علماء الإسلام: يجب ترجمة أخلاق النبوة في شتي مناحي الحياة يحتفل المسلمون اليوم بميلاد سيد الخلق نبينا النور الهادي محمد صلي الله عليه وسلم الذي يعد مولده مرحلة فارقة في حياة المسلمين فقد أخرجهم من ظلمات الجاهلية والعبودية والظلم إلي فضاء ورحابة ونور الحرية والإيمان والعدالة. وفي الوقت ذاته يحتفل الإخوة المسيحيون بميلاد السيد المسيح عيسي رسول الله بعد أيام أيضاً وكلمته التي ألقاها إلي مريم عليهما السلام والذي يكن له المسلمون كل الحب والاحترام انطلاقاً من تعاليم الدين الحنيف التي تعتبر التصديق بجميع الرسل وعدم التفريق بينهم من أركان الإيمان التي لا يكتمل بدونها إيمان المسلم.. فرسالة الإسلام جاءت مكملة لما قبلها من رسالات سماوية أنزلها الله هداية للبشرية. د.حمدي طه الأستاذ بجامعة الأزهر يري أنها ليست مصادفة أن يأتي الاحتفال بمولد سيدنا رسول الله وسيدنا المسيح عليه السلام في شهر واحد فنحن كمسلمين يجب أن نحتفي ونحتفل بمولد السيد المسيح لأنه ركن من أركان ديننا أن نؤمن بأن السيد المسيح رسول الله وكلمة الله التي ألقاها إلي مريم عليها السلام وليعلم الجميع أن الإسلام يحتفي بجميع الأنبياء منذ آدم إلي سيدنا رسول الله.. فمن لم يؤمن بالسيد المسيح لا يكون إيمانه بالإسلام صحيحاً يقول الله سبحانه وتعالي "آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله" فرسل الله عندنا كلهم سواء لهم من الاحترام والتبجيل وعلو الهمة ومنهم سيدنا المسيح عليه السلام. ونحن نؤمن بأن الأنبياء كلهم إخوة جاءوا جميعاً بالدعوة إلي الإسلام لقول الله سبحانه وتعالي علي لسان إبراهيم "واجعلنا مسلمين لك" وقول سيدنا يعقوب لبنيه "يا بني لا تموتن إلا وأنتم مسلمون".. فالإسلام دين جميع الأنبياء وجاء في نهاية الزمن سيدنا رسول الله بدعوة إتمام تلك الأديان وهي الخلق القويم "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق".. فاحتفال المسلمين في العالم بمولد سيدنا رسول الله صلي الله عليه وسلم وهو نفس احتفال الناس في العالم بمولد سيدنا المسيح عليه السلام وليعلم أهل الكتاب من المسيحيين واليهود أننا نحتفي بسيدنا موسي وهارون كما نحتفي بسيدنا المسيح وسيدنا رسول الله صلي الله لا نفرق بين أحد منهم فالدين الذي جاء به سيدنا موسي هو نفسه الذي جاء به سيدنا عيسي وهو نفس الدين الذي جاء به سيدنا محمد رسول الله وهو الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقضاء والقدر خيره وشره فيجب أن نرفع راية الاحتفاء بالأديان في مولد هذين النبيين الكريمين سيدنا عيسي وسيدنا رسول الله. والاحتفال هنا يكون بالعودة إلي مكارم الأخلاق والبعد عن البذاءات وسوء الخلق والاعتداء علي الآخر واحترام صنع الله في الإنسان فلا نؤذيه بأي شكل من الأشكال وأن نعمر الأرض ونعلم بأن الناس سواسية كأسنان المشط وكلهم لآدم وآدم من تراب. هداية الناس يقول د.