 من بناء روما حيث كان التقويم المتبع فى العالم الغربى هو التقويم اليولياني، وهو التقويم الذى فرضه يوليوس قيصر سنة 46 ق.م. وقد استعان بأحد الفلكيين المصريين يدعى سوسيجينو وحينها كانت مصر متقدمة فى كل العلوم وخاصة الفلك ومنذ ذلك الحين أصبح العالم ينسب التاريخ لسنة ميلاد السيد المسيح والاختصارات التى تراها هى (B.C.) تعنى before Christ و(A.D.) تعنى Ammo Domini أى سنة الرب. أما يوم ميلاد السيد المسيح فقد سبقت الكنيسة القبطية كل العالم فى تحديد اليوم حيث كانت مصر لديها كثير من علماء الفلك وحددته يوم 29 كيهك وبعد مرسوم التسامح الدينى سنة 313م. للإمبراطور قسطنطين بدأت الكنائس فى العالم كله تبحث ترتيب الأعياد المسيحية نظراً لانتشار المسيحية فى كل العالم. وقد قرر الإمبراطور أن يكون 29 كيهك الموافق 25 ديسمبر حينها هو عيد الميلاد فى كل العالم حيث كان هذا اليوم يوافق عيد الشمس فى العالم الرومانى وكان له بهجة كبيرة فاستغل قسطنطين هذا ليكون أيضاً عيد ميلاد السيد المسيح. وكان هذا متوافقا مع التقويم القبطى وظل العيد هكذا حتى القرن السادس عشر حين لاحظ البابا إغريغوريوس الثالث عشر الرومانى أن الربيع الذى كان موافقاً 21 مارس جاء فى تلك السنة 11 مارس وكان هذا عام 1582. فكلف عالمين فلكيين لكى يدرسا هذا الموضوع حيث اكتشفا أن هناك خطأ فى التقويم اليوليانى وهذا ما صنع الفرق الذى كان حينها عشرة أيام. وفى صباح يوم الخامس من أكتوبر استيقظ الناس على خبر أن اليوم هو الخامس عشر من أكتوبر. وكان فى ذلك العام 29 كيهك يوافق الرابع من يناير وهذا لاختلاف التقويمين القبطى الذى هو ثابت والإغريغورى الذى أصبح كل 128 عام يزداد يوماً لذلك 29 كيهك يوافق 7 يناير، وسوف يصير 8 يناير عام 2100. وبعيداً عن تعقيدات التقويم والحسابات الفلكية فعيد الميلاد هو عيد الفرح فالعالم يستقبل الميلاد بنسمات الفرح وبهجة العالم تنتشر وتمنيات الجميع بعام جديد تختلط برسالة السيد المسيح التى أطلقها الملائكة بأناشيد الفرح حين ولد ولم يكن هناك أحد من البشر فى استقباله فظهرت الملائكة لبعض الرعاة وهى تنشد وتقول «المجد لله فى الأعالى وعلى الأرض السلام وبالناس المسرة». ثم أخبروهم بميلاد السيد المسيح. ومن مظاهر الفرح نجد بابا نويل وهو أحد علامات الميلاد، وهو الشخصية التى أخذت تتطور عبر التاريخ لتعطى السعادة فى كل زمن، فهو القديس نيقولاوس أسقف ميرا وهى مدينة جنوبتركيا ثم حرف الاسم إلى سانتا كلوز. وكان هذا القديس له عادة مفرحة أن يذهب إلى بيوت الفقراء أوقات احتياجهم ولا سيما ليالى الأعياد وهو متخف فى زى غريب ويلقى النقود والهدايا من شبابيك المنازل فى الليل حتى يستيقظ الأطفال والكبار ويجدون نقوداً وهدايا العيد فيفرحوا.وظل هذا القديس هو رمز لصانع السعادة فى العيد. ولكن فى عام 1881 تخيل الرسام الأمريكى «توماس نيست» شكلاً كاريكاتيرياً له كشخصية الميلاد ورسمه بثوبه الأحمر وحزام أبيض وحذاء أسود وهذا تأثراً بقصيدة كتبها الشاعر الأمريكى «كلارك موريس» وهى قصيدة «الليلة السابقة لعيد الميلاد» وكان يتكلم عن بابا نويل وهى كلمة فرنسية تعنى بابا الميلاد. وبعد ذلك أعلنت السويد أنه ولد هناك وكذا فنلندا. وفى عام 1927 نشرت روسيا أن بابا نويل كان يسكن إحدى المقاطعات مع حيوان الرنة التى تُرسم وهى تجر عربته الشهيرة المليئة بالهدايا بل وصنعوا له مدينة باسمه يزورها فى موسم أعياد الميلاد ما يقرب من خمسة وسبعين ألف طفل. إنها أساطير الفرح التى يصوغها الإنسان كى يتغلب على واقع الدمار والعنف. فحين لا نستطيع أن نحقق السعادة فى الواقع نلجأ إلى عالم الخيال كى نعيش ولو فى أحلامنا بعضا من الفرح والسعادة ولو لأيام قليلة نستطيع بعدها أن نعيش فى واقعنا المؤلم من حروب وجشع وظلم وظلمة. إنها أيام فرح فلماذا لا نفرح معاً؟ ولماذا لا نمسك بفرصة السعادة التى تصنعها لنا أيام الأعياد؟ أحبائى فلنفرح معاً ولنتبادل كلمات الحب والسعادة رغم كل ما يدور حولنا. فأجراس الميلاد هى أجراس تقرع فى ظلمة العالم لتشرق حياة جديدة فى عالم أصوات المدافع أعلى من أصوات الفرح. ليت أجراس الميلاد تقرع فى ضمائر احترفت الكراهية والقتل قد توقظ فيهم الإنسانية الجديدة. أنها أيام فرح فلنذهب لكل من هو حزين ونمسح دموعه، ومن هو محتاج نسد جوعه، ومن هو مشرد نساعد رجوعه. لمزيد من مقالات القمص أنجيلوس جرجس