لقب "حاج" في التراث الشعبي في مصر منزلة رفيعه، له مذاق ومدلول خاص، يعكس معانى الايمان والبشاشة والهيبة والوقار، ويفضله كثيرون بديلا عن ألقاب أخرى، مهما علت، كلقب دكتور ومهندس واستاذ، ويرى البعض في أداء فريضة الحج نقطة تحول تفرض عليهم تبعات وسلوكيات جديدة. ورغم اعتراض بعض الفقهاء على اللقب بوصفه "بدعة"، فان كثيرا من العلماء يراه من باب المجاملات المحمودة بين الناس مثل لقب "ياشيخ" مالم تحوي سمعة أو رياء، وأن يتحلى صاحبها بالاخلاق الحميدة التى تتماشى مع اللقب. وقد بدأ عودة حجاج بيت الله من الاراضى المقدسة "رحلة العمر" – كما يسميها البعض – إلى أرض الوطن، وارتفعت الاصوات بالزغاريد في المطارات والموانىء البحرية والبرية في كل ارجاء مصر المحروسة، بينما ازدانت البيوت بالالوان والرسومات الجميلة للكعبة المشرفة والمسجد النبوى، ووسائل النقل القديمة والحديثة كالطائرة والمركب والجمل.. إلى جانب عبارات التهنئة: الف مبروك ياحاج، وحج مبرور وسعى مشكور، وآيات القرآن الكريم: "ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا"، والاحاديث "الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة".. ومن الموروثات الشعبية للاحتفاء باداء الحج هناك اغانى واناشيد في الذهاب واخرى عند العودة من بينها: يارايحين للنبى الغالى هنيه لكم وعقبالي يا راحلين إلى منى سرتم وسار دليلكم منى السلام مع التحية بلغوا شوقى الشديد للنبى الهادي ثم الصلاة مع السلام مضاعفا وكذا التحية للنبى الهادي ومنها أيضاً ماهو خاص للنساء: حاجة يا حاجة ما تمدى يداك إوعى تخافى يا حاجة دا النبى دعاك ولعودة الحجاج إلى وطنهم وبيوتهم طقوس احتفالية، تختلف بحسب المستويات الاجتماعية والثقافية والإمكانيات المادية. وغالبا ما تبدأ المراسم الاحتفالية من المطار او الميناء اي منذ وصول الحاج الى بلده. فهناك من يذهب بكل أفراد الاسرة لاستقبال العائد من فريضة الحج ويصطحبون معهم الورد للتعبير عن فرحتهم بعودته سالما. وبعض آخر يبالغ في فرحته باصطحاب فرقة موسيقية لتزف الحاج بالطبل والمزامير والزغاريد. وآخرون يحملون لافتات كبيرة ويكتبون عليها عبارات دينية او "حمدالله على السلامة".. وعقب انتهاء مظاهر الاحتفال بالوصول تبدأ مراسم استقبال الضيوف والمهنئين بالمنزل. فمن ضمن العادات عند البعض لدى وصول الحاج الى بيته هي إقامة مأدوبات و ولائم، والاحتفالات التي تستمر نحو أسبوع ويحرص البعض على تزبين المنازل وكتابة بعض الآيات القرآنية عن الحج، واسم الحاج والحاجة، والسنة التي حج فيها، مع بعض الرسومات كالكعبة... ومن العادات الاجتماعية الواجبة هي جلب الهدايا للاهل والأقارب والمعارف؛ فهي عادة موروثة عن الاجداد عبر كل الازمنة. وبالرغم من أن شراء الهدايا هو أمر شاق و مكلف للبعض، الا ان الحاج يحرص على شرائها و في اغلب الأحيان تكون هدية رمزية مثل سجادات الصلاة (المصليات)، المسابح والمصاحف والسِواك والحنّاء والعطور والبخور والأقمشة والعباءات واللوحات القرآنية والأذكار والطواقي ؛ وتعتبر هذه الهديا كتذكار وكذلك كبركة كونها قادمة من الديار المقدسة اي لاسيما من مكةالمكرمة والمدينة المنورة . ومن اكثر وأجمل الهدايا التي يحملها الحجاج لأهل بيتهم هي ماء زمزم المبارك ، وكذلك "تمور الحج" فالتمور تعتبر هدية قيمة وذلك بالرغم من ان المملكة العربية السعودية تحتل المركز الثاني عالميا بعد مصر في إنتاج التمور الا ان الحجاج يعتبرون انهم جلبوا تمر فاخر ليس كأي تمر اخر لاسيما لكونه من البقاع المقدسة . ولعودة الحاج فى الموروث الشعبى أهازيج مختلفة مثل: سالمة يا سلامة ، والحاج رجع بالسلامة سالمة يا سلامة ، والحاج جانا بالسلامة سالمة يا سلامة ، والحاج عاد لنا بالسلامة "ثقافات وتقاليد" عمرها مئات السنين ، يعتز بها المصريون ويتمسكون بها ويمارسونها في استقبال ضيوف الرحمن، والكل يمنِى نفسه بان يكون في مثل هذه المكانة عائدا من الاراضى المقدسة بعد أداء مناسك الحج. وتحكى كتب التراث عن نوادر جميلة في احتفاء المصريين بعودة الحاج (او الحاجة) سالما الى وطنه، وبلده بعد رحلة كانت تستمر شهورا في القرون الماضية والآن اقل من شهر وربما عدة ايام في ظل التقدم الحديث لوسائل النقل، وكان بيت المحتفى به (الحاج) يعيش ايام عرس تستمر لنحو الشهر، يكاد لا يخلو فيها من الزائرين والمهنئين، حيث تقام الولائم وتذبح الذبائح وتوزع الحلوى والشربات، ويلبس الحاج طوال هذا الشهر الثوب الابيض والشال والعمامة البيضاء. وقبل اختراع الطائرة كان وفد القرية من الاعيان واقارب الحاج يطلق عليه الوفد الخاص، يبيت في الميناء قبلها بيوم او يومين، حتى يكون في شرف استقبال حجاج بيت الله الحرام، اما الوفد العام فكان يشكل عددا كبيرا من كل اهالي القرية يكتفى بتوصيل الحاج الى اقرب محطة قطار قبل توجهه الى الميناء. ويستمع الحضور باصغاء للقصص والحكايات التى يرويها الحاج عن رحلته في الذهاب والاياب وأداء المناسك، وما واجهه من مواقف طريفة او مشاق ومكابد ومخاطر احيانا خاصة للرحلات البرية حيث كانوا يقطعون مسافات طويلة تمتد لآلاف الاميال قبل اختراع الطائرة، ولا تكاد تخلو رحلة من هذه الرحلات البرية الطويلة من المفاجئات والمغامرات في الذهاب والاياب. ويؤكد العلماء ان رحلة الحج وهو الركن الخامس من أركان الاسلام، هي رحلة إيمانية تربوية يجب أن يكون لها اثر في حياة الحاج وتغيير سلوكه الى الاحسن، املا ان يكون الله قد غفر له كل ذنوبه وعاد من الحج كما ولدته امه. يذكر أن عدد الحجاج المصريين هذا العام بلغ نحو 80 ألف حاج، وقد أدوا مناسكهم بكل سهولة ويسر بفضل التنسيق والتعاون التام بين السلطات السعودية والمصرية، في أجواء إيمانية مستقرة وآمنة ولم تحدث أى حالات عدوى أو أمراض وبائية، وكانت حالات الوفيات طبيعية لم تتجاوز 50 حالة، وتستمر رحلات العودة لضيوف الرحمن حتى منتصف سبتمبر القادم.