اذ يتساءل بعض المهمومين بقضايا الثقافة القومية عما إذا كان هناك "حيز عام ومشترك يجمع المثقفين العرب على أرض واحدة"، فان الإجابة حاضرة في معارض الكتب في العالم العربي وفي طليعتها معرض القاهرة الدولي للكتاب الذي يختتم اليوم "السبت" دورته التاسعة والأربعين. ففي معرض القاهرة الدولي للكتاب تتجلى ملامح الحيز العام والمشترك للمثقفين العرب الذين يحرصون على حضور هذا العرس الثقافي كل عام وسط مشاهد دالة على مدى عمق الوحدة الثقافية الجامعة بين كل العرب وسقوط الحواجز الوهمية بين المبدع والجمهور. ووسط اجماع بين المراقبين للشأن الثقافي على أن الدورة التاسعة والأربعين لمعرض القاهرة الدولي للكتاب التي بدأت يوم السابع والعشرين من شهر يناير الماضي تفوقت في فعالياتها وبرامجها والاقبال الجاهيري عليها قياسا على أي دورة سابقة فان هذا المعرض الذي يستعد للاحتفال بيوبيله الذهبي في الدورة المقبلة تحول الى احد اهم ملامح المشهد الثقافي المصري والعربي على مدار العام. وثمة اتفاق عام بين المعلقين والمعنيين بعالم معارض الكتب على ان الجمهور هو كلمة السر في نجاح أي معرض للكتاب فيما يشكل الاقبال الجماهيري الحاشد على معرض القاهرة الدولي للكتاب اكسير النجاح المتواصل لهذا المعرض عاما بعد عام. ولعل ابتسامة "الأب الثقافي المصري العظيم عبد الرحمن الشرقاوي" الذي اختير شخصية المعرض هذا العام تتسع بكل عذوبتها في اليوم الأخير لمعرض القاهرة الدولي للكتاب فيما لروح صاحب رائعة "الأرض" ان تطمئن وتحلق راضية مرضية في ضوء الاقبال الكبير والملحوظ من الشباب على الكتب فضلا عن الحضور اللافت للأزهر الشريف في هذا العرس الثقافي والذي يبرهن على ان "الأزهر مكون أساسي في الثقافة العامة للمصريين" على حد تعبير الكاتب الصحفي ووزير الثقافة السابق حلمي النمنم. ولعلها حقيقة باعثة على التفاؤل لأي مثقف مصري ما حدث هذا العام من اقبال جماهيري غير مسبوق على معرض القاهرة الدولي للكتاب والحضور الكثيف بوضوح للشباب بصورة تعكس نوعا من الشغف بالكلمة والابداع بما يدعو لعدم التسليم المطلق بمقولات باتت اشبه بالمسلمات دون محاولة للتمحيص او التحقق من صحتها مثل مقولة ان عصر القراءة والكلمة المطبوعة قد انتهى واصبحنا في عصر الصورة ومقاطع الفيديو والفرجة!. وشهدت حفلات توقيع بعض الروايات والكتب الجديدة حضورا شبابيا لافتا كما تجلى في حفل توقيع رواية الكاتب الكويتي سعود السنعوسي "حمام الدار" وكذلك رواية" ليالي ايزيس كوبيا" للكاتب الجزائري واسيني الأعرج. وتفاعل مثقفون مصريون مع هذا المشهد الثقافي القومي المضيء مثل الدكتورة نيفين مسعد الأستاذ بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة القاهرة لتكتب عن "شابات وشبان اصطفوا على الجانبين في انتظار توقيع الكاتب الكويتي سعود السنعوسي روايته الجديدة حمام الدار" ورأت ان "المشهد يفرح القلب ويعطي بصيصا من أمل". وأضافت:"هؤلاء القراء من كل انحاء الوطن العربي هم من صنعوا نجومية السنعوسي" الذي فاز من قبل بجائزة بوكر للرواية العربية وتساءلت:"من قال ان العملة الرديئة دائما ماتطرد العملة الجيدة من السوق ؟!..هانحن امام عملة جيدة وهاهم الشباب يقبلون على تداولها بثقة كبيرة". اما الكاتب الصحفي المتخصص في الشأن الثقافي سيد محمود فقال:"يحدث دائما ان تفاجئك القاهرة بقيمة يندر ان تتكرر في عواصم أخرى ويبدو لي ان معرض الكتاب احد ابرز تلك المناسبات التي تستعيد فيها القاهرة قدرتها على المفاجأة وتسترد كل مالديها من سحر وعطاء". ولاحظ سيد محمود ان القاهرة طوال أيام معرضها الدولي للكتاب تحولت الى "نقطة جذب سحري لعشرات المثقفين العرب الذين يطرقون أبوابها ويعمرون سهراتها دون دعوات رسمية" لافتا بدوره الى "الجمهور الكبير