منح 36 مؤسسة تعليمية ب قنا شهادة الاعتماد    الجامعة البريطانية في مصر تطلق تخصصًا جديدًا بكلية إدارة الأعمال والعلوم السياسية    تعديل لائحة النقابة العامة للعاملين بالزراعة والري والصيد واستصلاح الأراضي    رئيس جامعة العريش يكرم الطلاب المشاركين في الكشافة البحرية    محافظ مطروح يتفقد تصميمات الرامبات لتيسير التعامل مع طلبات ذوي الهمم    دمياط تحيي ذكرى انتصارها التاريخي بوضع الزهور على نصب الجندي المجهول    البورصة: تراجع رصيد شهادات الإيداع لمدينة مصر للإسكان إلى 541 مليون شهادة    رئيس الوزراء يتفقد مركز سيطرة الشبكة الوطنية للطوارئ والسلامة العامة بالغربية    معهد بحوث البترول وجامعة قاصدى مرباح الجزائرية يوقعان اتفاقية تعاون مشترك    حماة الوطن يطالب بضرورة إعادة النظر في العلاقة الإيجارية    الموالح المصرية الأولى عالميًا بفضل الجهود الحكومية    سفارة روسيا بالقاهرة: نرحب بالرئيس السيسى صديقا عزيزاً لموسكو    سلطات الاحتلال الإسرائيلى تفرج عن 11 أسيرا من قطاع غزة    دخان وردى.. ناشطات فى الفاتيكان يطالبن بمشاركة نسائية فى اختيار البابا.. فيديو    الكرملين: الحوار بين روسيا والولايات المتحدة مستمر    عضو بالنواب: مصر تتحرك بثبات ومسؤولية لرفع المعاناة عن الفلسطينيين    وزير الشباب والرياضة ومحافظ بني سويف يتفقدان مركز التنمية الشبابية    ميدو : لاداعى للصيد في الماء العكر وتصريحاتى يتم تحريفها    فوز ناشئى اليد على التشيك وديا للمرة الثانية    الداخلية تضبط عصابتين لتصنيع المخدرات من عقار طبى بالقاهرة والجيزة    الطقس غدا.. موجة شديدة الحرارة وشبورة صباحا والعظمى بالقاهرة 36 درجة    تعليم الأقصر تعلن انطلاق قوافل المراجعة النهائية المجانية لطلاب الإعدادية.. صور    هشّم رأس شقيقه دفاعًا عن والده.. حبس المتهم في جريمة السمطا بقنا    ميزة جديدة في واتساب.. تلخيص الرسائل باستخدام الذكاء الاصطناعي من Meta AI    بغرض السرقة.. الإعدام شنقًا للمتهمين بقتل شاب في قنا    مبدعون ومنتجون يقدمون مقترحاتهم لتطوير دراما رمضان 2026.. تذليل العقبات الإنتاجية وتسهيل إجراءات التصوير فى الأماكن العامة.. التأكيد على عدم الاستغلال الخاطئ للحرية.. وقواعد وقوانين واضحة للعاملين فى الصناعة    زواج معلن وطلاق غامض.. حكاية بوسى شلبى والساحر محمود عبد العزيز    3 أبراج تحب بكل قلبها.. لكنها تجد أقل مما تستحق    ترى حفرة محاطة بالأشجار أم عين؟.. لغز يكشف مخاوفك من الحياة    رئيس الوزراء من مستشفى طنطا العام الجديد: هذا الصرح يضاهي أعلى المستشفيات بالعالم.. تكلفته مليار جنيه ويتوافر به 300 سرير.. مازال لدينا تحديات ونحتاج مزيدا من العمل.. وهناك مشروعات أخرى سيتم تنفيذها    نائب وزير الصحة يتفقد عدد من المنشآت الطبية بمحافظة أسوان    مستشار رئيس الجمهورية للشئون الصحية: تخصيص مليار جنيه للجينيوم المصرى    أطعمة فائقة التصنيع مرتبطة بزيادة الإصابة بباركنسون    غرفة المنشآت السياحية: الاستثمار في الإنسان هو الأذكى.. وتأهيل الطلاب للضيافة ضرورة لتطوير السياحة    الصفا الثانوية بنات يتفوق على كل أفلام علي ربيع في السينما (بالأرقام)    القومي للترجمة وكلية اللغات بجامعة مصر يوقعان اتفاق لتعزيز التبادل الثقافي    لازم تعرفي| نصائح للأمهات لتوعية أولادهن ضد التحرش    خالد بيبو: كولر ظلم لاعبين في الأهلي وكان يحلم بالمونديال    عاجل.. حسام حسن خارج قيادة منتخب مصر في كأس العرب 2025 وطاقم جديد يتولى المهمة    محافظ مطروح