أنا لا أدعو إلى تعميم أجواء الخوف داخل الهيئة القومية للبريد، بل أطالب بحماية البريد من الوقوع في فخ مساعدة الفوضويين والإرهابيين، خوفا من اتخاذهم المكاتب البريدية كحمام زاجل لنقل معلومات إستراتيجية وتنفيذ خطتهم وتكتيكاتهم وإرسال موادهم المتفجرة وطرودهم المفخخة وتجارتهم المحرمة والمجرمة بسهولة ويسر بعيدا عن أعين الجهات الأمنية أو التوقيفات المرورية . فتجربتي الشخصية تضع احتمالا ربما يجب التحذير منه – غير متمنيا حدوثه -حيث شحنت عدة مرات طرود بريدية عبر مكتب بريد لتوصيل متعلقات إلي أقاربي في المنصورة، ولاحظت انعدام الإجراءات الأمنية والاحترازية لاستلام الشحنات ودون وجود أدني رقابة علي الطرد المرسل أو حتى التأكد من خلو الطرد من أية مواد مشتعلة أو متفجرة أو مجرمة قانونا، فالموظف يستلم الطرد -دون أية مبالاة لمحتوياته- بشرط أن تكون داخل كرتونة مغلقة تماما باللصق، وربما يكتفي بسؤالك عن محتوياته فتقول "مافهوش حاجة غير شوية مستلزمات وهدايا" ليتسلم الطرد مبتسما! وبالتالي تكون خدمة إرسال الطرود البريدية ما بين المحافظات بما تحتويه من عشوائية وانعدام رقابة وتسهيلات لا حدود لها وحسن نية مبيت من الموظفين، وسيلة لإرسال طرود مفخخة ومتفجرات تقليدية ومواد قابلة للإشتعال وأجهزة تجسس وربما تجارات غير مشروعة مثل الحشيش وخلافه من قبل المتربصين. فالتنظيمات «الإرهابية» التي أُنهكت في كل ربوع مصر بفضل الهجمات والضربات الأمنية الموجعة والهزائم التي منيت بها في العملية الشاملة "سيناء 2018"، يعيشون حالة من الضعف ربما تقودهم إلى التفكير في ابتكار وسائل وتقنيات جديدة لتنفيذ عملياتهم الإرهابية، حيث لم تعد قادرة على العمل والتحرك بسهولة، مما قد يجعل البريد أرضه الجديدة لمعركة الصراع مع الدولة ليثبت أنه ما زال على قيد الحياة. دون أن يتطلب ذلك منه ميزانيات مالية كبيرة ولا انتحاريين ولا مخاطرة، ليصبح البريد وسيلة " تباغت" من حيث لا تتوقع ولا تحتسب الدولة . وغير خفي على أحد موجة الطرود البريدية المفخخة التي طالت كبار المسئولين والسفارات مما أثار قلق عدد من البلدان _ والتواريخ تعود إلى الفترة ما بين 2010 إلي 2015 – فقد اكتشفت الشرطة اليونانية عددا من الطرود المفخخة استهدفت السفارتين الروسية والسويسرية دون وقوع قتلى، فيما تم تفكيك طرود كانت مرسلة إلى السفارات البلغارية والتشيلية والألمانية، وكان من ضمنها طرود موجّه إلى الرئيس الفرنسي نيكلا ساركوزي، فيما ضبط طرد مشبوه كان موجها إلي المستشارة الألمانية انجيلا ميركل شخصيا إلا أن الشرطة الألمانية تمكنت من تفكيكه. ومؤخرا قبضت الشرطة البريطانية على ساعي بريد متلبسا بتسليم الحشيش داخل طرود، في عملية قيمتها 1.2 مليون جنيه إسترليني، وفق ما ذكرت صحيفة "تلجراف". أتمنى من رئيس هيئة البريد المهندس عصام الصغير عدم الاستخفاف بالأمر، وأن يلتفت إلى خطورته الذي لم تؤخذ بعين الاعتبار كفاية في السابق، وننتظر منه حلولا تؤمن بالتوازن بين عدم تعريض قطاع الشحن الداخلي للعرقلة وبين الكشف عن كل ما يمكن أن يشكل خطرا على الأمن في البلاد، فالحفاظ علي الأمن والأرواح يتقدم على كل الاعتبارات، دون أن نغفل حق البريد ورئيسه في الإنحناء لحجم النجاح الباهر لخدمات البريد الحكومية التي أصبحت أسرع وأكثر أمانا وأنظمتها أكثر تطورا من السابق سواء العربية أو الدولية.