يكشف الدكتور محمد نصر الدين علام وزير الري الأسبق رئيس لجنة الري بحزب المصريين الأحرار، في كتاب جديد له بعنوان "أزمة سد النهضة الإثيوبي.. قضية سياسية أم إشكالية فنية"، كواليس ملف حوض النيل، في أصعب مراحل مفاوضات اتفاقية عنتيبي، حينما كان رئيسا للمجلس الوزاري لدول حوض النيل حينها، وشارك في العديد من الاجتماعات المتتابعة وقام بالعديد من الرحلات المكوكية لدول المنبع حاملا المبادرات لحل الخلافات مع الدول التي أصرت على التوقيع المنفرد على الاتفاقية. ويعرض الكتاب الذي يُطرح خلال هذا الشهر في معرض القاهرة للكتاب، أسرار أروقة الاجتماعات الوزارية لدول حوض النيل، ويغطي تفاصيل مرحلة ما بعد ثورة يناير المصرية، في أثناء حكم المجلس العسكري، ومن بعده الإخوان، وما بعد ثورة 30 يونيو 2023. يعد الكتاب هو الثاني لوزير الري الأسبق عن نهر النيل، بعد كتاب "اتفاقية عنتيبي والسدود الإثيوبية" الذي نشره مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام عام 2012. ويتكوّن الكتاب من عشرة أبواب في مئتي وسبعة وأربعين صفحة، وملحق يشمل نسخة من اتفاقية عنتيبي باللغتين الإنجليزية والفرنسية. ويعرض الكتاب أحداث مشروع مبادرة حوض النيل وثمار وحصاد المبادرة السلبية على مصر من تشييد العديد من السدود في إثيوبيا وأوغندا والسودان والعديد من المشاريع الزراعية المروية ومشاريع الربط الكهربائي من إنتاج السدود في الهضبة الاستوائية والإثيوبية وأخيرًا اتفاقية عنتيبي. ويقدم تفاصيل مفاوضات اتفاقية عنتيبي (الاتفاقية الإطارية)، التي بدأت بلجان تفاوضية ثم اجتماعات وزراء مياه النيل بدءا من اجتماع أديس أبابا في يناير 2006 وانتهاء باجتماع شرم الشيخ في أبريل 2010 والتوقيع المنفرد لدول المنبع على الاتفاقية في مايو 2010. ويكشف تفاصيل كواليس التفاوض بين دولتي المصب من جهة ودول المنبع من جهة أخرى ونقاط الخلاف بينهم حول عدة نقاط رئيسية حول الاتفاقيات القديمة القائمة وعلاقتها بالاتفاقية الإطارية، والإخطار المسبق وإجراءاته التنفيذية، وإجراءات تعديل أي بند أو ملحق من بنود أو ملاحق الاتفاقية. ويحلّل علام في كتابه اتفاقية عنتيبي، التي تتكون من 44 مادة، ويشرح مواد هذه الاتفاقية، بالمقارنة بمواد اتفاقية الأممالمتحدة للأنهار المشتركة لعام 1997، التي وجد العديد من أوجه القصور بها، منها أنها لا تقر بجميع الاتفاقيات التاريخية، وتنص على إعادة تقسيم موارد النهر المائية على دول الحوض بمعايير تميل إلى دول المنبع على حساب دولتي المصب، ولا تتضمن الإجراءات التنفيذية للإخطار المسبق، ولا تشمل أي مادة تسمح بزيادة إيراد النهر لصالح شعوبه، بل تعمل على إعاقة مثل هذه المشاريع حيث تنص صراحة على المحافظة على الأراضى الرطبة فى دول الحوض والتى يفقد فيها كميات هائلة من إيراد النهر والتي من خلال تنميتها يمكن زيادة إيراد النهر وبما يكفي احتياجات جميع دول الحوض. ويعرض الكتاب تاريخ مخطط السدود الإثيوبية على النيل الأزرق بدءا من عام 1958 حيث أرسلت الولاياتالمتحدةالأمريكية ردا على مشروع السد العالي بعثة ضخمة من مكتب استصلاح الأراضي الأمريكي، إلا أن إثيوبيا لمسح أراضي النيل الأزرق لتحديد الأراضي الصالحة للزراعات المروية ولاختيار الأماكن المناسبة لاقامة السدود التخزينية على النيل الأزرق. وتم إعادة هذه الدراسات وتطويرها على مر السنين بمساعدات غربية لتتضاعف سعتها وإنتاجها من الكهرباء، وتم أيضا إعادة صياغة مخطط السدود في إطار استثماري لتوليد الكهرباء للاستهلاك المحلي وللتصدير إلى دول لجوار، جيبوتي والصومال شرقا وكينيا وأوغنداجنوبا وشمال وجنوب السودان غربا ومصر شمالا. ومن