"الجالسون على رصيف فيلا أبو الغار بالإسكندرية ينادونكم للجلوس معهم، حتى لا يُضطر الدكتور مفيد وفريقه إلى رفع الراية البيض"، كان ذلك النداء هو المشهد الأخير من مسلسل الراية البيضاء الذي عرض قبل 30 عاما. على وقع النداء الذي تلته الفنانة فردوس عبد الحميد، جلس الدكتور مفيد أبو الغار وفريقه الذي انضم إليه صحفيين ومثقفين وأولاد بلد على الأرض رافعين أيديهم متشابكة ببعضها في تحد أخير لجهل وقبح وفاشية المعلمة فضة المعداوي تاجرة السمك التي كانت تهم مع رجالها وبلدوزارتها لهدم الأصالة والجمال. المسلسل الذي شد معظم المصريين للجلوس إلى شاشة القناة الأولى بالتلفزيون المصري، كان أشبه بمعركة حربية بين فريقي أبو الغار والمعداوي، خطط لها ورسم جولاتها الراحل العظيم أسامة أنور عكاشة وأدارها ببسالة رئيس الأركان القائد المقاوم محمد فاضل. المفارقة أنه وبعد ثلاثين عاما من جولات "الراية البيضاء" التي غرست معاني المقاومة والرفض في أجيال ما بعد الانفتاح، أعلن أحد قادة مقاومة تسلط فضة المعداوي عن استسلامه، ولم يكتف برفع الراية البيضاء بل تماهى مع تجبر السلطة وقبل أن يكون أحد أدواتها في حصار الفن والإبداع. قبل أيام اجتمعت لجنة الدراما المنبثقة عن المجلس الأعلى للإعلام برئاسة مدير معركة "الراية البيضاء" المخرج محمد فاضل وبحضور فاروق صبرى، رئيس غرفة صناعة السينما، الأربعاء الماضي، مع منتجى الدراما التلفزيونية وشارك فى الاجتماع هدى زكريا، عضو الأعلى للإعلام، وأعضاء اللجنة وهم كل من: أشرف زكي، نقيب الممثلين، الدكتور خالد عبد الجليل، رئيس الرقابة على المصنفات الفنية، والمخرج أحمد صقر، رئيس قطاع الإنتاج، ومن المنتجين محمد فوزي، صادق الصباح، محسن علم الدين، محمد خفاجي، محمد إبراهيم، وائل عمر عبد المطلب، عصام شعبان، وممدوح شاهين، لوضع ضوابط لترشيد الإنتاج الفنى. اتفق المجتمعون في لجنة فاضل على صياغة ورقة عمل بأولويات موضوعات المحتوى التى يحتاج إليها المجتمع فى المرحلة الراهنة، لتكون هذه الورقة دليلا للعاملين فى مجال الإنتاج الفنى، ومن بين البنود المتفق عليها أن الإنتاج الفنى يحتاج إلى وضع ضوابط لترشيد إنتاج الأعمال الدرامية نظرًا لحالة التخبط التي تشهدها الفترة الحالية – بحسب وصفهم- كما تطرقوا للاتفاق على محاربة المضاربة فى أجور الفنانين والفنيين والتى قالوا إنها تخلق تنافسا غير شريف. أثارت ورقة العمل ردرود فعل غاضبة في الأوساط الفنية، وصفها الفنان عادل أمام بأنها «كلام فارغ»، وقال خلال مداخلة هاتفية ببرنامج "العاشرة مساء": لا نريد وصاية أحد علينا، الوصي على الفن هو الفن نفسه»، متسائلًا: «يعني الناس دي هتقول اعملوه ده ولا متعملوش ده؟ ولما نعمل مسلسل تقول لا ده ميتعرضش؟ محدش يقدر يعمل كده، إحنا هنهزر ولا إيه!». ووصف إمام تحديد الموضوعات التي تتناولها الدراما الفترة المقبلة، بأنه أمر خاطئ، «الناس دي هتجني على الفن في مصر.. هو إحنا ناقصين لجان، لجان إيه؟! إحنا مش ناقصين لجان فاشية». أبرز تعليق هز وتر كل من شاهدوا "الراية البيضاء" كان ل«جبهة الإبداع»، التى أصدرت بيانًا على لسان المنتج محمد العدل وجهت فيه رسالة إلى المخرج محمد فاضل جاء فيها: «لو كان الفن تحت الوصاية لم يكن لينتج أعمالك الرائدة، ولهذا فإن الواقفين على رصيف فيلا أبو الغار يدعونك للعودة لصفوفهم والوقوف معهم حتى لا تضطر الدراما المصرية إلى رفع الراية البيضاء أمام الدراما العربية، وحتى لا تصبح الريادة التى نتشدق بها وهما لا يصدقه غيرنا». فاضل ليس وحده من رفع الراية البيضاء، وانقلب على ماضيه، ففي كل مجال فاضل ترك موقعه ودخل إلى حظيرة السلطة رضاءً أو قسرا، هؤلاء لم يتعلموا من دروس أسلافهم فالأنظمة زائلة والتاريخ لا يرحم.