«الراية البيضاء» عبارة عن تجسيد مرئى للصراع الدائم بين الجهل والعلم، بين المال والمبادئ، بين الظلم واستغلال النفوذ والدفاع عن الحق وأصحابه. وقد نجح عكاشة، كعادته، فى استغلال الواقع واستشراف المستقبل، ونسج خيوط درامته الفنية فى «الراية البيضاء» من خلال قصة حقيقية وقعت أحداثها فى منطقة كورنيش الثغر، بمدينة الإسكندرية، قامت فيها إحدى تجار الخردوات بمحاولة الاستيلاء على فيلا أثرية بتلك المنطقة من أجل هدمها وبناء برج سكنى بدلًا منها بدافع المكسب المادي. ومن خلال هذه التيمة الرئيسية الواقعية استقى عكاشة درامته كى يعرض بعض مستجدات الواقع المصرى بعد الانفتاح الاقتصادي، الذى تم فى عهد الرئيس السادات ومحاولات التجار ورجال الأعمال فى الحصول على الأموال بشتى الطرق، دون مراعاة أى قيم إنسانية أو وطنية أو أثرية، فتجسد الصراع الدرامى فى أحداث المسلسل من خلال الصراع القائم بين «فضة المعداوى» التى جسدتها الفنانة الراحلة سناء جميل، التى تتصف بالجهل العلمى والثقافى والأخلاقي، وتعمل كبائعة سمك، وتملك من المال الكثير الذى يجعلها تستغله فى الوصول إلى كل ما تريد، حتى لو كان على حساب غيرها من البشر، وفى المقابل السفير الدكتور «مفيد أبو الغار» الرجل المثقف الوطنى الذى يسعى للحفاظ على الأصالة والعراقة والقيم الأخلاقية والإنسانية والثقافية، ومعه بعض من الطلبة المؤمنين به وبقضيته، وبالوقوف فى وجه فضة المعداوى وإخطبوطها المالي. وتستمر الدراما من خلال هذا الصراع الظاهر فى رصد متغيرات المجتمع، وإلقاء الضوء على الصراع الاجتماعى المتخفى بين حماة الماضى وقيمه وأخلاقياته من خلال الدكتور أبوالغار، وبين أشرار الحاضر وأعوانه ونفوذه، من خلال فضة المعداوى التى تستغل كل ما لديها من نفوذ وسلطة مالية عن طريق الرشوة والتزوير وتلفيق القضايا للدكتور أبوالغار وأعوانه، حتى ينصاع لرغبتها فى بيع الفيلا وهدمها، فتقوم بتلفيق تهمة إلى اثنين من أقارب الدكتور أبوالغار وتلاميذه، فيضطر إلى الذهاب إليها والموافقة على بيع الفيلا مقابل تخليص هؤلاء المظلومين من التهم الملفقة إليهم، وذلك بعد أن شعر أبوالغار بضعف قوته وقلة حيلته ووقوفه بمفرده أمام الظلم واستغلال نفوذ المال، غير أن هذه النهاية لا تتناسب مع الواقع الذى من المفترض أن يكون فى رسائل عكاشة وفاضل الدرامية، فتتحول نهاية المسلسل إلى تظاهرة إنسانية وأخلاقية يتجمع فيها كل طبقات المجتمع للوقوف أمام فضة المعداوى، التى تذهب إلى الفيلا بمعدات الهدم فتجد الدكتور أبوالغار وطلابه وأصدقاءه والمخلصين من المصريين يقفون فى وجهها لحماية الفيلا ورفض هدمها، فى إشارة لأهمية تكاتف قوة وطبقات المجتمع فى الوقوف أمام الظلم وأمام سيطرة رأس المال على مقدرات وتاريخ الأمة المصرية، فتنتهى الأحداث بصرخة موجهة إلى كل الشعب المصرى فى التوجه إلى فيلا أبوالغار للوقوف أمام فضة المعداوى، وكل معداوى فى المجتمع المصري، للحفاظ على تراث وعراقة الشعب المصري. يذكر أن الفيلا الحقيقية التى دارت حولها أحداث المسلسل قد تم هدمها بالفعل عام 2010 دون علم هيئة الآثار، حيث كانت الفيلا محور الأحداث عبارة عن فيلتين مملوكتين لعثمان باشا محرم، شيخ المهندسين، وقدم تم هدم إحداهما وتشويه الأخرى حتى خرجت من المجلد الخاص بالآثار المصرية.