أعرب الكاتب البريطاني، جدعون راخمان عن اعتقاده أن القوة ليست هى الحل فيما يتعلق بإقليم كتالونيا، وأن السماح بإجراء استفتاء على استقلال الإقليم عن إسبانيا لا يعني بالضرورة تيسير السبيل للانفصال. واستهل راخمان، مقاله بالفاينانشيال تايمز، مؤكدا أن مشهد قيام الشرطة الأسبانية بضرب متظاهرين مؤيديدن للاستقلال في برشلونة قد منح انتصارا سياسيا للانفصاليين الكتالونيين؛ وأن تلك الصور التي تداولها من هذا المشهد كفيلة بترسيخ التعصب في كتالونيا، وبإثارة التعاطف الخارجي مع قضية الانفصال. ورأى الكاتب أنه لا تزال ثمة فرصة سانحة لتهدئة الوضع في كتالونيا، غير أن الحكومة الأسبانية تحتاج بشدة إلى إعادة النظر في أساليبها التي تأتي بنتائج عكسية. ونوه راخمان عن حقيقة أن معظم الدول الأوروبية ذات يوم قد تمّ تجميعها بالعنف؛ لكن في الزمن الحاضر، لا ينبغي تجميعها إلا بالرضا والقبول؛ ومن المحتمل أن تسعى الحكومة المركزية في أسبانيا إلى تجديد هذا القبول مع كتالونيا. وقال الكاتب إن حكومة ماريانو راخوي في مدريد مُحقّة في وصْفها الاستفتاء على الاستقلال بأنه غير قانوني من الناحية التقنية وبأنه مخالف للدستور؛ إن هذه الحكومة تقف على أرضية ثابتة إذا هي رفضت أي إعلان كتالونيّ بالاستقلال بناءً على الاستفتاء غير الرسمي والفوضوي الذي شهدناه. لكنْ عبر اعتقال مسئولين وضرْب متظاهرين في كتالونيا، فإن الحكومة الأسبانية تغامر بفقْد كارثي للشرعية ستكون تبعاته بعيدة المدى. وشدد راخمان على أن قبول تنظيم الكتالونيين لاستفتاء على الاستقلال لا يعني بالتبعية قبول فكرة سيادة الحركة الانفصالية على الموقف. وأن على الدول الديمقراطية إذا هي أرادت البقاء متحدّة، أن تكون مستعدة لقبول فكرة الانفصال رغم أنها فكرة متعبة للأعصاب. وأشار الكاتب البريطاني، إلى أن اسكتلندا التي ظلت جزءا من المملكة المتحدة منذ عام 1707، صوتت لصالح البقاء في دول الاتحاد البريطاني بنسبة 55 بالمائة مقابل 45 بالمائة رفضت البقاء في هذا الاتحاد. أما دولة كندا فهي تقترب أكثر من الانفصال؛ حيث صوتت نسبة 58ر50 بالمائة فقط ضد انفصال منطقة "كيبيك" في استفتاء تم إجراؤه عام 1995. واستطرد الكاتب قائلا إن استقلال كتالونيا يمثل ضربة أقوى لأسبانيا مما تمثله ضربة استقلال اسكتلندا لبريطانيا؛ ذلك أن كتالونيا تمثل نسبة 19 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي الأسباني، فيما تمثل اسكتلندا نسبة 8 بالمائة من اقتصاد المملكة المتحدة؛ فضلا عن أن كتالونيا هي جزء من أسبانيا منذ قبل نحو ثلاثمائة عام. لكن عبر إنكار حق التصويت على استفتاء في كتالونيا، فإن الحكومة الأسبانية تغامر بتعزيز مزاعم الانفصاليين بأن أسبانيا الحديثة لم تتخلص نهائيا من ماضيها الشمولي. وأكد راخمان أن السماح بإجراء استفتاء على الاستقلال لا يعني بالضرورة تيسير السبيل للانفصال؛ ويمكن الاستفادة من تجربة الاستفتاء الاسكتلندي من حيث أن الانفصال عن الدولة يتطلب ما هو أكثر من أغلبية ضئيلة - وإنما يتطلب أغلبية كبيرة من أجل تغيير دستوري وهو إجراء شائع حول العالم. واختتم الكاتب قائلا إن أحداث كتالونيا جديرة بأن تبعث على التفكير في بقية أوروبا التي تفتخر بكيان الاتحاد الأوروبي الذي نقل القارة العجوز إلى مرحلة "ما بعد حواجز القوميات" حيث الدول تسمو على فكرة السيادة وتتجاوز مرحلة النزاعات القديمة - لكن أحداث أسبانيا هذه تنهض كدليل أخير على أن فكرة الهوية القومية لا تزال تجد لنفسها بيئة حاضنة في أوروبا.