عبدالفتاح إدريس أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر: إن الهدف من بعثة الرسول هو هداية الناس من طريق الضلال إلي طريق الحق.. وقد بعث رسول الله صلي الله عليه وسلم بسبل هذه الهداية بما أوحي به إليه ربه ومثل هذا بعث عيسي وموسي عليهما السلام ومثلهم سائر الرسل السابقين. والمتأمل فيما أوحي به علي هؤلاء الرسل يجد أنها رسائل حق وهداية للبشرية فقد كان عيسي عليه السلام يجسد هذا الخلق الطيب والسلوك السوي الذي ينبغي علي الناس أن يترسموه في حياتهم ومثل هذا سيدنا محمد ونحوه من سائر الرسل. ولهذا فإن التأسي بهم في سلوكهم وأخلاقهم فرضه الله سبحانه وتعالي وأوجبه قال سبحانه "قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذا قالوا لقومهم إنا براء منكم وما تعبدون من دون الله".. وقال سبحانه في حق سيدنا محمد "لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر". وقد كان رسول الله صلي الله عليه وسلم يبين للناس دائماً أنه وسائر الرسل إخوة جاءوا برسائل هداية للبشرية فقال عليه الصلاة والسلام نفسه عن سائر الرسل السابقين "إنما مثلي ومثل الأنبياء قبلي كمثل رجل بني بناء فأحسنه وأكمله وأجمله إلا موضع لبنة فجعل الناس يطيفون به فيقولون: ما رأينا بناء أحسن من هذا إلا موضع هذه اللبنة. ألا وكنت أنا تلك اللبنة".. فهذا البناء هو ما أرساه الرسل السابقون واللبنة التي هي رسول الله تبين أن رسالته مكملة لرسائل الرسل السابقين وكان صلي الله عليه وسلم يقول عن نفسه وعن الرسل السابقين "نحن معشر الأنبياء أولاد علات ديننا واحد وأمهاتنا شتي" وهذا تشبيه مني صلي الله عليه وسلم بأن الديانات السماوية كلها دعوة لله سبحانه وتعالي وإن اختلف مسماها. ولهذا فإن الرسائل السماوية كلها جاءت لهداية البشر إلي طريق الحق وقد كان الرسل يبشرون ببعضهم البعض أي ببعثه بعضهم بعضا فقد بشر موسي ببعثة نبينا صلي الله عليه وسلم وبشر عيسي كذلك ببعثته وكل هؤلاء كانوا يدعون أتباعهم بأتباع هذا النبي ومعاونته ومآزرته وهذا وارد في القرآن الكريم وفي السيرة والسنة المطهرة فحري بالمسلمين وأتباع الديانات السابقة أن يتأسوا بنهج رسلهم في الحب والتآلف والتعاضد والتآزر وأن يكونوا جميعاً أخوة لأنهم يعبدون إلهاً واحداً جاءت كل الرسل تأمر بالإيمان به وحده وتأمر الناس بهديه والالتزام بشريعته لا فرق في ذلك بين مسلم وغير مسلم من أتباع الديانات السماوية. حلقات نورانية متصلة د.أحمد كريمة أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر يقول: من رحمة الله تعالي بعباده أنه أرسل إليهم صفوة خلقه "رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس علي الله حجة بعد الرسل" ورسالات الرسل عليهم السلام حلقات نورانية متصلة في سياق واحد تهدف كلها إلي إرشاد الخلق إلي الحق.. فسيدنا المسيح عليه السلام كما قال "ما جئت لأنفض الناموس ولكن لأكمل" والنبي محمد صلي الله عليه وسلم قال "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق". وفي هذه الأيام تحل علينا ذكري مولدين كريمين لأتباع هذين الرسولين عليهما السلام في أيام متقاربة فالمسلمون يحتفون بذكري نبي الرحمة "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين" والمسيحيون يحتفلون بسيدنا المسيح الداعي إلي المحبة.. فحينما تضاء مآذن المساجد وتدق أجراس الكنائس فالدلالات واضحة من الإخاء الإنساني والديني الذي يجب أن يسود في العلاقات الاجتماعية للبشرية فبدلاً من التناطح يكون التناصح وبدلاً من الفرقة يكون الوحدة لاسيما