يتفقد أعمال النظافة والتطوير بشارع الريفية    أسقف المنيا للخارجية الأمريكية: الرئيس السيسي يرعى حرية العبادة (صور)    قصور الثقافة تحتفل بختام مشروع الحكي الشعبي غدا على مسرح السامر    وزير الصحة يستقبل نقيب التمريض لبحث تطوير التدريب المهني وتعميم الأدلة الاسترشادية    أمين الفتوى يكشف عن 3 حالات لا يجوز فيها الزواج: ظلم وحرام شرعًا    الإسماعيلي ضد إنبي.. الدراويش على حافة الهاوية بعد السقوط في مراكز الهبوط    ميدو يفجّرها: شخص داخل الزمالك يحارب لجنة الخطيط.. وإمام عاشور الأهم وصفقة زيزو للأهلي لم تكن مفاجأة    وزير خارجية إيران: زيارتي للهند تهدف لإنشاء لجنة اقتصادية مشتركة    وزير الري: كاميرات لقياس التصرف على ترعة الإسماعيلية    بوتين: التبادل التجارى مع الصين بلغ أكثر من 244 مليار دولار    موعد إجازة المولد النبوي الشريف لعام 2025 في مصر    الحماية المدنية تسيطر على حريق نشب بهيش داخل أرض فضاء بالصف.. صور    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 8-5-2025 في محافظة قنا    الكرملين: محادثات بوتين وشي جين بينج في موسكو ستكون مطولة ومتعددة الصيغ    الجيش الباكستاني يعلن إسقاط 12 طائرة تجسس هندية    انخفاض سعر الذهب اليوم وعيار 21 يسجل 4810 جنيهاً    بروشتة نبوية.. كيف نتخلص من العصبية؟.. أمين الفتوى يوضح    سبب إلزام النساء بارتداء الحجاب دون الرجال.. أمين الفتوى يوضح    خبر في الجول - أشرف داري يشارك في جزء من تدريبات الأهلي الجماعية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في ذكري ميلاد خاتم المرسلين صلي الله عليه وسلم
آخر رسائل السماء للأرض
نشر في الجمهورية يوم 23 - 12 - 2015

تعيش الأمة الإسلامية والعالم أجمع ذكري ميلاد مخلص البشرية من عبادة الإنسان والعنصرية المقيتة ومحرر العبيد سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم أنه عام الفيل ذلك العام الذي مضي عليه 1489 عاماً حيث انتصرت السماء علي أعداء بيت الله في ارضه فكان بمثابة عام فارق بين زمانين كبيرين هما زمن عبادة البشر وزمن عبادة الله الواحد الأحد وقد أكد عام الفيل بأحداثه أن تغيراً قد طرأ علي الكون وأن الله سبحانه وتعالي شاءت ارادته أن يمحو ما لحق بالكون من ظلم وظلام وآن للنور أن يعم وأن ينتشر وآن للضعفاء أن يدركوا انهم متساوون تماماً بتمام مع الجبابرة الكبار بل قد يكونوا خيراً منهم فكان مولده صلوات الله وسلامه عليه الذي بدأ بتحرير السيدة التي أبلغت عمه بخبر المولد وكانت أمة مملوكة لأبي لهب وكان مولده الذي بدأ بانتصار مكة علي اعدائها فتأكدت قداستها بحمايتها من قبل السماء كما بدأ عصر مكارم الاخلاق التي كانت قد تراجعت كثيراً وعصر توحيد الله الذي اشرك به اغلب اهل الأرض ومن نجا من الشرك عاش في حيرة البحث عن الحقيقية متقلباً بين مذاهب وتوقعات وافكار كان مولده فكانت المفاجأة الكبري لليهود الذين ينتظرونه منهم فكان من العرب فبدأ بحثهم عنه للتخلص منه مثلما حاولوا مع سيدنا عيسي عليه السلام وها نحن نعيش ذكري مولده واتباعه يعيشون اسوأ حالات التمزق والاختلاف فهل تعيدنا الذكري إلي صوابنا؟
يوصف عام ميلاد النبي محمد صلي الله عليه وسلم بأنه نقطة البداية للثورة علي العنصرية البشرية.. وميثاق رفض العنصرية القائمة علي التفرقة بسبب اللون أو الجنس أو الدين.. وهذا ما ترجمه صاحب ذكري المولد في سيرته بعد بعثته برسالة التوحيد بقوله: "كلكم لآدم وآدم من تراب.. لا فضل لعربي علي عجمي ولا لأبيض علي أسود إلا بالتقوي".
