فى مطلع عشرينيات القرن الماضى، جعلت سيدة مُسنّة تُدعى خضرة شعيرة، من منزلها الريفى بدمنهور، سكنًا لطلاب مدرسة المعلمين المغتربين عن ديارهم للدراسة فى المدينة، وبينما تجلس فى فناء دارها المشيد بالطين؛ إذ بقوة من رجال الشرطة تداهم المنزل للقبض على عددٍ من الصِّبية المختبئين بداخله، فتُنكر وجودهم، لكن أحدهم يخرج من الغرفة التى استأجرها ويكذّبها. بُهتت السيدة التى وقفت بجسدها الواهن تدافع عن طلبة فى عمر السادسة عشرة، جعلوا من المكان وكرًا للاختباء من ملاحقات الأمن، وحين سُئلت عن الطلاب، الذين كان يتزعمهم صبى اسمه حسن البنّا (مؤسس جماعة الإخوان فيما بعد)، أجابت: «خرجوا منذ الصباح ولم يعودوا»، قاطعها صوت البنّا، من الداخل يخبر الضباط أنه فى البيت، فصمتت «شعيرةُ» واستأنفت ما كانت تفعل. النظام الخاص مرّت بضع سنوات، وأسس البنّا جماعة الإخوان (1928)، ومع العقدين اللذين تليا التأسيس، سار أعضاء الجماعة على المنهاج الذى أصّله، فى العمل السرى والاختباء منذ كان طالبًا بمدرسة المعلمين، السابق ذكرها؛ إذ اعتمد المؤسس على المعسكرات الداخلية لتربية أفراد الجماعة، وجنّد طلاب الجامعات لاستئجار مساكن وشقق مفروشة لإقامتهم، ومن ثم جعلها أوكارًا تحت تصرف القيادات. وبحلول الأربعينيات أنشأ المرشد الأول ما عُرف بالنظام الخاص (نظام سرى عسكرى فى 1940)، كان يتخذ من الشقق المستأجرة مخابئ لأفراده وأماكن لتصنيع السلاح، ورد ذلك فى كتاب «حقيقة النظام الخاص» للمؤلف محمود الصبّاغ (مؤرخ الجماعة وأحد قادة التنظيم)، ولفت إلى أن الشقق التى كان يستأجرها الإخوان المتطوعون للسفر والقتال فى فلسطين نهاية الأربعينيات، كانت أوكارًا لهم، وبداخلها اشتبكوا مع قوات الشرطة المكلفة بالقبض عليهم، مستخدمين الأسلحة الرشاشة، والقنابل اليدوية التى صنّعوها فى الورش. الإخوان يكذّبون الإخوان فى عام 1947، داهمت قوات الشرطة المصرية أوكار 50 فردًا من الإخوان، ووثقت الموسوعة الإلكترونية للجماعة «إخوان ويكي» رواية مناقضة لما ذكرها مؤرخ الجماعة، فوفقًا ل«ويكى إخوان» صُنفت القضية المعروفة آنذاك ب«قضية الأوكار» على أنها كانت ضمن الحرب النفسية، التى كانت تمارسها الحكومة على الجماعة؛ لإبطاء تقدمها فى مجال الدعوة. وزعمت أن المطلوبين من الإخوان أُلقى القبض عليهم من منازلهم بأحياء عدة؛ ما يعنى أنهم لم يقترفوا جريمة يُساقون على إثرها إلى السجون؛ إذ أوردت: «تم اتهام خمسين فردًا من جماعة الإخوان المسلمين -الخطرين فى نظر الحكومة- فى هذه القضية باتهامات مختلفة، وقبضوا عليهم فى منازلهم فى كل من روض الفرج، شارع شبرا، شارع السندوبى، الجيزة، وسموا هذه المنازل أوكارًا للإخوان المسلمين. المزارع.. ملجأ جديد فيما لفت محمد حبيب النائب السابق لمرشد الإخوان، والمنشق عن الجماعة عام 2010، إلى أن الإخوان على مدار 40 عامًا منذ السبعينيات حتى 2011، لم يكن لديهم مجال للعنف، وكانوا حريصين على الابتعاد عن تلك المنطقة، لاعتبارات عدة، منها مواءمات مع النظام الحاكم وقتذاك. وأضاف فى تصريح له بتاريخ 28 يناير 2017: «لجأ النظام الخاص إلى فكرة المزارع فى بداية الأربعينيات، واستخدمت لتخزين الأسلحة التى جمعها الإخوان للجهاد على أرض فلسطين لمواجهة الصهاينة، والجهاد على ضفاف القنال ضد المحتل الإنجليزى، إلا أن مجموعة من الإخوان خرجوا عن المسيرة المحددة، وكانت النتيجة تنظيم عمليات اغتيالات منها محمود فهمى النقراشى باشا رئيس الوزراء، والقاضى أحمد الخازندار خلال عام 1984». وخلال وجود الإخوان فى البرلمان المصرى منذ مطلع الألفية الثالثة (2000-2005-2011)، سعت الجماعة إلى تقديم تسهيلات للنواب؛ لشراء أراضٍ فى الظهير الصحراوى لبعض المحافظات؛ لتكون وسيلة اقتصادية وجغرافية آمنة للجماعة، إضافة إلى تخصيص تلك الأراضى النائية بعيدًا فى المحافظات؛ لإقامة عدد كبير من المعسكرات الشتوية والصيفية داخل تلك المزارع. وفى يونيو الجارى، كشفت الاعترافات، التى أدلى بها المتهمون من عناصر الجماعة أمام نيابة أمن الدولة العليا فى قضية اللجان النوعية بمحافظة الفيوم (جنوب غرب القاهرة) -التى ضمت 152 متهمًا أحيلوا إلى القضاء العسكري؛ لارتكابهم 29 جريمة إرهابية- اتخاذهم مقرًّا تنظيميًّا بمزرعة دواجن بقرية الإعلام بمحافظة الفيوم؛ للاختباء بها فى أعقاب تنفيذ عمليات اغتيال لعناصر أمنية، وإخفاء المتفجرات التى كانوا يصنّعونها. سراديب البقاء تفننت الجماعة فى البحث عن سراديب أخرى تضمن البقاء، وتحافظ على سرية وجودها؛ إذ اتخذوا من شقق النقابات، والشقق داخل المناطق والقطاعات التابعة للجماعة أوكارًا لعقد الاجتماعات والأنشطة الخاصة، مضيفًا أنه تم تحويل بعض من فصول المدارس الخاصة لمقرات بديلة تُعقد بها اجتماعات تنظيمية. وبعد عزل الجماعة عن الحكم عبر ثورة 30 يونيو، ظهرت جماعات تتبع الإخوان، منها «العقاب الثورى، لواء الثورة، وحسم»، وسارت على درب النظام الخاص فى حمل السلاح، وانتهاج العنف، والاختباء فى شقق سكنية بالظهير الصحراوى والمدن الجديدة.