ضمن السدود المقترحة على النيل الأزرق 4 سدود كبرى على النيل الأزرق والتى منها سد النهضة الجاري تشييده حاليا. وإجمالي السعة التخزينية للسدود الأربعة تزيد عن ثلاثة أضعاف تصرف النهر السنوى. ويتطرق الكتاب الى خلفيات سد النهضة الأثيوبية وكيف أن إثيوبيا استغلت ظروف مصر بعد ثورة يناير 2011 وانشغال المصريين بأمورهم الداخلية عن قضاياهم القومية فى فرض واقع سد النهضة على مصر والمصريين، والأثار السلبية لسد النهضة على مصر وخيمة تشمل بوار مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية وانخفاض منسوب المياه الجوفية والتأثير سلبا على الثروة السمكية والسياحة النيلية والنقل النهري وإمدادات مياه الشرب والصناعة، وانخفاض كبير لإنتاج الكهرباء من السد العالي وخزان أسوان بالقدر الذي يسبب أزمة حادة في الكهرباء في مصر، وتقزيم دور السد العالي في حماية مصر من ويلات ومجاعات سنوات الفيضان المنخفضة، وتدهور البيئة وازدياد التلوث في البحيرات الشمالية، وزيادة تداخل مياه البحر في الخزانات الجوفية الساحلية في شمال الدلتا. كما يعرض إمكانية تعرض مصر والسودان لمخاطر تدميرية شديدة في حالة انهيار هذا السد. ويستعرض الكتاب الأحداث المصاحبة لوضع حجر أساس سد النهضة فى 2 أبريل 2011 وتشكيل اللجنة الثلاثية لتقييم آثار سد النهضة، وتفاصيل اجتماعات اللجنة الثلاثية والتى انتهت بنهاية مايو 2013 بتقرير نهائي يدين مستوى الدراسات الإثيوبية وتوصيات بإعادة العديد من هذه الدراسات، موضحا الآثار السلبية للسد على مصر والسودان. ويتناول الكتاب، تصريحات ومواقف الحكومات المتتابعة من سد النهضة وكذلك نتائج اجتماعات وزراء مياه مصر والسودان وأثيوبيا لمتابعة توصيات اللجنة الثلاثية الدولية في الخرطوم في شهري نوفمبر وديسمبر 2013، وتوقعات بفشل اجتماع شهر يناير 2014 في الخرطوم مع إيضاح أسباب هذا الفشل. ويقدم الكتاب تحليلا للسياسات الخارجية الإثيوبية والدور الإسرائيلى، وما يحدث في السودان وجنوب السودان لما لها من تأثير بالغ على ملف حوض النيل. فإثيوبيا شهدت تحولا كبيرا في سياساتها الخارجية بعد استيلاء ميليس زيناوى على الحكم والتقارب مع الولاياتالمتحدةالأمريكية وإسرائيل والدول الغربية وتنفيذ الأجندة الغربية في القرن الإفريقي والبحر الأحمر والتي تتفق مع الأجندة الإثيوبية، والدعم الغربي لإثيوبيا لتقلد دور إقليمي على حساب مصر وشعبها وحصتها المائية. ويعرض علام الدور الإسرائيلى في إثيوبيا وأسباب وجوده ونشاطه هناك، مع تحليل لأسباب تصعيد إثيوبيا المتعمد لأزمة المياه في حوض النيل والسعي بقوة لعزل مصر عن مجموعة دول المنابع لتحقيق هدفها الرامي إلى تغيير قواعد توزيع المياه في حوض النيل لصالحها وعلى حساب مصر. ويتطرق الكتاب الى استراتيجية الخداع الأثيوبية لفرض سد النهضة كحقيقة واقعة على مصر سواء من خلال إبعاد السودان عن دعم مصر، أو من خلال مفاوضات فنية لا ضرر منها لها بهدف استهلاك الوقت، أو من خلال الضغوط السياسية من دول المنابع واتفاقية عنتيبي. وينتقل الكتاب إلى عرض أسباب التحول المعلن لتوجهات القيادة السياسية فى السودان وذلك من حليف استراتيجى تاريخى لمصر فى ملف حوض النيل الى داعم للتوجه الإثيوبى فى إنشاء السدود الكبرى على النيل الأزرق. كما يكشف أن انفصال جنوب السودان يمثل بلا شك تحديا كبيرا للسودان ولمصر وتهديدا مباشرا لأمنهما القومى، وولادة دولة الجنوب بموقعها الاستراتيجى أدى إلى إعادة صياغة كل التوازنات الاستراتيجية الواقعة جنوب الحدود المصرية، وفى الغالب ستكون إعادة صياغة التوازنات الإقليمية لصالح استراتيجيات الدول التي لعبت أدوارا أساسية في فصل