يتذكر الدكتور عبدالمقصود باشا استاذ التاريخ الإسلامي بجامعة الأزهر يوم انطلقت "ثويبة" جارية أبي لهب إلي سيدها تبشره بمولد ابن اخيه "محمد" صلي الله عليه وسلم حيث طغت السعادة علي قلب العم بمولد اليتيم ليكون عوضا لبني هاشم عن موت أبيه عبدالله قبل ذلك بأسابيع.
ولم يجد "أبولهب" ما يكافئ به "ثويبة" علي تلك البشري السعيدة سوي أن يعتقها بما يمثل إشارة واضحة إلي أن المولد الشريف كان إيذانا ببدء عملية "التحرير" الكبري للبشر من العبادة والعبودية لغير الله الواحد القهار.
مشيرا إلي أن النبي صلي الله عليه وسلم ورث عن أبيه جارية واحدة هي حاضنته "أم أيمن" وفور بلوغه مبلغ الرجال اعتقها وزوجها من مولاه زيد بن حارثة الذي اعتقه هو الآخر وكان يقول عن أم أيمن: هذه بقية أهل بيتي وكانت أم أيمن تحتد أحيانا في حديثها معه فما كان عليه السلام إلا الابتسام كما أعتق الرسول أيضا ريحانة بنت زيد وأبا رافع وأسلم وثوبان وأبوكبشة سليم وشقران واسمه صالح ورباح ويسار ومدعم وكركرة وهم من النوبيين كما اعتقد سفينة بن فروخ واسمه مهران وانجشة الحادي وذكوان ومهران ومروان وكذلك حنين وسندر وفضالة ومأبور وأبو واقد وواقد وقسام وأبوعسيب وأبومويهبة رضي الله عن الجميع وكذلك اعتق النبي سلمي أم رافع وميمونة بنت سعد وخضيرة ورضوي وريشة وأم ضمير النبي عليه السلام تطلب معونته في فك أسرها فدفع النبي لثابت بن قيس ما يجب عليها وتزوجها صلي الله عليه وسلم وبهذه الزيجة تحرر كل بني المصطلق من الأسر إذ انتشر الخبر بين الصحابة فقالوا جميعاً: أصهار رسول الله في الأسر وانطلقوا فحرروهم جميعا بلا مقابل حتي تقول السيدة عائشة رضي الله عنها "أعتق بتزويج جويرية من النبي أهل مائة بيت فلا أعلم امرأة أعظم بركة علي قومها منها" وقد اتبع النبي عليه السلام هذا الأسلوب الحكيم لتحرير الأسري بطريقة غير مباشرة ايضا مع أسري هوازن وثقيف وكانوا ستة آلاف نسمة فعندما جاءه وفد القوم مسلمين وناشدوه إخلاء سبيل أسراهم قال لهم: "ما كان لي ولبني عبدالمطلب فهو لكم" وأرشدهم إلي أن يأتوا وقت الصلاة ويستشفعوا بالنبي إلي المسلمين ففعلوا فقام النبي وسأل الناس أن يخلوا سبيل الأسري ولكن رجل لا تطيب نفسه بالتخلي عن أسيره ستة من الإبل من أية غنائم تأتي إلي النبي في أقرب وقت ممكن تعطي له مقابل كل نفس يطلق سراحها فقال المهاجرون: ما كان لنا فهو لرسول الله وقال الأنصار: ما كان لنا فهو لرسول الله وهكذا حرر النبي كل الأسري ولكن بأسلوب غير مباشر كما حدث في غزوة بني المصطلق.
