أطل «خورخى بيرجوليو» لأول مرة عقب انتخابه بابا للفاتيكان، واختياره اسم «فرنسيس»، على جمع الكاثوليك المحتدشين فى ساحة القديس بطرس فى 13 مارس 2013، ليكون أول بابا من الأرجنتين، منذ عام 741م، وهو أول بابا من خارج أوروبا منذ عهد البابا غوريغوريوس الثالث. ولد «خورخى» عام 1936، وتقلد عدة مناصب منها رئيس أساقفة بيونس آيرس، ومسئول الكنائس الكاثوليكية الشرقية فى الأرجنتين، ورئيس مجلس الأساقفة الكاثوليك فى الأرجنتين، وأسقف مساعد فى بيونس آيرس، والرئيس الإقليمى للرهبنة اليسوعية فى الأرجنتين، وتم انتخابه بابا للفاتيكان، عند انعقاد مجمع يُعتبر الأقصر فى تاريخ المجامع المُغلقة بعد استقالة قداسة البابا بندكتوس السادس عشر. البابا «اليسوعى» هو أول بابا راهب (من الرهبنة اليسوعية) منذ البابا غوريغوريوس السادس عشر، وهو أول بابا يسوعى على الإطلاق، وعُرف عنه على الصعيد الشخصي، وكذلك كقائد ديني، التواضع، والبساطة، والبُعد عن التكلف فى التقاليد، ودعم الحركات الإنسانية، والعمل على تحقيق العدالة الاجتماعية، وتشجيع الحوار، والتواصل بين مختلف الخلفيات والثقافات. بابا الفقراء وصفه كثيرون ب«البابا المتواضع»؛ حيث يفضل فى العادة، التنقل على متن سيارات متواضعة، وبالرغم أنه تلقى سيارة فاخرة من نوع «لامبرجيني» والتى يصل سعرها إلى 211 ألف دولار، ليعلن الفاتيكان أن السيارة سيجرى طرحها فى مزاد علنى، وسيذهب ثمنها إلى ثلاث جمعيات خيرية مرتبطة بالكنيسة، لإعادة بناء بيوت وكنائس للمسيحيين الذين هجّرهم تنظيم داعش الإرهابى فى العراق، بعد سيطرته على مدينة الموصل سنة 2014. وانتقد البابا تكلفة ملابس الكاردينال والتى تصل إلى ما يقارب 20000 دولار، مطالبًا إياهم بثياب أكثر تواضعًا وعدم إهدار هذه الأموال، وطالب أسقف ألمانى بشرح كيفية صرفه 3 ملايين دولار على فناء من الرخام، وعرض دراجة للبيع كانت قد أهديت له فى 2013، ب327 ألف دولار علما أن سعرها الحقيقى لا يتجاوز 13 ألف دولار. فرنسيس الذى احتفظ بالصليب الحديدى الذى كان يرتديه كرئيس أساقفة، ولم يرتد الصليب الذهبى الذى ارتداه سابقوه، وخلال الأيام الأولى من حبريته أطلّ ببطرشيل عادى أبيض اللون، بدلًا من الأحمر الذى يفرضه التقليد، وتناول الغذاء خلال نوفمبر الماضى مع 1500 فقير خلال اليوم العالمى الأول للفقراء. البابا والسياسة مواقف البابا الإنسانية لا تختلف عن مواقفه السياسية فى قوتها وجرأتها فالبابا «خورخى» ساعد فى «ذوبان الثلج» بين كوبا وأمريكا، وكان لأمريكا اللاتينية نصيب؛ حيث بدأت ملامح للمصالحة بين الحكومة فى كولومبيا والجماعة الثورية، وأخيرًا إعلان التهدئة بين تشيلى وبوليفيا، كما احتل مسيحى الشرق الأوسط مساحة كبيرة من قلب وتفكير البابا؛ فنجده يصلى من أجل السلام فى سورياوالعراق، ويتذكر دائمًا شهداء المسيحية فى كل مكان. بعد انتخابه حبرًا أعظم، ألغى الكثير من التقاليد البابوية، فرفض الإقامة فى القصر الرسولى المقابل لساحة القديس بطرس بالفاتيكان، وفضَّل الإقامة فى بيت القديسة مرثا، وهو بيت صغير لاستقبال ضيوف الفاتيكان، ليكون بذلك أول بابا منذ بيوس العاشر لا يتخذ من القصر الرسولى مقرًا دائمًا لسكناه، وهو لا يستخدم القصر الرسولى إلا للإطلالة على الحشود يومى الأحد والأربعاء كما هى العادة. الصحف تصفه بالقادر على إحداث التغييرات وُصف بكونه «البابا القادر على إحداث تغييرات»، واعتبرت الصحافة الإيطالية انتخابه «ثورة فى تاريخ الكنيسة»، وخلال حبريته أعلن قداسة حوالى 36 قديسًا وقديسة، من بينهم البابا يوحنا ال23، والبابا يوحنا بولس الثاني، والقديسة السورية