أجمع الخبراء على وجود توجه حكومي لخفض معدلات الزيادة السكانية إلى أقل من 2،1٪ وتحجيم الانفجار السكانى الذى تبدو البلاد مقبلة عليه بسبب الزيادات فى معدلات المواليد خلال السنوات التى تلت 25 يناير، بعد وصول مصر إلى معدلات طيبة خلال العشرية الأولى من الألفية الثانية، خلال حكم الرئيس الأسبق حسنى مبارك. وقد حدد الخبراء مجموعة من المحاور للسيطرة على معدلات الزيادة السكانية أبرزها أن تكون هناك زيادة فى أعداد المنتجين والمبدعين وليس فى أعداد المتعطلين، وخفض معدلات الفقر وزيادة مستوى متوسط الدخل. وقال الخبير الاقتصادي الدكتور عادل عامر، إن الزيادة السكانية فى أى مجتمع هى ضرورة لإحلال الوفيات التى تحدث سنويًا، ولتجديد شباب هذا المجتمع وبقائه، فيصبح السؤال الملح ما معدل الزيادة السكانية المناسب؟، الإجابة البديهية هى أن تتساوى أعداد المواليد والوفيات، وبالتالى يظل عدد السكان ثابتًا؛ ولكن إذا فاق عدد المواليد عدد الوفيات فما تأثير هذه الزيادة على تقدم الوطن؟، للإجابة عن هذا السؤال نقول إن الزيادة السكانية تؤدى إلى تقدم الأمم إذا تحقق عدد من الشروط. وأضاف، أن التناسل هو ضرورة للحفاظ على الجنس البشرى وهو حتمية لوجود الدولة وبقائها، لأن التراجع الحاد فى أعداد السكان يؤدى بالضرورة إلى تراجع القوة البشرية التى تدافع عن الدولة، المتمثلة فى جيش يدافع عن حدودها، وإلى تراجع القوة البشرية التى تبنى الدولة والمتمثلة فى قوة العمل التى تدير عجلة الإنتاج وتوفير الخدمات الأساسية لسكان الوطن، واستمرار هذا التراجع فى أعداد السكان قد يؤدى إلى انقراض السكان بطبيعة الحال ويؤدى من ثم إلى زوال الدولة. وبالتالى فإنه من المنطقى أن تسعى المجتمعات إلى الحفاظ على بقائها من خلال عدم انخفاض عدد سكانها. وحدد عامر خمسة محاور لخفض الزيادة السكانية، وهى أن يترتب على هذه الزيادة زيادة مقابلة فى الإنتاج الحقيقى للدولة، بمعنى أن تؤدى الزيادة السكانية إلى زيادة فى أعداد المنتجين والمبدعين وليس فى أعداد المتعطلين. وأن يترتب على الزيادة السكانية خفض فى معدلات الفقر وزيادة فى متوسط الدخل بحيث تصاحب الزيادة فى حجم السوق زيادة مماثلة فى القوة الشرائية تصبح دافعًا لتنشيط التصنيع المحلي، وبالتالى يصبح المجتمع قادرًا على خلق فرص عمل منتجة. وألا تؤدى الزيادة السكانية إلى تراجع فى نوعية الحياة أو إلى تراجع فى إتاحة الخدمات الأساسية أو إلى تدنى جودة هذه الخدمات. وألا تؤدى الزيادة السكانية إلى الإضرار بالبيئة واستنزاف الموارد الطبيعية لاسيما الأرض الزراعية ومصادر الطاقة. وألا تؤدى الزيادة السكانية إلى خفض درجة الاكتفاء الذاتى من السلع الاستراتيجية، مثل السلع الغذائية، ومصادر الطاقة وبالتالى إلى تزايد الاعتماد على الخارج وهو ما يؤثر بدوره على استقلال القرار الوطني. وأوضح الخبير الاقتصادى قائلًا: «إن المشكلة السكانية مسئوليتنا جميعًا مما لا شك فيه أن الزيادة السكانية تعتبر أحد التحديات التى تواجه برامج التنمية الاقتصادية والاجتماعية، الأمر الذى يلقى بظلاله حول مدى فاعلية هذه البرامج فى رفع مستوى معيشة الأفراد خاصة أن هذه الزيادة تلتهم ثمار التنمية، لذلك يصبح الحفاظ على مستويات المعيشة الحالية وتحقيق الرفاهية الاقتصادية بالنسب القائمة إحدى المسئوليات الرئيسية للجهود الحكومية». وأكد عامر، أنه يجب التنسيق بين المؤسسات الحكومية والقطاع الخاص