يقول الدكتور جمال فاروق عميد كلية الدعوة الإسلامية جامعة الأزهر بعد فتح خيبر وقعت صفية بنت حيي بن أخطب زعيم اليهود في الأسر وكان أبوها وأخوها وزوجها قد قتلوا جميعاً في المعركة فقال دحية الكلبي رضي الله عنه للنبي صلي الله عليه وسلم بعد المعركة : "يا رسول الله اعطني جارية من سبي يهود" فقال له عليه السلام: "إذهب فخذ جارية" فذهب دحية فأخذ صفية فرآها الصحابة فعرفوها فانطلقوا إلي النبي صلي الله عليه وسلم سراعا هاتفين: يا رسول الله إنها سيدة بني قريظة والنضير ما تصلح إلا لك فأعطي الرسول لدحية عوضاً عنها وضمها إليه وخيرها بين العتق وإطلاق سراحها إن أرادت البقاء علي يهوديتها والرحيل مكرمة بعد عتقها أيضا ووافقت صفية رضي الله عنها فوراً علي الزواج من النبي قائلة: "يا رسول الله لقد هويت الإسلام وصدقت بك قبل أن تدعوني وخيرتني بين الكفر و الإسلام فالله وميمونة بنت عسيب رضي الله عنهن وذكر الصنعاني في "سبل السلام" كتاب العتق نقلا عن صاحب كتاب "النجم الوهاج" أن الرسول صلي الله عليه وسلم أعتق ثلاثة وستين نفسا بعدد سنوات عمره الشريف واعتقت زوجته السيدة عائشة رضي الله عنها وحدها سبعة وستين عبدا وجارية بعدد سنوات عمرها ايضا واعتقت السيدة خديجة بنت خويلد زوج النبي عليه السلام عشرات من العبيد والجواري قبل وبعد الإسلام رضي الله عنها واعتقت السيدة أم سلمة عشرات العبيد رضي الله عنها.
بينما اشار الدكتور فرحات عبدالعاطي عميد كلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر إلي أن ميلاد المصطفي صلي الله عليه وسلم كان بمثابة فجر جديد في تاريخ العلاقات البشرية وتحطيم أغلال الفوارق الاجتماعية بين الناس جميعا حيث لم يكتف النبي صلي الله عليه وسيلم بتحرير العبيد بل سارع لدمجهم في حياة من كانوا يملكونه بدليل أنه عليه السلام خطب ابنة عمته الحسيبة النسيبة زينب بنت جحش لمولاه زيد بن حارثة في وقت كان القوم مازالوا حديثي عهد بالجاهلية وفخرها بالأحساب والانساب فوجدوا في أنفسهم ضيقاً شديداً وحرجاً بالغاً من هذه الزيجة التي اعتبروها غير متكافئة بل تلحق بهم العار طبقا لما كان عليه العرب في الجاهلية من أعراف وتقاليد لكن الله تعالي وافق نبيه ونهي المسلمين عن مخالفة أمره قال تعالي: "وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضي الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا" فلما نزلت الآية قالت زينب رضي الله عنها: "إذا لا أعصي الله ورسوله قد أنكحته نفسي" وقال أخوها عبدالله بن جحش رضي الله عنه: "يا رسول الله مرني بما شئت" بل إن "زيداً" رضي الله عنه هو الصحابي الوحيد الذي ذكره الله تعالي في القرآن الكريم بالاسم صراحة ولم يظفر بهذا الشرف الرفيع الصديق أو الفارق رضي الله عنهما.