الذي التف حول الكاتب الكويتي سعود السنعوسي بعد ان ظل لأكثر من ثلاث ساعات يوقع مؤلفاته لشباب يمثل اهم مافي معرض الكتاب". وعلى نفقتهم الخاصة، توافد مبدعون عرب على اجنحة معرض القاهرة الدولي للكتاب لحضور هذا العرس الثقافي المصري ومن بينهم مروان علي وانيس الرافعي من المغرب والفلسطيني ربعي المدهون والسوري خليل النعيمي فيما جاءت رشا الأمير من لبنان وحسن بلاسم وانعام كجه جي من العراق التي حضر منها أيضا إيهاب القيسي مدير النشر في دار المدى التي تعد الآن من اهم دور النشر العربية. ومع مطلع كل عام بات معرض القاهرة الدولي للكتاب حدثا ثقافيا كونيا شأنه شأن معرض فرانكفورت للكتاب الذي يعقد في شهر أكتوبر من كل عام وكانت دورته الماضية وهي الدورة ال69 قد ركزت على قضايا "رقمنة الكتب" وهي قضايا بدت مطروحة أيضا في الدورة ال49 لمعرض القاهرة او متصلة بها مثل "العلاقة مع امازون للنشر الالكتروني والبوك تويتر والكتاب الصوتي". ويقول الأمين العام لاتحاد كتاب افريقيا واسيا وامريكا اللاتينية محمد سلماوي ان معرض القاهرة الدولي للكتاب بات "مركز الاشعاع الثقافي الأول في الوطن العربي" موضحا:"زرت على مدى سنوات معارض الكتب العربية كلها دون استثناء كما شرفت بالمشاركة في الكثير من الأنشطة الثقافية الكبرى التي اصبح يزخر بها الوطن العربي في السنوات الأخيرة من شرقه الى غربه لكني أقول ان مثل مثل هذا التنوع والانتشار الذي يشهده معرض القاهرة الدولي للكتاب لايوجد في أي محفل ثقافي اخر". ويلفت سلماوي الى ان معرض القاهرة الدولي للكتاب يتفوق من حيث عدد الزائرين على المعارض الأجنبية الكبرى للكتاب كمعارض فرانكفورت ولندن وتورينو. مضيفا ان معرض القاهرة "جماهيري" تقصده الجماهير العريضة لاقتناء الكتب والتمتع بأنشطة ثقافية أخرى تميزه عن بعض المعارض الأخرى. وفيما تعبر معارض الكتاب في العالم العربي وفي مقدمتها معرض القاهرة الدولي للكتاب الذي اختار الجزائر ضيف شرف دورته هذا العام كما اختار معرض الكتاب في الدار البيضاء مصر ضيفا للشرف في دورته الحالية عن حقيقة التفاعل الثقافي البناء بين أبناء الأمة الواحدة فان هذا التفاعل البناء يتجلى أيضا في التعاون المشترك في مجال نشر الكتب بين ناشرين عرب حيث تظهر "طبعات مشتركة" بين ناشرين من اكثر من دولة عربية. وكان رئيس الهيئة المصرية العامة للكتاب الدكتور هيثم الحاج علي نوه الى ان اختيار الجزائر ضيف شرف الدورة التاسعة والأربعين لمعرض القاهرة الدولي للكتاب يعبر عن حقيقة ان مصر والجزائر "تمثلان امتدادا ثقافيا لبعضهما البعض" مشيرا الى إمكانية الاستفادة من هذه الميزة "لبناء جسور في جميع المجالات" فيما كانت مصر ضيف الشرف في دورة العام الماضي لمعرض الجزائر للكتاب. وفي الدورة التي تختتم اليوم لمعرض القاهرة الدولي للكتاب وشاركت فيها 27 دولة من بينها 15 دولة عربية و849 ناشرا من بينهم 368 ناشرا عربيا من خارج مصر كانت ندوة حول "الملكية الفكرية" قد لفتت لأهمية الاستفادة من التجربة الجزائرية المعروفة "بديوان حقوق المؤلف" في حماية حقوق الملكية الفكرية وأصحاب المصنفات الإبداعية. وفي وقت يقوم فيه جند مصر البواسل بتطهير ارض الكنانة من دنس الإرهاب وتصفية البؤر الظلامية التكفيرية، لفت الكاتب والناقد ووزير الثقافة الأسبق الدكتور شاكر عبد الحميد الى ان الجزائر عانت من الإرهاب من قبل واختيارها ضيف شرف الدورة التي تختتم اليوم لمعرض القاهرة الدولي للكتاب له مغزاه على صعيد محاربة الإرهاب. وضم الجناح الجزائري في الدورة التي تختتم اليوم لمعرض القاهرة الدولي للكتاب اكثر من 3500 عنوان وشهد وزير الثقافة الجزائري عز الدين ميهوبي افتتاح هذه الدورة التي حضرتها كوكبة من الكتاب والمبدعين في هذا البلد العربي الشقيق.