اليوم سنصطحبك فى رحلة لأحد أعرق وأهم القصور الملكية هو قصر مؤسس دولة مصر الحديثة محمد على باشا فى شبرا الخيمة، والذى اختار موقعه ليكون بعيدًا عن مقر الحكم والذى كان وقتها بقلعة صلاح الدين الأيوبى، ويكون هذا القصر مكانًا للاسترخاء والاستجمام لاستعادته الطاقة والراحة والهدوء. هذا هو قصر محمد على بشبرا وهو تحفة معمارية امتزج فيها الطابع التركى بالطراز الأوروبى ليجسد تفردًا غير مسبق فى البناء والتشييد، فعلى ضفاف نهر النيل العظيم وبالتحديد فى منطقة شبرا الخيمة ليجسد قصر محمد على خصوصيته المنفردة فى البناء والتشييد. سترجع معنا إلى أوائل القرن التاسع عشر وبالتحديد عام 1809 أى قبل مذبحة القلعة فكر مؤسس الدولة الحديثة محمد على باشا فى إقامة قصر كبير للراحة والاستجمام وهو متحف من نوع خاص فكل حجر فيه وكل فسيفساء بجدرانه هى بمثابة تحفة جداريه لا مثيل لها، ويقع القصر على مساحة 50 فدانًا فى أرض متسعة امتدت حتى بركة الحاج، وتم زراعة وغرس العديد من الأشجار والنباتات النادرة وأقام عددًا كبيرًا من البساتين. واعتمد تصميم القصر فى جوهره على الحدائق الشاسعة المحاطة بسور ضخم تتخلله أبواب قليلة العدد، ويتم تشييد عدة مبان كل منها يحمل صفة معمارية مميزة ومنفردة، أى يكون لكل مبنى صفاته المعمارية الخاصة، ولهذا اختيار محمد على هذا المكان البعيد ليكون هو المهرب من مشكلات الحكم وبعيدًا عن مناطق الصراع، وجاءت عمارة القصر على نمط جديد لم تعرفه مصر من قبل، وساعدت المساحة الشاسعة للموقع الجديد على اختيار طراز معمارى من تركيا، هو طراز قصور الحدائق والذى شاع فى تركيا على شواطئ البوسفور والدردنيل وبحر مرمرة. وتم بناء القصر على عدة مراحل استغرقت أكثر من 13 عامًا ابتداء من عام 1808 حتى عام 1821، ففى عام 1809 سقط سقف القصر بعد انتهاء بنائه فى مايو 1809 فأعيد بناؤه مرة أخرى وفى 1812 أنشأ محمد على عددًا من السواقى لتوفير المياه للقصر والحدائق، وأضيف إلى القصر سرايا الجبلاية فى عام 1836 وهو عبارة عن مساحة مستطيلة أبعادها 76.5 متر × 88.5 متر، وتتكون من طابق واحد وتفتح بأواسط أضلاعه أربعة أبواب محورية يتقدم كل باب سقيفة ويشغل كل ركن من البناء حجرة تبرز من الواجهة كأنها برج ويتوسط البناء حوض تتوسطه نافورة تنخفض عن أرضية البناء وقد اشتهر القصر باسم قصر الفسقية لوجود نافورة كبيرة به، وأشرف على الإنشاء مشيد عمائره ذو الفقار كتخدا وهو أحد أمهر المهندسين فى هذا الوقت. وكان قصر محمد على باشا هو سببًا رئيسيًا فى إنشاء شارع شبرا والذى بدأ إنشاؤه فى عام 1847، وكان هدف محمد على إقامة طريق ممهد للوصول إلى القصر، وأن يكون أيضًا مكانًا للنزهة والترويح عن النفس خارج العاصمة ليكون الشارع أعرض شوارع مصر فى هذا العهد وأكثرها استقامة. وعلى الرغم من أن القصر هو تحفة معمارية وهو أقرب القصور لضفاف النيل إلا أن يد الإهمال التى طالته لم ترحمه وظل بين الأطلال، ولم يقتصر الأمر على الإهمال بل تطاولت عليه أيدى السارقين والمخربين فتعرض القصر مؤخرًا لمجموعة من عمليات السطو والتخريب المتعمد، وكأن لعنة أصاب القصر الذى يبلغ من العمر 209 أعوام والذى كان يتربع على قمة القصور الملكية من حيث المكان والتاريخ وعظمة البناء والمعمار الهندسى والذى ضم فى بداية نشأته 13 مبنى منها قصور ومبانى خدمية وأبراج ساقية ومبانى الخدم والحراسة، لتتساقط أوراق النباتات النادرة وتصدأ الأبواب ويفعل الزمن بسوره العظيم ما يفعل ليتحول القصر المتفرد لأرض خراب.