والعالم تجتاحه فتن متنوعة ومتعددة.. فهناك من عميت بصيرته ويلحد بالخالق العظيم سبحانه وتعالي وهناك من ينسب إلي دين ظلما وعدوانا ويمارسون الإرهاب والتطرف.. فالصهاينة يزعمون أنهم ينسبون إلي اليهودية التي جاءت علي أيدي يعقوب وداود وسليمان وموسي وهارون عليهم السلام والدواعش كإحدي فصائل السلفية الجهادية يدعون أنهم ينسبون إلي الإسلام.. هؤلاء وهؤلاء في حاجة إلي جهود رعوية من المسيحيين ودعوية من المسلمين لتصحيح مفاهيمهم المغلوطة وتصحيح أفكارهم الخاطئة بعزائم تعمل بفكر "وإنا وإياكم لعلي هدي أو في ضلال مبين".. فلا احتكار للحق أو حقيقة مطلقة بل الواجب البحث عن أرضيات للتعايش السلمي فقبول الآخر وإسعاد الإنسان كإنسان والبعد عما يسبب الشقاء والدمار والشحناء والبغضاء. خالص التهاني وعظيم الأماني للمسلمين في ذكري المولد النبوي المحمدي الشريف وللمسيحيين في مولد سيدنا يسوع المسيح عليه السلام. قال د.كمال زاخر -المفكر القبطي- ان الاحتفال بالمولد النبوي الشريف مصري خالص ونشأ في حضن مصر ويرجع إلي الحقبة الفاطمية واهتمام المصريين بالموروث الثقافي منذ ايام الفراعنة.. موضحاً ان الاحتفال يأخذ الصبغة المصرية اكثر من الدينية وموجود في كل بيت مصري حتي الاقباط. ولذلك نجد الاسر القبطية تشتري حلوي المولد مثل اخوانهم المسلمين. اضاف ان في هذه المناسبة تحرص كل الاطياف علي تبادل التهاني والهدايا والزيارات الاسرية ولكن عندما يأتي المولد النبوي مع بداية العام الميلادي وميلاد السيد المسيح يجعلنا نتأمل ونربط الاحداث مع بعضها وكأنها رسالة من عند الله لنا ان نعيش علي ارض واحدة وتربطنا مصالح مشتركة وليس لنا بديل غير ذلك سوي العيش المشترك. وكذلك نهر النيل الذي يربط بين كل المصريين وكله يُصب في الوحدة الوطنية وبشرة خير. اكد ان هذه الاعياد تحرك البعد الوطني لدي المصريين خاصة اننا مهددين في الوجود واصبح الصراع ليس النظام وجبهة او تشكيل معين ولكن للوجود المصري وهذا استشعره المصريون وحدث في 30 يونيو الذي لم يكن لها اي مطالب الا حماية الوطن ومواجهة الخطر. يؤكد د.ممدوح رمزي -محامي الكنيسة- اننا نعيش اعياداً مشتركة وتبرز مظاهر هذه الاحتفالات في الصعيد خاصة ان بعض المسلمين كانوا يصومون صيام السيدة العذراء مريم وفي المقابل كنا نصوم شهر رمضان المبارك ونفطر علي موائده المختلفة وهذا شيء مألوف وطبيعي وتكرر اكثر من مرة ودليل علي عمق المشاعر بين المصريين. اضاف: من الناحية التاريخية نجد ان المصريين أخوالهم مسيحيون.. عندما جاءوا لمصر تزوجوا من المسيحيين ومن هنا جاء التعاطف والتراحم وخاصة ان هناك تبادلاً في الاعياد والمشاعر الانسانية وهو امر ليس جديداً علي المصريين. فالسنة في مصر وسطية ولايوجد تشدد علي الاطلاق والشعب المصري مندمجون ومشاركون بعضهم البعض في الاعياد. يوضح د.هاني عزيز- امين عام جمعية محبي مصر السلام- ان تقارب الاعياد علامة واشارة ربانية تبارك اللحمة الوطنية بين نسيج الوطن والذي تجلي في اروع صوره خلال الاحداث الماضية. اضاف ان تزامن الاعياد مع بعضها البعض يعطي الفرصة لمعرفة تقاليد وعادات هذه الاعياد والتعايش والسلام الاجتماعي.. مشيراً إلي ان كل الرسل آمنوا بما احق وينفع به الانسان.