فى عصر الأسرة ال21 من تاريخ مصر الفرعونية عاش الحكيم لقمان، أحد حكماء مصر، والذى كان بنص القرأن الكريم مضرب المثل فى التوحيد يقول تعالى، «ولقد آتينا لقمان الحكمة»، وقوله تعالى: «وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه يا بنى لا تُشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم»، وعُرف الحكيم لقمان بأنه مصرى الجنسية والمولد. وقد أحصاه العديد من المؤخين بأنه أحد أهم فضائل مصر فيقول الكندى فى كتابه «فضائل مصر»: وكان بمصر لقمان الحكيم، وكان بالتحديد من أقصى صعيد مصر، أى من جنوب البلاد وتحديدًا بلاد النوبة والتى كان يُطلق عليها «سودان مصر»، وهناك تراث كبير يربط بين «لقمان» الحكيم ومصر أو صعيد مصر على وجه التحديد. وقال الشهرستانى فى كتابه «الملل والنحل»، إن لقمان كان معاصرًا لزمن نبى الله داود، ويذكر ابن كثير فى تفسيره، أن الله سبحانه وتعالى ذكر لقمان الحكيم بأحسن الذكر وآتاه الحكمة، وأورد ابن كثير عن قتادة قوله: أن جبريل اتى «لقمان» وهو نائم فذّر «رش» عليه الحكمة فأصبح ينطق بها، وأورد فى تفسيره أيضًا أن لقمان كان عبدًا صالحًا، من الاتقياء الحكماء إلا أنه يكفيه أن الله سبحانه قد آتاه من لدنه الحكمة كما ذكره فى القرآن الكريم فى موضع الإشادة والتكريم، كما أن ب«اسمه» قد سميت سورة كاملة من سور القرآن الكريم، وهذا الحكيم أحد المصرين الذين وصفهم بعض المدّعين بأنهم وثنيون ومشركون. ونظرًا للحكمة البالغة ل«لقمان» فقد زار عدد غير قليل من حكماء اليونان مصر للتعلم من حكمة لقمان، ويذكر القفطى فى كتابه «إخبار العلماء بأخبار الحكماء» أن «أنبدقليس»، أحد كبار حكماء اليونان وأول الخمسة المعروفين بأساطين الحكمة وأقدمهم زمانًا، أخد الحكمة عن لقمان الحكيم، ثم انصرف إلى بلاده اليونان وأفاد بما تعمله على يد لقمان الحكيم. وكذا امتدت حكمة لقمان الحكيم إلى العرب قبل الإسلام، وقول الدكتور جواد على فى كتابه «تاريخ العرب قبل الإسلام»: عرفه عرب ما قبل الإسلام وكانوا يصفونه بالحكمة، ولذا السبب عُرف بين الناس وفى الكتب ب«لقمان الحكيم»، وقد ذكر الرواة أن عرب ما قبل الإسلام كان ليدهم ما يُسمى ب«مجلة لقمان» وفيها الحكمة والعلم والأمثلة وأن جماعة من العرب قد قرأوها ومنهم «سويد بن الصامت»، والذى دعاه النبى صلى الله عليه وسلم للإسلام فقال له: لعل ما معك مصل ما معى، فقال له صلى الله عليه وسلم: «وما الذى معك»، قال: مجلة لقمان، فقال الرسول: إعرضها عليّ، فعرضها، فقال رسول الله: «هذا كلام حسن». أى أن النبى صلى الله عليه وسلم قد أعجبه هذا الكلام المصرى القديم لأحد حكماء مصر. وهذا نموذج لأفكار وعقائد المصريين فى تلك العصور، التى تُعد قمة الحكمة، وقمة التوحيد، فقد كان أول ما وعظ به «يا بنى لا تشرك بالله»، ولكن التوحيد فى مصر كان أقدم من عصر لقمان الحكيم والأسرة ال21، فلنرجع إلى الوراء قليلًا وتحديدًا إلى عصر الحكيم «أمين موبى» والأسرة ال20 لنتعرف على عبادة التوحيد فى ذلك الوقت، ولكن فى الحلقة القادمة.