كائنات كانت إنسانية

من تاريخ التطور الطبيعى للكائنات الحية، كانت هناك أجيال من الأسماك تعيش فى الكهوف العميقة للمحيطات، وكانت لها أعين، ونظرًا لحياتها فى ظلام دامس لم يعد هناك حاجه للقدرة على الإبصار، ففقدت قدرتها على الرؤية جيلا بعد جيل، إلى أن صارت بلا عيون وسميت بسمكة الكهوف العمياء.
وفى المقابل عند الإنسان، نرى مسارات التقدم العلمى والتكنولوجى وحتى الأدبى والفنى لمن يحملون أفكار الاستنارة- بالفكر والفلسفة والثقافة والفن- حيث يتسيد عقل المنهج العلمى بإبداعاته قيادة قاطرة التقدم فى عالمنا المعاصر، وثمة فى المقابل أذهان منغلقة على ذاتها، تروق لها حياة أهل الكهف وتملك نفوسًا متصحرة تقدس الجمود العقلى اعتمادا على النقل عن السلف حاملة وباء الأصولية الدينية التى أصبحت مفرخة لإنتاج الإرهابيين، إنهم يملكون عقولا متعصبة يتملكها هوس التكفير الدينى بشكل متسلط، ليكون أساسًا لبنية العقل المغلق على اجتزاء النصوص الدينية من الماضى لفرضها على الحاضر، فى حين أنهم لا يفارقون ظلام الكهوف بأذهان متقوقعة على ذاتها وما يتراءى فى مخيلتهم المشوهة من تفاهة وجهل وخرافة، ويتباهون بخطاب دينى معاد لإعمال العقل، ليكون النتاج تجميد إنتاج المعرفة العلمية والتطورالاجتماعى للتقدم.
والأدهى مصيبة أنهم يحملون فى نفوسهم كما هائلا من كراهية الآخر- أى آخر مختلف عنهم- غير معترفين بوجوده، لتتعمق الكراهية فى نفوسهم، حتى شاعت لتصبح أساسًا لنمو التعصب الدينى الدموى الأعمى- والنتيجة نراهم يملكون عقولا فاقدة لوظائف العقل الطبيعية وحاجته إلى المعرفة، التى هى جوهر الحياة، لينعدم سبب وجودها فى عالمنا المعاصر لعدم إيمانها بأن العقل هو صاحب منظومة استنارة المستقبل- للولوج لعصر التنوير المتوهج بسرعات الضوء باكتشافاته العلمية المبهرة، والتى أصبح إعمال العقل فى القلب منها هو صاحب إدارة التقدم لمنظومة الحياة الإنسانية.
فلا عجب عندما نراهم بعد أجيال قد فسدت قدرتهم على التفكير، ومن ثم موت هذا العقل، لنرى مستقبلا أجيالا فقدت حاجتها للعقل، وحينها سيتحول العقل إلى طور من أطوار الضمور فى تاريخ تطوره الطبيعى، وجيلا بعد جيل سنراهم كائنات تشبه الإنسان- بلا عقول- سيطلق عليهم حينها كائنات كانت إنسانية عندما كانت صاحبة عقل، لتنفرد جماعات الإرهاب الدموية، بسلالة متفردة عالميا بخصائص كائنات ستصبح معجزة فى مسخها الإنسانى فى تاريخ التطور البيولوجى للكائنات الحية.