والأهلى فى تحقيق معدلات النمو السكاني، وتحسين الخصائص البشرية مع تحقيق التوزيع المتوازن للسكان باتساع رحاب التنمية، لافتًا إلى أن المشكلة ليست فى مصر فقط، بل يمكن أن تكون فى أى بلد عربي، ولقد وصلت المشكلة إلى أقصى شرق آسيا عند الدولة الصناعية الكبرى الصين، ولقد تنبأت بذلك بعض دول أوروبا فأخذت خطوات سريعة نحو ذلك لإيجاد حلول لعل وعسى أن تعمل على كبح جماح النمو السكاني. ولفت عامر إلى أن توزيع الصناعة فى مصر يتسم بالتركيز الشديد فى مناطق محدودة جدًا، حيث تتركز الصناعات فى مدينة القاهرة الكبرى، والإسكندرية، ثم الغربية والبحيرة حيث صناعة النسيج. ومعنى هذا أنه، فيما عدا هذه المناطق يسود نمط النشاط الإنتاجى الزراعي، وما يصاحبه من أسلوب حياة وظروف اقتصادية واجتماعية يثبت ارتباطها بارتفاع معدل المواليد فى مصر. تؤثر البيئة التى يعيش فيها الناس على أنماطهم السلوكية، بوجه عام، أكثر من تأثير نوعية العمل الذى يقومون به. وتابع عامر، أن حجم السكان وخصائصهم تعتمد على طبيعة الظروف الاجتماعية التى يعيشون فيها، وأنه بتغير هذه الظروف تتغير الخصائص السكانية، فالثابت تاريخيًا أن عدد المصريين ارتبط إيجابيًا بازدهار حضارتها، بمعنى تلازم زيادة حجم السكان وازدهار الحضارة. كما أنه على العكس من ذلك كان هناك تلازم بين فترات التدهور أو الركود الحضارى وانكماش حجم السكان فى مصر، شأنهم فى ذلك شأن بقية شعوب العالم حتى انقلبت هذه العلاقة رأسًا على عقب فى مجتمعات العالم، وظهرت بشكل عكسى واضح فى النصف الثانى من القرن العشرين، إذ أصبح الازدهار والتقدم يرتبطان بانخفاض معدل الزيادة السكانية، بينما يرتبط التخلف بارتفاع هذا المعدل. وأكد عامر، أن التفسير البسيط لهذه العلاقة الموجبة بين الازدهار الحضارى وحجم السكان قديمًا هو أن فترات الازدهار تعنى وفرة فى الإنتاج وقدرة على تزويد أعضاء المجتمع باحتياجاتهم الأساسية من غذاء وكساء ومأوى وظروف صحية أفضل، فينخفض معدل الوفيات، ويزداد معدل المواليد، أما فى فترات الانحطاط والركود فيحدث العكس، حيث يرتفع معدل الوفيات، بفعل المجاعات والأمراض والأوبئة، وينخفض معدل المواليد، بفعل الظروف المعيشية المتدهورة. وأشار عامر إلى أن ذلك التقدم أو التطور الاقتصادى الاجتماعى لمصر، وفقًا لاستراتيجية قومية للتنمية الشاملة، يرتبط ارتباطًا عضويًا بموضوع تزايد السكان فيها، فهذه الاستراتيجية لا بد أن تستغل كل القوى البشرية المصرية فى مشروعات إنتاجية ضخمة، وتعيد توزيع السكان على مساحة مصر الشاسعة من جهة، كما أن كل تقدم اقتصادى اجتماعى سوف ينعكس على معدل تزايد السكان من جهة أخرى، نظرًا لتوافر الظروف الموضوعية لتقليل معدل المواليد ومعدل الخصوبة، والتحول للإنتاج الصناعي، وعمل المرأة، والتعليم، والثقافة. من جانبه، قال الدكتور محمد عوض تاج الدين، وزير الصحة الأسبق، إن هناك توجهًا حكوميًا لخفض معدل النمو السكانى ليصل إلى 2،1٪، للسيطرة على الانفجار السكاني، مشيرًا إلى أنه لكى يقل معدل الزيادة السكانية فى مصر، لا بد من العمل على الارتقاء بالخصائص السكانية، مع السيطرة على النسب المرتفعة من معدلات البطالة بزيادة مستويات الإنتاج. وأشار إلى أن متوسط معدل الخصوبة فى إيطاليا يبلغ 1.1٪ لكل أسرة، و1.2٪ فى ألمانيا، كما تشهد جودة وارتقاء فى الخصائص السكانية، تمكن تلك الدول من إدارة جيدة للموارد بما يصب فى صالح المواطن.