مضيفا: أن الحارث بن ضرار زعيم بني المصطلق كان عدواً شديد الضراوة للمسلمين وعندما هزمهم المسلمون ووقع فيها كل بني المصطلق في الأسر وكان من بين الأسري ابنته جويرية فجاءت إلي ورسوله أحب من العتق ومن الرجوع إلي قومي.. فتزوجها عليه السلام وجعل عتقها صداقة ورفع رسول الله صلي الله عليه وسلم منزلة سيدنا سلمان الفارسي من عبد سابق بالإسلام إلي أحد أهل بيته عليهم السلام أجمعين وشاء قدر الله أن يمتد بسلمان العمر حتي تولي إمارة المدائن بلاد فارس في عهد الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه وبذلك تولي العبد السابق حكم بلاده الأصلية بعد زوال حكم كسري بعد الفتح الاسلامي ووصف أمير المؤمنين الفاروق عمر بلال بن رباح بأنه سيده وهو الذي كان عبداً مغموراً ضائعاً في شعاب مكة قبل الإسلام.
مكارم الأخلاق .. هدف الرسالة
العالم في حاجة إلي ثورة تعيده إلي قيم الأديان
الدكتور محمد الشحات الجندي عضو مجمع البعوث الإسلامية والاستاذ بجامعة حلوان يقول: إننا في هذه المناسبة الكريمة التي تحتفل بها الأمة بمولد نبي الرحمة محمد صلي الله عليه وسلم يلزم علي ابناء الأمة جمعاء أن يستعيدوا بعض ما جاءت به رسالة الاسلام التي كانت فتحاً مبيناً لعالم سيطرت عليه قوي الشر والبغي والمنكرات ولعل من أبلغ هذه الدروس التي جاء بها النبي صلي الله عليه وسلم والتي كانت بعثاً جديداً لترسيخ الاخلاق في ضمير وسلوك المسلم وهنا يتجلي في أن الإسلام بمنظومته الجامعة يحتوي علي العقيدة والشريعة والاخلاق.
ويعني ذلك أن الأخلاق هي ترجمات للعقيدة والشريعة ولا يكون المسلم مسلماً حقاً إلا بإحياء الأخلاق التي وصف الله سبحانه وتعالي رسوله الاكرم بقوله: "وإنك لعلي خلق عظيم" وأنه صلي الله عليه وسلم أكد هذه الحقيقة بقوله عن رسالته: في حديث "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق" مما يدل علي أن رسالة الإسلام في جوهرها ومغزاها إنما هي مجسدة لمكارم الاخلاق وهو لفظ جامع يشمل كل المعاني السامية من الصبر علي المعاناة والقول الحسن والفعل الطيب ومقابلة الاساءة بالحسني والرحمة والعدل والصدق وتكريم كل إنسان واعتبار أن المسلمين بل والإنسانية جمعاء إخوة عليهم أن يتعايشوا معاً ويتقبل كل منهم الآخر ويحسن كل مسلم إلي أخيه المسلم وإلي اخيه في الانسانية وهو ما عبر الله سبحانه وتعالي عنه بقوله: "وقولوا للناس حسنا" وقوله "خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين" وبمقابلة السيئة بالحسنة بقوله تعالي: "ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم".
أضاف الجندي: فجدير بالمسلم أن يقتدي بالرسول الأكرم الذي يضرب أروع المثل في الصبر والتحمل علي الأذي والاضطهاد والحصار وكان مثالاً يحتذي به علي الاحسان والرحمة مع من خالفه وعاداه وهو ما جاء في قوله تعالي: "فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل علي الله..".