الجنوب عن السودان وعلى رأسها الولاياتالمتحدةالأمريكية وإسرائيل وإثيوبيا وأوغندا، ولذلك فإنه من المتوقع صعود دولة إثيوبيا الساعية لتأكيد هيمنتها على القرن الإفريقى وحوض النيل، ودولة أوغندا في إقليم البحيرات التى تسعى فى ظل موسيفنى إلى دور قيادى فى شرق إفريقيا. ويتناول علام نتائج هذه التوازنات الجديدة، التي تؤدى الى تقليص الدور المصرى وعزلة ومحاصرته من الجنوب، ومحاولة اعادة تقسيم دولة السودان بفصل اقليم دارفور ومنح الحكم الذاتى لمنطقتى جنوب كردفان والنيل الأزرق. كل هذه التحديات توضح بشكل قاطع أنه لا بد من عودة الشراكة الاستراتيجية بين كل من مصر والسودان. ويختتم الكتاب بتقييم لأزمة سد النهضة من منطلق تاريخى للمخططات الدولية والإقليمية للتحكم فى مصر ومقدراتها، وتقييم لأحداث مشروع مبادرة حوض النيل والتحركات والمكاسب الإثيوبية التى تحققت تحت مظلة هذا المشروع وبدعم دولى وإقليمى، وتقييما للتغيرات الإقليمية حولنا سواء فى شرق إفريقيا من سقوط الدولة الصومالية وانفصال جنوب السودان وتباعد السودان عن مصر وتوجهها بقوة نحو إثيوبيا ودعمها لسد النهضة، وموجات الفوضى فى المنطقة العربية أو ما يسمى غربيا بالفوضى الخلاقة أو بالربيع العربى الهادف إلى تحجيم مصر وتقزيم أدوارها الدولية والإقليمية، والأهداف الحقيقية لسد النهضة بسعته الضخمة غير الاقتصادية من خنق لمصر والتحكم في مقدراتها. وأكد علام أن كل هذه الشواهد تدل بجلاء تام مدى التأمر على مصر وعلى شعبها وعلى أدوارها الإقليمية والدولية بل وعلى استقرارها ولقمة عيش شعبها بل وعلى استقرار كامل المنطقة العربية. ويرى صاحب الكتاب ضرورة الطرح السياسي للمخاوف المصرية من سد النهضة على الجانب الإثيوبى وذلك على ضوء نتائج الدراسات المصرية وتوصيات تقرير اللجنة الثلاثي. وتشمل هذه الخاوف السعة المبالغ فيها لسد النهضة وسياساته التشغيلية وسنوات ملء بحيرة السد وسلامته الإنشائية. ويرى أهمية أن تقوم القيادة السياسية بمحاولة التوصل إلى اتفاق مع القيادة الإثيوبية على تشكيل لجنة دولية لبحث هذه المخاطر مع طلب وقف إنشاءات السد لفترة زمنية يتم خلالها الانتهاء من دراسات الخبراء وبما لا يتعدى ستة أشهر، والعمل على الوصول إلى توافق مع الجانب الإثيوبى حول آلية لفض النزاع بين الدولتين فى حالة الاختلاف. وقال علام، ضمن فصول الكتاب، "يتطلب التعامل الجاد مع أزمة سد النهضة أن تقوم الدولة بتشكيل مجلس وطنى دائم فى القريب العاجل لحل مشكلة الفجوة الناتجة عن اتساع جبهات العمل المطلوبة للتحركات المصرية فى ملف حوض النيل، والتنوع الشديد فى التخصصات المهنية لطبيعة تحديات المرحلة الحالية والمستقبلية، ونقص الكوادر الفية والقانونية الحكومية اللازمة لدعم جهود الدولة فى الدفاع عن حقوق مصر المائية، ويقوم هذا المجلس بإجراء الدراسات والتحليلات الفنية والسياسية والاقتصادية المطلوبة للحفاظ على مصالح مصر فى نهر النيل، وصيانة الحقوق المائية المصرية، وتنمية الروابط بدول وشعوب حوض النيل، ومتابعة تطوير الرؤية الاستراتيجية المصرية للتعامل مع ملف مياه النيل من الجوانب الفنية والاقتصادية والسياسية والقانونية والبيئية". ويعرض الكتاب أهمية استمرار الحوار مع الجانب السودانى لتوحيد الرؤى على أساس المصالح المشتركة وعلى ضوء ما نصت عليه اتفاقية 1959 بين البلدين، بجانب أهمية التحرك الدولي لإقناع القوى السياسية والجهات الدولية بعدالة القضية المصرية ووقف أي تمويل دولي للسد حتى يتم التوافق حول سعته وسياساته التشغيلية، مع عرض لموقف مصر القانوني وكيفية التحرك القانوني في حالة فشل المفاوضات السياسية، للدفاع عن حقوق مصر المائية.