مريم ليسوع المصلوب، والقديسة الهندية الأم تيريزا. واختارت مجلة «التايم» البابا الأرجنتينى المولد والنشأة، ليكون الرجل الأكثر تأثيرًا فى العالم عام 2013، إلا أن هذا الاختيار لم يكن وليد اللحظة، فالبابا الذى دائما ما يتحدث عن المصالحة والسلام يتقن عدة لغات: الإسبانية، والإيطالية، والألمانية، والفرنسية، والأوكرانية، بالإضافة إلى الإنجليزية. رسائل بابوية كتب البابا عدة رسائل للكاثوليك حول العالم، وكانت الرسالة الأولى بمناسبة اليوم العالمى للسلام 2014، ورسالة عامة بابوية بعنوان: «كُنْ مُسَبَّحًا»، والرسالة الرسولية الخاصة بيوبيل الرحمة الإلهية، ورسالة بمناسبة اليوم العالمى للشباب 2016 تحت عنوان «طوبى لِلرُّحَماء، فإِنَّهم يُرْحَمون»، و«رحمة وبؤس» رسالة البابا فرنسيس الرسوليّة بمناسبة اختتام يوبيل الرحمة، ورسالة البابا فرنسيس لزمن الصوم 2017 بعنوان «الكلمة هى عطية، الآخر هو عطية». فرنسيس والعالم الإسلامى بالرغم من أن الشوائب التى شابت العلاقة بين الفاتيكان والأزهر، نجد البابا فرنسيس حريصًا منذ توليه على مد جسور التواصل والمحبة، ونجده فى خدمة الأسبوع المقدس يغسل ويقبل أرجل بعض السجناء منهم نساء وأشخاص مسلمين، وفى هذا العمل حطم التقاليد عن طريق غسل أقدام النساء والمسلمين. منذ سبتمبر 2006، تم تجميد الحوار بين مؤسسة الأزهر الشريف ومؤسسة الفاتيكان، بعد محاضرة ألقاها البابا السابق بنديكت السادس عشر، بابا الفاتيكان السابق، ذكر خلالها لطلبة كلية دينية فى جامعة ألمانية، قول أحد الفلاسفة، والذى يربط فيه بين الإسلام والعنف، وهى المحاضرة التى أثارت استياءً واسعًا فى العالم الإسلامى، وجاء العام 2011، ليقرر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، تجميد الحوار مرة أخرى بعد تصريحات للبابا بندكتوس السادس عشر السابق، طالب فيها بحماية المسيحيين فى مصر عقب حادثة كنيسة القديسين فى الإسكندرية، واعتبر الطيب تصريحات بابا الفاتيكان «تدخلا فى الشئون المصرية». وظلت القطيعة ممتدة حتى تقلد البابا فرنسيس سدة مار بطرس، وحرص منذ توليه مهامه على فتح أبواب الحوار مرة أخرى مع الأزهر، موجهًا الدعوة إلى الإمام الكبير لزيارة البابا فى روما، والتى لباها فى مايو فى زيارة وصفت ب«التاريخية»، واتفق فيها الطرفان على استعادة الحوار بعد تجمده سنوات عدة، واتفقا على إذكاء روح التسامح، والتعاون على نبذ الإرهاب. وصدر بيان مشترك من شيخ الأزهر وبابا الفاتيكان، يؤكد القيم المشتركة والدعوة إلى إرساء السلام والتعايش فى العالم، وضرورة نبذ العنف والتطرف، والإعلان عن عودة حوار الأديان، بما يقوم على الاحترام المتبادل، وإعلاء روح التسامح والمحبة بين جميع الأديان. ودعا إلى التعاون بين المسيحيين والمسلمين خلال خطابه فى نهاية شهر رمضان، وذكر أن كلا من المسيحيين والمسلمين يعبدون الإله نفسه، معربًا عن أمله بأن المسيحيين والمسلمين يجب أن يعملوا معا لتعزيز الاحترام المتبادل، ويظهر دائمًا كصديق للمجتمع الإسلامي، ويتخذ موقف «الداعم للحوار». وقد عاد الحوار مع الأزهر عقب زيارات عدة متبادلة بين وفود من الأزهر والفاتيكان، كانت آخرها فى مارس من العام الجارى؛ حيث شارك وفد فاتيكانى رفيع المستوى. البابا والمسكونية يُعرَف عن البابا رغبته فى التقارب مع الكنائس المسيحية الأخرى، فخلال زيارته إلى مصر، التقى البابا تواضروس بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، موقّعين بيانًا مشتركًا يتضمن دعوة للحوار حول عدم إعادة المعمودية بين الكنيستين، داعيًا إلى مزيد من الوحدة بين جميع المؤمنين بالمسيح.