وقال د. الجندي: إذا تأملنا حال المسلمين في هذا العصر وفي واقع مجتمعاتنا نجد أن هناك تراجعاً مخيفاً في أخلاق المسلم في تعامله مع اخوته وأهله ورفاقه وزملائه في العمل ونجد أن هناك شعوراً بالأنانية المفرطة وحب الذات والانغماس في امور بعيدة عن السلوك القويم للمسلم مما أحدث فجوة عميقة في بنيان العلاقات بين أبناء المجتمع الواحد وأحدث خللاً في تعامل الناس مع بعضهم البعض وأورث اشكاليات برزت بسبب هذه التغيرات التي اصابت ضمير المسلم وابعدته عن اخلاص المراقبة لله تعالي والاقتداء برسوله الامين وبالصحابة الكرام وبما كان عليه سلف الامة الصالح فحري بنا مع هذه الذكري العظيمة أن نسترجع خلق المصطفي صلي الله عليه وسلم في أقوالنا وأفعالنا ومنهجنا في تعاملنا مع بعضنا البعض فهذا كفيل مع التمسك بتعاليم الاسلام الاخري التي جاء بها الرسول الأعظم صلي الله عليه وسلم بأن تعود للمجتمع قوته وأن تعود للأمة ريادتها.
الدكتور محمد نبيل غنايم استاذ الشريعة الاسلامية بكلية دار العلوم جامعة القاهرة يقول: لقد امتدح الله رسولنا الكريم فقال: "وإنك لعلي خلق عظيم" ولم يمدحه بكثرة صلاة ولا قيام الليل ولم يمدحه بحج.. ولم يمدحه بكثرة صيامه ولا بكثرة صدقته ولا بشيء آخر أكثر ممن امتدحه بالخلق ووصف درجته فيه بالعظمة كما قال عن سيدنا عيسي عليه السلام مخاطباً السيدة مريم: "إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسي ابن مريم وجيهاً في الدنيا والآخرة ومن المقربين ويكلم الناس في المهد وكهلا ومن الصالحين" فأين نحن من هذين النبيين الكريمين وقد قال الله تعالي "قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم" وقال أيضا "لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا" فإذا كان رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق فأين هذه الأخلاق الآن؟ وكيف نكون مسلمين بغير هذه الأخلاق الكريمة التي بعثت بها الانبياء وجاء آخر رسول لإتمامها وترسيخها إذا لم نتخلق بهذه الاخلاق الكريمة فنحن إذن في طريق آخر غير طريق الانبياء بل كلما تركنا خلقاً واحداً من هذه الأخلاق ابتعدنا كثيراً عن طريق الانبياء وعن طريق الله سبحانه وتعالي الذي يؤدي إلي نعيم الدنيا والآخرة.
أضاف د. غنايم: كيف نطمع في جنة الله تعالي ومغفرته ورضوانه ورحمته واحسانه ونحن نتباعد عن اخلاق الانبياء والمرسلين ألم يقل رب العالمين "يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين" فكيف نكذب بعد هذا الامر الالهي وكيف نتجرد ورسولنا هو الصادق الأمين؟.. ألم يقل رسول الله صلي الله عليه وسلم "لا دين لمن لا أمانة له" فكيف ضيعنا الأمانة واستبدلنا بها الخيانة وكيف نتجدد من الرحمة ويقتل بعضنا بعضا ويهجر بعضنا بعضا ألم يقل رب العالمين وأصبح عنواناً لرسالتنا "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين" وكيف نقطع أرحامنا ونؤذي ونخاصم جيراننا ورسولنا صلي الله عليه وسلم يقول: "من أراد أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أجله فيصل رحمه" ويقول "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحسن إلي جاره" ويقول: "ما آمن من بات شبعان وجاره جائع ما آمن من لم يأمن جاره بوائقه" إلي غير ذلك من مكارم الاخلاق التي جاء بها النبي صلي الله عليه وسلم وحث عليها حتي جعل المتخلقين بها معه في الجنة.. حيث قال: "ألا أنبئكم بأقربكم مني مجلساً يوم القيامة قالوا بلي قال: أحاسنكم أخلاقاً الموطأون اكنافا الذين يألفون ويؤلفون" فأين نحن من كل هذه الأخلاق علينا أن نتدارس القرآن ونتدبر سنة الحبيب -صلي الله عليه وسلم- وسيرته العطرة وسير إخوانه الانبياء فمن لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فلا صلاة له ومن لم يدع قول الزور والعمل به فلا صيام له و"هكذا ترتبط جميع العبادات بمكارم الأخلاق فمن ضيع الأخلاق فقد ضيع العبادات والدين كله.. والله ولي التوفيق".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.