تحضرنا في هذه الأيام المباركة ذكرى المولد النبوي الشريف على صاحبه أفضل الصلاة والسلام، ذكرى ميلاد الأمانة والصدق والحلم والرحمة والحياء والحكمة والشجاعة والسماحة وعفة اللسان وشرف الأخلاق والجهاد في سبيل الله. كيف ترقى رُقِيَّكَ الأنبياءُ.. يا سماءً ما طاولَتْها سماءُ لم يساووك في عُلاك وقد حال...سنًا منك دونهم وسناءُ إنما مثّلوا صفاتِك للناس... كما مَثّلَ النجومَ الماءُ أنت مصباحُ كل فضلٍ فما تصدرُ... إلا عن ضوئك الأضواءُ لك ذاتُ العلومِ مِن عالِم الغيبِ... ومنها لآدمَ الأسماءُ لم تزل في ضمائرِ الكونِ تُختارُ... لك الأمهاتُ والآباءُ ما مضت فترةٌ من الرسْلِ إلا...بشّرَتْ قومَها بك الأنبياءُ تتباهى بك العصورُ وتسمو... بك علياءٌ بعدَها علياءُ إن المولد النبوي ليس فقط مناسبة دينية تخص طائفة من البشر هم المسلمون إنه حادث جلل غير مسار التاريخ وآذن بانتهاء الخرافة والوثنية وعبودية الإنسان لأخيه الإنسان. لقد جاءت بعثة محمد صلى الله عليه وسلم لكي تعلم الناس أن الآدمي عبد لله.. سيد لكل شيء بعده، وأنه لا سلطان عليه إلا من الذي خلقه وسواه، وأنه لا مكان في الإسلام لجور الحكام أو لسطوة رجال الدين، وأنه يجب على الإنسان إعمال عقله ورفض الكهانة والعرافة والرجم بالغيب والتشاؤم، وأنه يجب عليه أيضًا أن يتعاهد نفسه بالإصلاح والتزكية فيبتعد عن الأخلاق السيئة مثل ( الغلظة والجفاء، بذاءة اللسان، التكبر على عباد الله، سلب الحقوق، الغش والكذب، خيانة الأمانة، الغيبة والبهتان، شح الأنفس، وعدم الصبر على المكاره) إلى آخر القائمة المنكودة التي حاربها رسول الله صلى الله عليه وسلم ونهى عنها أصحابه وسائر المسلمين إلى يوم القيامة. وحسبنا أن ننظر إلى العالم قبل البعثة النبوية فنرى إلى أي مدى انحط الإنسان إلى الدرك الأسفل من الجاهلية حتى لقد جاء في الحديث الشريف "إن الله اضطلع إلى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم إلا بقايا من أهل الكتاب" (رواه مسلم في صحيحه) ونرى إلى أي مدى استطاعت هذه البعثة المباركة أن تخرج المؤمنين بها من هذه الوهدة الزرية..