لم يكن المشهد عند مسجد مرزوق الأحمدى، بحي الجمالية، يختلف كثيرا عنه عند مدرسة «تتر الحجازية» التى كانت أميرة من عصر المماليك ونالت تقديرا واحترامًا من عامة المصريين والأكثر من أهل العلم لما بذلته من عناية بالأوقاف والمدارس، وبالعلم وأهله، إنها تتر الأميرة الابنة للناصر محمدبن قلاوون، وكانت الأقرب إلى قلبه، لقبت تتر بالحجازية بعد زواجها نسبا للأمير المملوكى «بكتمر الحجازي» وقامت ببناء قصرها بالرحبة المبنى بها المدرسة ودار تحفيظ القرآن كما يطلق عليها سابقا، التى تعرف اليوم بحارة باب العيد، بها مدرسة وقبة ملحقة، وكذلك مكتب لتعليم أطفال من الأيتام مبادئ القراءة والكتابة، والقرآن الكريم، هذه المجموعة المعمارية التى أنشأتها الأميرة تتر ذهبت جميعها، ولم يبق منها سوى القبة والمدرسة، وفقد كل هذا بسبب أحد رجال عصر المماليك الجراكسة، أما المدرسة التى حولها جمال الدين الأستادار إلى سجن والتى قامت الأميرة ببنائها فى عام 749ه، ثم قامت ببناء المدرسة فى عام 761ه، وشيدت مدرسة ليتلقى الأطفال فيها العلوم والآداب والفن، وأنشأت بها منارًا عاليًا من حجارة ليطلق منه شعائر الصلاة، وأضافت «تتر» للمدرسة مكتبًا للسبيل فيه أيتام المسلمين، ولهم مؤدّب يعلمهم القرآن الكريم وتقوم بالإنفاق وتقديم يد العون للفقراء حيث تصنع لهم الملابس من الصوف فى الشتاء ومن القطن صيفا، والآن نقف أمام هذا الإعجاز المعمارى غير المتكرر لنشاهده متحولا لوكر لمتعاطى المخدرات ولصناديق لجمع القمامة، علينا أن ندرك المعضلات التى أودت بهلاك تلك الآثار المهملة والتراث المصرى الممتد عبر التاريخ والقادر على مواجهة الزمن وتغيراته يستحق أن نعتنى به ونهتم، وأن يراه العالم بشكل جديد ومختلف، حينها سوف تصبح هناك سياحة خارجية ورافد اقتصادى جديد لم نكن نتنبه إليه. لنبحر أكثر فى عالم المعمار الإسلامى القديم، نرى مشهدا لا يقل سوءا عن المشهد فى «تتر الحجازية» ليتكرر المشهد الأكثر سوءا فى مدرسة الأمير مثقال الواقعة بداخل قصر الخلفاء الفاطميين بحى الجمالية الذى كان دارا للخلافة، والتى كانت الأولى لدراسة الفقه على مذهب الإمام الشافعى إلى أن أصبحت دارًا للعلم، إن الأمير مثقال كان معروفا باسمه الحقيقى «الطواشى الأمير سابق الدين مثقال الأنوكي»، وتم بناء المدرسة 762 هجرية، لنجدها على شكل مربع يتكون من صحن أوسط يحيط به أربعة إيوانات، ويكون إيوان القبلة على الصحن بفتحة معقودة، وينقسم إلى قسمين كبيرين بأحدهما محراب كبير عمقه 1.5 متر، وتعد المدرسة من المدارس المعلقة حيث يصعد إليها عن طريق 7 درجات دائرية، ويقع مدخلها الرئيسى فى الجهة الشمالية الذى يؤدى إلى قاعة مربعة تؤدى من جهتها الشرقية إلى إيوان القبلة ومن جهتها الغربية إلى دهليز يقع خلف الإيوان الشمالى به سلم يؤدى للمئذنة، أما فتحة القاعة الجنوبية فتؤدى لصحن المدرسة، وليس لهذا الأثر مئذنة حيث انهارت منذ فترة بعيدة، وأهم ما يميز هذه المدرسة وجود نفق ليوصل لبيت القاضى، وهى معالجة معمارية أراد بها المعمارى أن يجعل هناك اتصالا بين حارة قرمز وبيت القاضى من هذا النفق، الذى تحول أيضا لجمع المخلفات، وإلقاء الحيوانات النافقة، حيث إنه فى ظل تلك الصعوبات التى تعانى منها مصر، يعلن الجميع أن الحل الأمثل للإنقاذ هو عودة النقد الأجنبى، وذلك عن طريق عودة السياحة وجذبها، بينما يتغافل الجميع أن معظم الآثار فى المحافظات الكبرى سقطت عن الخريطة السياحية، رغم تاريخها المعروف إلا أنها فقدت الهوية بسبب الإهمال. حسرة تصيبك عندما تصل إلى باب المسجد الذى حوى التاريخ والحضارة ومقابر صانعيه، فتقف على باب المسجد ليكن باستقبالك بركة من «تفل» الشاى و«طفى» السجائر على أرض ساحة المسجد وتعلو أدراج السلالم من الخارج وعلى الأعتاب، وتجد أبوابا مغلقة، وشروخا بقواعد الأعمدة وجدرانا متهالكة، وتهدم المبنى التاريخى، والتراثى، بالفعل تجد شروخا موجودة فى قواعد أعمدة المسجد التى تحمل السقفين، الداخلى الخشبى، والعلوى الخرسانى، ويفترش أرض المسجد سجاد بالية متآكلة بها بقع رطوبة تشربه السجاد من الأرض لبقائه فى مكانه فترات طويلة، والأثر مغلق على مصائبه، ويعانى المسجد فى حالة مزرية فهو بحاجة إلى استشارٍ على درجة كبيرة من الخبرة لأهمية المسجد والحاجة إلى أعمال صيانة تليق بتاريخه، لتطل على التاريخ المنسى والمهجور، والآيل للاندثار نتيجة إهمال ترميمه رغم تعرضه للإهانة وعدم الوعى بقيمته التاريخية.